الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

إلى المسافر...هيّا

نشر بتاريخ: 05/03/2016 ( آخر تحديث: 05/03/2016 الساعة: 21:06 )

الكاتب: صادق الخضور



"أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا" رددناها كثيرا، وتم تداولها في المدارس إذْ كنا صغارا، وتذوقنا جمال الصورة الحاوي بين ثناياه صورة الجمال، ومضينا، كبرنا، ونمت قدراتنا على التخيّل، وكلما كبرنا انحسرت فرص تواصلنا مع الطبيعة، وكأننا إذ نبتعد عن طفولتنا نبتعد تلقائيا عن الطبيعة، وهو ما يعني أننا فارقنا طفولتين لا طفولة واحدة.

ومع كل ربيع جديد، تستعيد ذائقة التواصل مع جمال الطبيعة ألقها المنبعث من أناقة الطبيعة المزدانة جبالها بخضرة زاهية باهية، وحلّة قشيبة، تسلب اللب، وتريح القلب، وتذيب من على جدرانه ما تكلّس من صدأ الهموم.

الربيع – وبحمد الله- محطة تطول أيامها مع الاسترخاء والتأمل لمن لم يسقط من حساباته التأمل والاندماج مع الطبيعة بفصولها المختلفة، ويأتي الربيع حاملا معه أماني الحالمين، وطموحهم في العيش الوادع في كنف الجمال.

هو الربيع، خضرة المروج، ألوان الحنون، زهر اللوز، وأشجار تتأهب لتكون براعمها شاهدا على خيرها القادم، وسنابل القمح تموج في المروج، وهضاب باسمة صخورها وقد أماط المطر من على وجنتيها عبوس غبار وطين تراكم، وفي قلب كل واد؛ حصى وحجارة في مجاري السيول وقد تجاورت وكأنها حبّات في قلادة، وقلادة في جيد طفلة حالمة.
إلى الجبال والسهول التي تتزين في الربيع بحلّة قشيبة، يسافر الجميع لا بحثا عن رحيل بقدر ما هو عثور على الذات، وفي قلب مسافر بلدتي الوادعة بني نعيم، يكون المشهد مجسدّا لربيع جنوبي جنوني خلاّب، ولتتجدد طقوس في غاية الروعة: إبريق شاي على نار الحطب، وقهوة على جمر، وإطلالة على كل ربوع الجميل، وغيرها من ملامح الانطلاق في دنيا البساطة.

جميل وطني وفي الربيع يزداد جمالا، حالمة ابنتي ويزيدها الربيع خيالا ودلالا، والربيع الجالب معه زركشة الألوان يجبرنا على إعادة اكتشاف الإنسان فينا، ليبرهن أن منسوب عشق الجمال لا يفنى لكنه يتحول من شكل إلى آخر، وبأن جمال الربيع يستفز الكامن فينا.

إلى المسافر هيّا، وإليها يطيب الذهاب، وتغدو النزهة عالما من عوالم العثور على ما فقدناه من تأمل في زحمة المشوار، ففي رحاب الطبيعة وفي أجواء الربيع، يطيب إكمال المشوار، فهو الربيع:
"من الحسن حتى كاد أن يتكلما".