الإثنين: 06/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الرسوم المسيئة للشعب الفلسطيني وعُقدة الاستعلاء

نشر بتاريخ: 31/03/2016 ( آخر تحديث: 31/03/2016 الساعة: 10:33 )

الكاتب: د. وليد القططي

فن رسم الكاريكاتير هو نوعٌ ساخرٌ من فنون الرسم يستخدم المبالغة في التصوير الفني بهدف النقد السياسي أو الاجتماعي أو غيرهما . وهو رسالة من الفنان إلى الناس المشاهدين للرسم لها قدرة على إيصال مضمون الرسالة بطريقة مختزلة تفوق غيرها من الرسائل كالمقالات والتقارير الصحفية في سرعة إدراكها وقوة تأثيرها . ولقد تم توظيف هذا الفن في خدمة القضية الوطنية الفلسطينية بطريقة إيجابية فاعلة من العديد من رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين أمثال ناجي العلي وأمية جحا . أما توظيف هذا الفن النبيل في خدمة الحزب بطريقة سلبية ليكون رافداً من روافد تأجيج الصراع الداخلي الفلسطيني وصب الزيت على نار الفتنة والاستخفاف بعموم الشعب الفلسطيني وإهانة رموزه الوطنية ، فهو توظيف رخيص لفن رفيع .

ولعل هذا ما فعله صاحب رسوم الكاريكاتير المسيئة للشعب الفلسطيني والتي كان آخرها في الرسم الذي نعت فيه شباب غزة وأهلها بــ ( الكلاب ) , واعتبر انهم لا يستحقون أن يضحي المقاومون من أجلهم , وكأنهم – أهل غزة وشبابها – يعيشون في رغد العيش ونعيم الدنيا ولا يشاركون المقاومين – الذين هم أبنائهم – دفع ثمن الصمود والمقاومة من حياتهم وقوتهم وحريتهم , دون أن يسأل نفسه قبل أن يشتم شباب غزة الذين يجلسون على المقاهي دون عمل من الذي يتحمل جزءاً من المسؤولية عن ضياع مستقبلهم وتبدد أحلامهم . وإذا كان صاحب الرسوم المسيئة لا يسأل نفسه فنحن سنسأل أنفسنا ما الذي دفعه إلى تكرار إساءته للشعب الفلسطيني مرة في الضفة وأخرى في غزة, ومرة في إهانة العلم الوطني وأخرى في اهانة رمزية أبي عمار ؟ وما الخلفية النفسية والفكرية التي انتجت هذه الرسوم ؟ .

فالخلفية النفسية يُمكن البحث عنها في نظرية التحليل النفسي التي لها رؤية خاصة في عملية الانتاج الأدبي والفني , فهي تبحث في الأسباب والدوافع النفسية العميقة التي تقف وراء هذه العملية والتي تجعل لكل أديب وفنان نمطاً ولوناً خاصاً به ينسجم مع شخصيته وبنيته النفسية , ومن هذه الأسباب والدوافع ما هو مكبوت في اللاشعور دون أن يخمد فيظهر من حين لآخر في الأحلام والأفعال اللاإرادية والأمراض النفسية وفي الابداع الأدبي والفني من خلال آلية الإعلاء أو التسامي . ومن هذه الأسباب والدوافع أن الأدب والفن وسيلة لتحقيق الرغبات التي أحبطها الواقع في الخيال مجسّدة في إنتاج أدبي وفني . ومنها أيضاً الأمراض والعقد النفسية كالنرجسية والاستعراضية وعًقد النقص واوديب واليكترا ... وفي حالتنا هذه مع صاحب الرسوم المسيئة للشعب الفلسطيني نحن بحاجة إلى إضافة عقدة جديدة هي ( عقدة الاستعلاء ) التي تفسّر استخفافه بالشعب الفلسطيني وإهانته لرموزه الوطنية .

والاستعلاء حالة شعورية نابعة من معتقدات خاطئة يؤمن فيها الفرد أو الجماعة بأنهم يمتلكون الصواب والحق والخير المطلق , بينما الآخرون يمتلكون الخطأ والباطل والشر المطلق . وضرب من الشيفونية التي يتعصب فيها الفرد أو الجماعة لذواتهم الدينية أو المذهبية أو القومية أو الوطنية أو الحزبية , ويتعصبون ضد الآخر المختلف دينياً ومذهبياً وقومياً ووطنياً وحزبياً وغيرها . وهو رؤية نخبوية منحرفة ترى في نفسها القيّم على الشعب الذي لا يعرف مصلحته , وهذه النخبة الفريدة المميزة التي تحتكر لنفسها الحديث باسم التنوير أو الدين تنظر لعامة الشعب باستخفاف وربما باحتقار, وفوق كل ذلك فالاستعلاء خليط مركب من صفات استعلائية تجمع بين العُجب والكبر والغرور والترفع والاستخفاف والعنجهية .

وفي الخلفية الفكرية للاستعلاء ربما يكون صاحب الرسوم المسيئة للشعب الفلسطيني قد قرأ كتاب ( معالم في الطريق ) للمفكر الإسلامي المصري ( سيد قطب ) ووصل إلى فصل ( استعلاء الايمان ) وقرأ قول الكاتب " الاستعلاء ... يمثل الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها شعور المؤمن وتصوّره وتقديره للأشياء والأحداث والقيم والأشخاص سواء إنه يمثل حالة الاستعلاء التي يجب أن تستقر عليها نفس المؤمن إزاء كل شيء وكل وضع وكل قيمة وكل أحد ... إنه الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ... " ففسر هذا الكلام بطريقة خاطئة كغيره من بعض المنتمين للحركة الإسلامية الذين طبقوا فهمهم الخاص للاستعلاء فاستعلوا على شعوبهم ومجتمعاتهم اعتقاداً منهم بأنهم يمثلون الدين والناطقين باسم الإسلام دون غيرهم من الناس فجعلوا فكرهم الديني هو الدين نفسه واجتهادهم في فهم النص الديني هو النص نفسه , وبالتالي فمن يخالفهم في الرأي كمن يُخالف الدين نفسه , ومن ينتقد فكرهم كمن ينتقد الإسلام نفسه , ومن هنا جاءت النظرة الحدية الإقصائية الاستعلائية للآخر المغاير لهم حتى لو كان هذا الآخر هو الشعب نفسه أو على الأقل الشعب الذي لا يؤمن بأفكارهم ولا ينتمي لحزبهم .