الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

يوم وراء يوم

نشر بتاريخ: 02/01/2016 ( آخر تحديث: 02/01/2016 الساعة: 18:17 )

الكاتب: تحسين يقين

رحم الله إحسان عبد القدوس، وأطال بعمري سميرة سعيد والشاب مامي الذين جميعا وهبوني العنوان وما هو أكثر!
كل يوم جميل عيد..
وكل يوم لا يحدث فيه ما يحزن فهو عيد أيضا..
وكل يوم فيه ما لا يسرّ هو يوم أمل بعيد قادم..
إذن ما أكثرها هي الأعياد.
أما أعياد المناسبات فلا حاجة لي بها.

كان على ضفة النيل في شقته بالزمالك حين نشر قصة قصيرة تحمل عنوان هذا المقال في جريدة الأهرام، فقرأتها على الضفة الأخرى في العجوزة، وكأنني أنظر إليه الآن بعذوبة ابتسامته وطفولة وجهه. كان بيننا النيل مكانا، وكان بيننا في الزمان مشوار عمره من خبرة وتأمل وفلسفة.
تلقيت القصة وأنا في مقتبل العمر وهو تمام حكمة النضج والوعي.
لا أدري وأنا أعبر العشرين لم ربطت بين القصة وبين حياة عبد القدوس، ثم بين القصة وقصصنا –حياتنا!

ربما قرأت في الكلمات فلسفة الشيخ، وهو الذي اعتدت قراءة عموده الأسبوعي في "الأهرام" الذي حمل عنوان على المقهى السياسي، والذي كان يقتبس من تراث كليلة ودمنة العبارتين: سأل الطالب الفتى شيخه الفيلسوف، وأجاب الشيخ الفيلسوف طالبه الفتى.
والآن وأنا أعبر إلى الخمسين، أرى نفسي بينهما، ومرة شيخا، ومرة فتى، كل حسب الشعور واصطفاف الزهر على الطرقات.

مضمون قصة يوم وراء يوم لعبد القدوس، هو مضمون سؤال الحياة، وكيف نمضيها، وهل من دور وحياة للحياة، من خلال قصة شخص يرتب حياته وينظمها تماما، بما فيها وقت الحب، وكيف يصل إلى حافة النهاية..
حياة هادئة ومسالمة لإنسان عرف أن دوره أن يعيش حياته ويكون سعيدا بها وفيها، وألا ترتبط السعادة بالسطو على سعادة الآخرين والأخريات.
الآن أتساءل: هل هذا ممكن؟
هل ممكن على المستوى الفردي والاجتماعي والناس والأمم والشعوب والعلاقات الدولية!

في أغنية سميرة سعيد والشاب مامي " انا راجعة يا اغلى حبيب" التي هي من كلمات الشاعر خالد تاج، والحان عمرو مصطفى، ما يعمّق الشعور تجاه أسئلة الحياة من خلال سؤال الحب!
ابتدأها الشاعر:

انا راجعة يا اغلى حبيب بقولك لا كده كفاية
حبيبي مهما كنت بغيب بقلبك كنت ويايا
وفي وسط القصيدة:
انا عمري ما كنت بغيب عيونك عايشة جوايا
كفاية في الفراق تعذيب نفين افى بعدنا نهايه
وفي أواخرها:
يالا نكون سوا حبيبي و تجمعنا الحياة
نعيش وندوق اجمل هوا هايحصل ايه

أظن الشاعر الغنائي أبدع وأثار شعورنا، واللحن والغناء عبرا بأسلوب موسيقي مدهش وغير نمطي.
المضمون، هو السلام العاطفي، فلا يستحق الحبيبان العذاب، فمن حقهما السرور.
صديقي وأستاذنا الشاعر السوري علي كنعان كتب على الفيسبوك فقرة لا تبعد عما نتحدث عنه، أقتبس منها:
"أول ما خطر لي في وداع هذه السنة الغبراء الكالحة، ذكرى وضاءة من مشوار ليلي في شوارع دمشق البهية بصحبة نجيب سرور وسعد الله ونوس... راح نجيب بصوته المسرحي الرائع يردد مقاطع شعرية من قصيدة (التراجيديا الإنسانية): حياتنا قصيرة.. قصيرة وواحدة/ وكم تكون حلوة لو أنها تعاش/ لكننا نموت مرتين/ لأننا نعيش أشقياء....."

أعيد القراءة:
حياتنا قصيرة..
قصيرة وواحدة
وكم تكون حلوة لو أنها تعاش
لكننا نموت مرتين
لأننا نعيش أشقياء"
فأتساءل في حرقة وحزن: لماذا؟

مادام أن الحياة قصيرة لا تشكل نقطة في عمر الزمن والكون، فلماذا لا نعيشها بهناء؟ لماذل نموت مرتين؟
وفي مقتبل العشرينيات، رحت أقرأ عن فلسفة الحياة، فاهتديت لكتب الدكتور زكريا ابراهيم الثمانية المشهورة: مشكلة الحرية، ومشكلة الإنسان، ومشكلة الفن، ومشكلة الفلسفة، ومشكلة الحب، والمشكلة الخلقية، ومشكلة الحياة، ومشكلة البنية.
وأذكر كتابين منهما قرأتهما بتفحص رغم صعوبتهما الفلسفية، وأنا أصلا طالب آداب، هما مشكلة الإنسان ومشكلة الفن، وفيهما عرض الدكتور إبراهيم عرضا فلسفيا، مستعرضا شيئا عن تاريخ الفلسفة بما يقتبس ويحلل ويعلق ويعمّق. وبدراسة كتاب فلسفة الفن تعلمت الكثير، وأهم ما تعلمت هو أن نعيش مدركين لعمق بساطة الحياة لا سطحيتها. ولما كان الحب مهما لتلك الفترة، فقد ربطت بين الحب والحياة والفن.
الفن علمني البساطة والتلقائية لا التكلف، حتى ولو أغرى آخرين بالبحث عن سذاجة ما!

كسبت الحياة لأنني عشتها، بعيدا عن "تشبيه تعقد فقدان عقل" عبارة طاهر سيف صديق لي منذ 3 عقود تقريبا، نفته تعقيدات الحياة إلى ألمانيا...
و"تشبيه تعقد فقدان عقل" عبارة طاهر ابن ال19 عاما البلاغية، جاءت ربما بوحي فيلم رأفت الميهي "سمك لبن تمر هندي"!
وثمة علاقة بين حياة الإنسان والفن والحب!
يوم وراء يوم وأسبوع وراء أسبوع وشهر وعام وأعوام وعقود وقرون وألفيات...الزمان!
والمكان!

وإذا أضفنا لما سبق من تأملات الحياة، تأملها في وضعنا الخاص، فإن الاحتلال إما أن يبعدنا قليلا عن أسئلة الحياة، أو لربما يعمقها، في كلتا الحالتين سنصير فلاسفة وشعراء..
أتساءل اليوم في جبال القدس كما تساءلت على ضفة النيل قبل 27 عاما:
هل يمكن أن نعيش حياة هادئة ومسالمة نعرف أن دورنا أن نعيش حياتنا ونكون سعداء بها وفيها، وألا نربط السعادة بالسطو على سعادة الآخرين والأخريات؟
هل هذا ممكن على المستوى الفردي والاجتماعي والناس والأمم والشعوب والعلاقات الدولية!؟
إن لم يكن ممكنا فأي حياة ستكون هذه الحياة!؟
ربما علينا دوما هنا البدء بأنفسنا، بما هو أقرب وممكن لنسالمه، لربما يكون ذلك مقدمة لسلام مع البعيد الذي نحسبه غير ممكن!