الثلاثاء: 07/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

وين رخصة الحمار !!!

نشر بتاريخ: 01/11/2015 ( آخر تحديث: 01/11/2015 الساعة: 10:41 )

الكاتب: نصير احمد الريماوي

بينما كان المواطن "م . ق" من إحدى قرانا الفلسطينية الجنوبية عائدا على ظهر حماره إلى قريته مساءً بعد يوم عمل شاق وقائظ في حراثة أرضه الزراعية- التي لا تبعد أكثر من سير ربع ساعة تقريبا على الأقدام- صادفه عدد من المستعمرين الصهاينة على مدخل القرية يصولون ويجولون بأسلحتهم ويعربدون بصلافة وهم يرتدون زيهم المدني وبسوالف مجدولة طويلة مثل أذناب البهائم تتدلى على جوانب وجوههم الكالحة .. وكانوا يصابون بحالة من الذُّعر من دَبيب الأشياء من حولهم .. ويتملّكهم الخوف الذي كان باديا على ملابسهم المُرتجّة التي تدثر أجسامهم النّتنة، ويتلفَّظون بألفاظ نابية مثل عواء الذئاب المتوحِّشة.. وقدموا من مستعمرة غاصبة تدعى "عتنئيل" تبعد ثلاثة كيلومترات عن القرية. 

عندما وصل "م . ق" المدخل أجبروه على التوقف بالرغم من أنه كان مرهقا من العمل ويتصبب جبينه عرقا ..
تجرّأ بعضهم وتقدم مُشهرا سلاحه نحو "م . ق" ، وسأله: "وين رخصة الحمار .. هل معك رخصة له ؟ " .
استغرب "م . ق"- البالغ من العمر50 ربيعا وكان محاميا مضربا عن العمل أمام محاكم الاحتلال- من هذا السؤال الغريب العجيب لأن الحمير تسير بلا رُخص منذ بداية الخَليقة..
ضحك ضحكة ملأت شدقيه .. ثم أجابه:
_ لا .. طبعا لا توجد معي رُخصة للحمار.
- إذا ممنوع المرور إلا إذا أعطيتني رخصة الحمار !!
- الحمار ليس له رخصة في بلادنا.

تقدم المستوطن وصفع "م . ق" على وجهه .. فما كان من "م . ق" إلا أن ترجَّل عن ظهر حماره.. أمسك بالمستوطن المُعتدي .. طرحه أرضا أمام زملائه المدججين بالسِّلاح وأوسعه ضربا وردّ له الصّاع صاعين..
لقد فاجأت شجاعة "م . ق" المستوطنين و طريقة الدفاع عن نفسه، فعلى وجه السرعة هجم جميع المتواجدين منهم عليه مصوِّبين أسلحتهم صوب رأسه مع وصول جنود الاحتلال فورا في نفس اللحظة..

اعتقلوه .. أوثقوا يديه بوثاق بلاستيكي خلف ظهره .. وأوسعوه ركلا وضربا على مختلف أنحاء جسمه ثم اقتادوه إلى سجن الخليل حينئذ .. بينما استمر الحمار في سيره شاقا طريقه بلا وَجل حتى وصل منزلهم ..
لاحظ أهله أن عودة الحمار وحيدا بلا فارسه المغوار كانت تحكي قصة لهم بأن شيئا ما حدث، كما أثارت فضولهم للبحث والتقصّي عن سبب هذه العودة المنقوصة التي تُخفي خلفها سِرا ما يجهلونه..
خرجوا مسرعين من المنزل وتفرّقوا في اتجاهات مختلفة للبحث عن ابنهم المفقود، وأثناء ذلك أبلغهم بعض المواطنين القاطنين قرب مدخل القرية الذي شاهد ما حصل بأم عينه بما حصل مع نجلهم "م . ق". 

على إثر ذلك سُجن "م . ق" لمدة عشرة أيام، ورفضوا إخراجه إلا بكفالة مالية مقدارها عشرة آلاف شيقل إسرائيلي علما بأن أرضه المذكورة لا تنتج هذا المبلغ في عشر سنوات كاملة !!