الثلاثاء: 07/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

قبل وعد بلفور.. بكثير

نشر بتاريخ: 04/11/2015 ( آخر تحديث: 04/11/2015 الساعة: 11:49 )

الكاتب: المتوكل طه

وفجأة !
لا ليس فجأة ! لقد صرخ مجنونُ البلدة في الهزيع ، مُحذّرا الناس ، من أنّ الغرباء سيأتون على مراكبهم السوداء ، بوجوههم الغوليّة المشوّهة وقرونهم الحادّة وأظفارهم التي هي مخالب ذئاب هرمة ، يحملون السواطير والقضبان البرونزية التي تشرّ حدّة ، وبملابسهم المعدنيّة المُطْفأة.. سيهبطون على الشاطئ ، في ليل بهيم ، ينهبون ويسلبون ، وسيبيدون القصور والقلاع والمعابد، وسيدخلون البيوت من أولها حتى آخرها ، سيغرزون سكاكين أيديهم الآثمة القذرة في بطون الحوامل ، وينزعون الأجنّة من الأرحام ، وسيقهقهون وهم يرفعونها وهي تنبض بالدم الفوّار ، وسيلتهمونها ، فتتبقّع وجوههم بفقاقيع تتخثّر ، فيصبحون أكثر رعباً وتوحّشاً.

قال : سيَدْهمون القرى كلّها ، وسيشعلون الحرائق في البيوت والدواوين والدكاكين والحقول ، وسيرقصون على إيقاع اللهّب المسعور ، وسيجأرون ويضربون بأذرعتهم الأبواب فيحطّمونها ، ويقطّعون رؤوس الشيوخ والأطفال ، ويستحيون النساء الصغيرات ، وهم يخلعون ضفائرهن فتنسلخ جلدة الرأس وتنبع بالدم الحرام.

وسينجو القليلون ، ليبدأ المغنّي بكائيته من لغة زائغة مجنونة الحنين ، دائخة، تبحث عمَّن بقي من الأشياء والوجوه ، بعد هذا الدمار المريع .
سيقف على تلّة في البعيد ، لعلّ أرضه تتراءى له ، ليقول ، كان كلامي العذب مخبأً في عينيك ، ولطالما قلتِ لي أن أصيح باسمك عندما أشتاقكِ ، وها أنذا أصيحُ فلا تأتين !

كنتِ تشعّين بجسمكِ تحت غلالات الضباب ، وها أنتِ تنغلقين على سواد تام .
لقد أفقدوك براءتك وعفّتكِ ، وأطبق الملحُ على شفتيكِ؟

لقد خرج أهلك مفزوعين ، وكانوا ينظرون إلى الوراء ، ودمهم يتهاطل من أجسامهم ، ودموعهم ملء وجوههم . وكانت الأشجار تنخلع عن عَرْشها الأبدي ، وتجري نحوهم لتعانقهم العناق الأخير ، وكانت حجارة البيوت المهدومة تتطاير باتجاههم لتقبّل رؤوسهم وأكتافهم .. وتودّعهم ، وتبكي وحدتها مع الصبّار اليتيم .
وظلّ السراج يرتعش في البيوت التي انذبحت ، وبقي الفتيل يتغذّى من الدم الذي شخبت به الأبدان والجدران ، فعبّأ حوض السراج الصغير ، وهذا ما تراه يومض من بعيد في الظلام !

وليس لك الآن ، أيها المُغنّي إلاّ أن تحرس السنبلة التي حملها ذلك الفتى اللاجئ ، بعد أن استلّها من حقله ، قبل أن يحرقوه ، ووضعها في جيبه . خُذ حبّات السنبلة وابْذرْها في كل الحقول المحيطة بالأرض، لتمتلئ الحدود بالموج الأشقر.
استدراك ؛
وجاء شقيق الفتى الجديد ، يحمل نَصْلَه المشحوذ ، ليغرزه في عنق الليل ، دفاعاً حاسماً عن القبّة والمحراب ، وقبل أن يحيلهما الوثنيُ إلى هيكلٍ للخراب .
المتوكل طه

وفجأة !
لا ليس فجأة ! لقد صرخ مجنونُ البلدة في الهزيع ، مُحذّرا الناس ، من أنّ الغرباء سيأتون على مراكبهم السوداء ، بوجوههم الغوليّة المشوّهة وقرونهم الحادّة وأظفارهم التي هي مخالب ذئاب هرمة ، يحملون السواطير والقضبان البرونزية التي تشرّ حدّة ، وبملابسهم المعدنيّة المُطْفأة.. سيهبطون على الشاطئ ، في ليل بهيم ، ينهبون ويسلبون ، وسيبيدون القصور والقلاع والمعابد، وسيدخلون البيوت من أولها حتى آخرها ، سيغرزون سكاكين أيديهم الآثمة القذرة في بطون الحوامل ، وينزعون الأجنّة من الأرحام ، وسيقهقهون وهم يرفعونها وهي تنبض بالدم الفوّار ، وسيلتهمونها ، فتتبقّع وجوههم بفقاقيع تتخثّر ، فيصبحون أكثر رعباً وتوحّشاً .

قال : سيَدْهمون القرى كلّها ، وسيشعلون الحرائق في البيوت والدواوين والدكاكين والحقول ، وسيرقصون على إيقاع اللهّب المسعور ، وسيجأرون ويضربون بأذرعتهم الأبواب فيحطّمونها ، ويقطّعون رؤوس الشيوخ والأطفال ، ويستحيون النساء الصغيرات ، وهم يخلعون ضفائرهن فتنسلخ جلدة الرأس وتنبع بالدم الحرام.

وسينجو القليلون ، ليبدأ المغنّي بكائيته من لغة زائغة مجنونة الحنين ، دائخة، تبحث عمَّن بقي من الأشياء والوجوه ، بعد هذا الدمار المريع .
سيقف على تلّة في البعيد ، لعلّ أرضه تتراءى له ، ليقول ، كان كلامي العذب مخبأً في عينيك ، ولطالما قلتِ لي أن أصيح باسمك عندما أشتاقكِ ، وها أنذا أصيحُ فلا تأتين !

كنتِ تشعّين بجسمكِ تحت غلالات الضباب ، وها أنتِ تنغلقين على سواد تام .
لقد أفقدوك براءتك وعفّتكِ ، وأطبق الملحُ على شفتيكِ؟

لقد خرج أهلك مفزوعين ، وكانوا ينظرون إلى الوراء ، ودمهم يتهاطل من أجسامهم ، ودموعهم ملء وجوههم . وكانت الأشجار تنخلع عن عَرْشها الأبدي ، وتجري نحوهم لتعانقهم العناق الأخير ، وكانت حجارة البيوت المهدومة تتطاير باتجاههم لتقبّل رؤوسهم وأكتافهم .. وتودّعهم ، وتبكي وحدتها مع الصبّار اليتيم .
وظلّ السراج يرتعش في البيوت التي انذبحت ، وبقي الفتيل يتغذّى من الدم الذي شخبت به الأبدان والجدران ، فعبّأ حوض السراج الصغير ، وهذا ما تراه يومض من بعيد في الظلام !

وليس لك الآن ، أيها المُغنّي إلاّ أن تحرس السنبلة التي حملها ذلك الفتى اللاجئ ، بعد أن استلّها من حقله ، قبل أن يحرقوه ، ووضعها في جيبه . خُذ حبّات السنبلة وابْذرْها في كل الحقول المحيطة بالأرض، لتمتلئ الحدود بالموج الأشقر.
استدراك ؛

وجاء شقيق الفتى الجديد ، يحمل نَصْلَه المشحوذ ، ليغرزه في عنق الليل ، دفاعاً حاسماً عن القبّة والمحراب ، وقبل أن يحيلهما الوثنيُ إلى هيكلٍ للخراب .