الأربعاء: 01/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

عوج بن عناق (أبو العماليق)

نشر بتاريخ: 09/08/2015 ( آخر تحديث: 09/08/2015 الساعة: 14:33 )

الكاتب: المتوكل طه

ولدت ُ على سفحِ الماءِ
مع الأشجارِ،
وكان القمرُ الطفلُ يلاعبني قربَ العينِ ،
وينْعفُ في وجهي الفضّةَ ،
فأعودُ .. وثوبي يومضُ بحليبِ الليلِ ..
وكنت أطاولُ أغصانَ السّروِ،
فيقول أبي :انظرْ للجذْرِ المغروسِ ،
ومن ثم ّ ارفع ْ هامتَك كما أنتَ !
وكنتُ ألاحِظهُ يتأمّلُ عَمَّتَهُ النخلةَ ،
إذ يسَّاقطُ منها الرُّطب ُ جَنيّاً
عند بلوغِ الزلْزَلةِ ..
وكان صموتاً ؛لا يتكلمُ أو يتعلّمُ ..
لكنّي أدركت ُ
بأنّ الشيخَ شبيهٌ بالجبلِ الرّاسخِ،
ويردّ بأشجارٍ يزرعها - حيث يكونُ -
على الوسواسِ الخنّاسِ ،
ويطعم ُ مَوقِدَهُ ما شاءَ من الأضلاعِ
ليبقى للناسِ نداءً..
-لا يسألُ مَنْ يأتيهِ، ولا يسألهُ الضيف ُ -
فدربُ التّيهِ ..إلى الأقباس .
فَرَدْتُ ردائي ،
وجعلتُ سراجي مشتعلاً،
وأطَلْتُ التحديقَ بهذي الأرضِ،
وأيقنتُ بأنّ الغاباتِ هي الأوتادُ
لهذي الرَّخوةِ ،
حتى لا يُرْهِقُها الجَدْبُ
وليس تميدُ ،
فكان القَصْدُ إلى النبراس.
ولاعبتُ الذّئبَ بخيطِ قَصيدٍ راودني ،
إذْ عَقَصتْ قلبي امرأةٌ بجديلتها ،
فقصدتُ البدْرَ المُلتاعَ،
فصادفني الذئبُ ،
ولمّا سمعَ الإيقاعَ المجروحَ
بكى.. ومضى ..
فاقترب الشاطئُ ،
أعطاني وردَتَهُ المبلولةَ بالنّور،
وجاء البحر ُ وأهداني لؤلؤةَ الأعماقِ
- بكاملِ زينتها -
فَوَهَبْتُ له صوتي ،
فامتزجا شَهداً في أعْرافِ الخيلِ ،
وضوءاً حُرّاً للأفراس.
ودَبَّغَني الجَمْرُ الشَجَريُّ
فوزَّعْتُ قميصيَ في البلدانِ ،
وأسْرَجتُ الرّحلةَ،
كان حداءُ الخَبَبِ أنيسي ..
والشقراءُ ،عباءةُ جدّي ، تتهدّلُ
مثل الأعذاقِ على كتفي ..
ووصايا أُمّي لم تبرح أُذني ..
وصَبا الأمواجِ أمامي..
لم أرَ كثبانَ الرّملِ وريحَ القيْظِ
وأفعى الصّبارِ أو العوسجَ ،
كان الفردوس ُ، على مَهَلٍ ، يتشكّل
بين يديّ،
وكان الصقرُ الأبيضُ يهجسُ بالخَفَقانِ
على فَوْحِ اللّمّةِ والجُلاّس.
وناديتُ الماءَ ، فجاءَ ..
مددتُ يدي للحوتِلأرفعَهُ في الشمسِ،
فطالعني الجانُ المحبوسُ ، بأمْرِ المَنْسَأةِ ،
وكان حزيناً، إذ هجرته الحورُ الزرقاءُ،
فأعْمَلْتُ الفاسَ
فَشَقّ المجدافُ الطينَ
وراقَصَ نورَسَهُ الميّاس!
ضممتُ القطعَ الرَيّانةَ في جسرٍ محمولٍ
فوق الغيمِ،
وكان الموقدُ أكبرَ من عتَماتِ الضّبعِ ،
وروحي مُطهَمةٌ بالهالِ
وقهوةِ أعمامي الحُرّاس.
وريمُ اللوزِ يلاعبُ ساحرةَ الكحْلِ
ويربضُ في ثوبِ الإيناس.
دفعتُ القَصْعةَ للأهلِ،
وأرْهَصْتُ بسورِ القلعةِ ذي الأبواب ِ السبعةِ،
فاكتملتْ
أركانُ البلدةِ والمتراس .
وصاحبني الجندلُ والآسُ
وزّهرُ الليمونِ ،
وكنت ُ المرويَّ لأطفئَ نارَ الّلاهوب
بكلِّ بيوتِ الخوصِ ،
وحيث ينام الظبيُ،
وتصحو الدبَكاتِ
على وَقْعِ الأرغولِ
ورَجْعِ الجَفْرةِ والإحساسِ .
قديماً ؛
منذ الغارِ المنحوتِ،
إلى الطوفانِ ..
ونحنُ مقاصدَ أهلِ اللهِ
على مدّ الساحلِ
والصّوفِ العابقِ بالمِحْماس ..
ومنذُ الغَمْرِ الأوّلِ؛
يومَ شهدتُ زواجَ النخلةِ ،
وانصب ّ الشّهدُ على القنديلِ ،
وجِيءَ بكلّ ملائكة ِ العيدِ،
وهبّ العشّاقُ إلى العشّاقِ،
وفاض اللونُ على الكرّاسِ
وبيتي يحفلُ بالأعراسِ...
ولكنْ!
ما يُقْلِقُ نَومي ،
ويقضّ حريرَ الغفوةِ في الأرماس..
بأنَّ الأرضَ وراءَ الرّيحِ ،
وغابت في القدسِ الأقداس .