الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مشاهد تحت الثلج

نشر بتاريخ: 21/12/2015 ( آخر تحديث: 21/12/2015 الساعة: 15:01 )

الكاتب: عطا الله شاهين

أصرّت طفلته على الخروج ذات مساءٍ كان الثلج فيه يهطل بغزارة، وبعد إلحاحٍ شديد منها وافق والدها ليصطحبها معه إلى وسط المدينة، فارتدى بالطو وخرج معها، وسارا سوية تحت ندف الثلج، وحين وصلا إلى مركز المدينة كان المنظر رائعا، فالثلج بدأ يتراكم بسماكة على الطرقات والأرصفة، وطفلته سرّتْ كثيرا وبدأت تمسك الثلج وتلعب به، أما هو فكان ينفث دخان سيجارته، ويسير ببطء ويرتعش من شدة البرد .. وبعد سير قليل شاهدت طفلته بعض الأطفال كانو يلعبون وسط ضحكات جنونية، فقالت لأبيها: أريد أن ألعب معهم قليلا، فوافق الوالد المتجمد من حرارة الجوّ، وانزوى على مدخل عمارة مغلقة ينفث بقية سيجارته المبتلة.. 

وبعد ما لعت قليلا ناداها والدها للعودة إلى البيت، لكنها صارت تبكي وقالت له : هذه أول مرّة أشاهد فيها الثلج، دعني ألعب قليلا، فوافق أبيها بامتعاضٍ ولعبتْ حتى بدأت تقول له بابا أشعر ببرد الآن، فعادا إلى البيت، وفي الطريق رأت امرأة تأكل بوظة فاستغربتْ وسألتْ والدها ألا تشعر هذه المرأة ببردٍ وهي تأكل البوظة، فقال لها والدها هذه امرأة تعوّدت على أكل البوظة في الشتاء، وهي تتحمل البرد ليس مثل نساؤنا اللواتي يحببن الجلوس بالقرب من المدفأة.. 

وسارا في طريق مختصرة وشاهدا عمالا يصلحون أسلاك الهاتف المقطوعة، وعمالا آخرين من شركة الكهرباء يصلحون الأعطال، وحين أقتربا منهم شاهدا النكد على وجوههم، فقالت الطفلة لأبيها: لماذا هم يصرخون على بعضهم ومزاجهم سيء، فقال لها وكيف تريدن أن يكون مزاجهم في هذا الجوِّ العاصف، فبالتأكيد هم في نفسية سيئة، لأنهم يريدون أن يكونوا مع أطفالهم بجانب المدفأة..

وحين وصلا إلى البيت لم يتمكنوا من تحديد مدخل بيتهم، فبدأوا بإزاحة الثلج من على مدخل منزلهم، وبعد وقت قصير تمكنا من رؤية باب المنزل، ودخلا وجلسا بجانب المدفأة، وهما يرتعشان، فسألتْ الطفلة أبيها لماذا أُمّي لا تدفئك كهذه المرأة التي أشاهدها على شاشة التلفزيون، فابتسم وقال لها أُمّكِ تدفّئني في ابتسامتها، فابتسمتْ الطفلة وذهبتْ للنوم، وبعد دقائق انقطعت الكهرباء وساد الغرفة جوّا من الصمت.. وفي الصباح سألتْ الطفلة أبيها لماذا ذهبت لتلك المرأة حينما كانت تأكل البوظة وهمست في أذنها، فقال لها لأنها كانت تريد سيجارةً مني، وأنا بالقرب منها شعرت بدفء مجنون.. فابتسمت طفلته وقالت ما زلت والدا شقيا..