الجمعة: 03/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلتعرف يا ولدي

نشر بتاريخ: 06/01/2016 ( آخر تحديث: 06/01/2016 الساعة: 16:27 )

الكاتب: صادق الخضور

سؤال فجائي طرحه ابني محمد: أيهما تحب أكثر أنا أم الوطن؟ قد يبدو السؤال عابرا أو سطحيا لكنه أجبرني على التأمل، فثمة ما يستحق البحث عن جدلية العلاقة وعضويتها بين الوطن ومن نحب وصولا إلى حالة التماهي الكبير.

ولتعرف يا ولدي الحبيب أن الوطن ماثل في طموحك ومستقبلك، فاستشراف فضاء حريته مرتبط بفضاء الطموح في أن تنعم وأبناء جيلك بمستقبل في وطن ينعم أبناؤه بالحرية.

ولتعرف أيضا أن سؤالك يندرج في إطار الأسئلة السابرة، وقد أثلج صدري، فقلّما اعتدنا أن نعوّد أطفالنا على الأسئلة، ولتعرف أيضا أنك والوطن وجهان لعملة واحدة، فطموحي لك مقترن بطموحي المرتبط بالوطن، وليس من السهل فض حالة التداخل المنطقي أو تجاهل طبيعة التلازم بينكما.

ولتدرك يا ولدي الحبيب أن مقولة إن الإنسان يتمنى فقط أن يكون ابنه الوحيد الأفضل منه حالا حالة تنطبق على الوطن، ألم أقل لك يا ولدي أن فض حالة التداخل ضرب من ضروب المستحيل؟

هو ذاك يا ولدي، فكلاكما من القلب بمثابة النبض الذي لا يفارق القلب المسمع صوت وجيبه كل من به صمم، ولذا ثق يا ولدي أن التعبير عن شكل العلاقة وطبيعة التلاقي بينكما صعب لا لأنه صعب بل لأن لا فاصل بين اسمين وكأنهما حرف واحد، فهل أدركت هذا يا ولدي؟

هو الوطن؛ وعلاقتنا به تتجاوز كل حد، فهو مثلك تماما لا يفارق أروقة الروح التي ما استشرفت غدها إلا بوجودنا عليه تماما كما شكّل وجودك قوّة دافعة لتأصيل الطموح فينا، ولذا فإني لطالما تمنيت لك ما أتمناه للوطن؛ أن يكون عصيّا على الانكسار، بمنأى عن كل قلاقل، عزيزا أبيّا حرّا سالما غانما عزيزا مكرّما، فهل أدركت مدى التلاقي بينكما يا ولدي؟

هو مثلك تماما، حاضر لا يغيب، مشرق في نظري غير قابل لأن تتلبد سماؤه بضبابية، فهو كما أنت أمل بأن يكون القادم دوما أزهى وأبهى.

هو وأنت، أو أنت وهو كلاهما وكلاكما ضمير، ومنكما ينبع الضمير، ولكما نحرص على أن يظل الضمير حاضرا بنقاء لا يعتريه سواد.

وأنت مثله تماما، باق فينا ما بقينا، يمثّل البعد عنه وعنك استحالة، هي أمور لا يمكن اختزالها بسرعة، أو حصرها في خاطرة أو مقالة، فللوطن في نفوسنا كما لك أنت حضور واحد لكن بألف دلالة، فهل أجبت عن سؤالك يا ولدي؟ وهل وصلتك الرسالة؟ 
 
للوطن يا ولدي ولك أنثر عبير تمنياتي بأن يكون الخير الوافر في الغد الآتي، فبكما ومعكما نواصل حضورنا الطامح المقرون دوما بالأمل، فلتعرف ذلك يا ولدي.