الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

تلك المرأة ترى الضّجرَ بلونٍ أصفر

نشر بتاريخ: 24/04/2016 ( آخر تحديث: 24/04/2016 الساعة: 10:49 )

الكاتب: عطا الله شاهين

ظلّ تائهاً ذاك الرّجل لأيّامٍ في صحراءٍ شاسعة تبعدُ كثيراً عن بلدته، وكانَ كلّ يومٍ يشربُ قليلا مِنْ مَطَرته، لكيْ يحافظَ على بقيةِ الماء حتّى خروجه مِنْ ورطته، لقد كانَ يبحثُ عن أيةٍ طريقٍ أو مخرجٍ من هناك كالمجنون، لكنْ دون جدوى، فعدة أيام مرت على توهانه، لكنّه لمْ ييأس رغم أنّه بدأ يهلوس، وفي ظهيرةِ أحدِ الأيّام، حينما كان يسيرُ على الرّمال ببطءٍ رأى من بعيدٍ خيمةً، ففرحَ كثيراً وابتسمَ، وراحَ يزحفُ صوبها بخطواتِه البطيئة، وعندما وصلَ عند ساعاتِ العصر، رأى امرأةً تقفُ على مدخلِ الخيمة، فاقتربَ منها وسألها هلْ بإمكانكِ أن تدلّيني على الوصولِ إلى طريقٍ يقودني إلى مدينةٍ ما؟ فردتْ عليه بلى، اعرفُ لكنّ الوقتَ متأخرٌ فلاحظتْ بأنّه متعبٌ جدا، ولا يمكنه أنْ يعتدي عليها، ولذلك قالتْ له ابق هنا الليلة وغداً سترحلُ.

وبينما كانتْ تحدّثه رأته ينعسُ فنام ذاك الرّجل على مدخلِ الخيمة ، فسحبته تلك المرأة إلى داخلِ الخيمة، وظلّتْ ساهرةً عليه، وفي منتصفِ الليل صحا من نومِه، وقالَ لها: أرجو بأنْ لا أكون قدْ أزعجتكِ، فردتْ عليه لا، فدعته لتناولِ اللبن، فأبى وأرادَ شُربةً من ماء، فأعطته كأساً من الفخار مليء بماء بارد، وسألها من أين تأتين بالماء؟ فردتْ عليه ليس ببعيد مِنْ هنا يوجد واحة، وهناك بعض الأصدقاء يأتون بين الحين والآخر من المدينةِ ويشترون لي ما احتاجه، فقال لها: وما الذي يبقيكِ في هذه الصّحراء؟ فقالتْ له: لقد ترمّلتُ وطردوني من البلدةِ، لأنهم شكّوا فيّ، ولمْ أجد مكاناً أذهب إليه، فجئتُ إلى هنا، فقال لها: ألا تضجرين هنا؟ فردتْ بلى، أضجرُ وأرى الضجر بلون أصفر، لا أرى أية ألوان أخرى، فالضّجر في هذه الصحراء يحيطني من كل الجهات، فلا أرى إلّا لوْن الرّمال الصفراء، ولكن ماذا أفعل؟ سأذهبُ قريبا إلى بلدةٍ لا يعرفني فيها أيّ أحد، وحين سمعَ قصتها شفقَ على حالها، وبعد لحظات بزغ الفجرُ فاستأذنها، وهمّ بالرّحيل، فأتتْ معه لتدلّه على الطّريق، وسارتْ معه بصمتٍ ودلّته كيف يذهب، فشكرها، وقالَ لها: أشكركِ على كل شيء، وبدأ يخطو صوب الطّريق، أما هي فعادتْ إلى خيمتها، وفي الطّريق قال: غريبة تلك المرأة، لقد وجدتها في كاملِ قواها العقلية، مع أنّ العيشةَ هناك تجعلُ المرء يهلوّس، فهي كانتْ صادقة، حينما قالتْ أرى الضّجرَ بلونٍ أصفر، لأنّني عندما هلوستُ لم أرَ إلّا اللون الأصفر..