الثلاثاء: 30/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

شاهد ما شافش حاجة

نشر بتاريخ: 19/05/2016 ( آخر تحديث: 19/05/2016 الساعة: 10:00 )

الكاتب: شفيق التلولي

في برنامج شاهد على العصر الذي يقدمه أحمد منصور عبر قناة الجزيرة القطرية والمعروف بخلفيته الإخوانية، قدم المرحوم الفريق منصور حديثة الجازي القائد العام للجيش الأردني ورئيس الأركان في حلقته الخامسة بتاريخ 10/7/1999 شهادته على معركة الكرامة التي قادها بجيشه الأردني الباسل جنبا إلى جنب مع الفدائيين الفلسطينيين، تلك المعركة التي كانت تهدف إلى احتلال السلط التي ترتفع عن الأراضي الفلسطينية المحتلة لإجبار الأردن على صك سلام يعترف بإسرائيل -كما قال الجازي- هذا من جهة، ومن جهة أخرى القضاء على الوجود الفدائي بقيادة الراحل ياسر عرفات -كما تحدث أحد القادة الإسرائيليين عن خفايا هذه المعركة عبر صحيفة هآرتس الإسرائيلية- وعلى الرغم من أسئلة منصور الموجهة والمركبة وأسلوبه الذي تعرفون وسياسة قناته الإعلامية إلا أن الجازي -رحمه الله- رد بكل ثقة بالنفس ورباطة جأش على كيل هذه الأسئلة مؤكدا على أنه كان ينسق في هذه المعركة مع الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات شخصيا وكذلك مع الشهيد ممدوح صبري صيدم مسؤول الساحة الاردنية، مشيرا إلى البلاء الحسن للفدائيين الفلسطينيين الذين قاوموا ببسالة مع الجيش الأردني للدفاع عن هذه الأراضي الأردنية (السلط) التي يبدو بأن جيش الإحتلال فاته أن يحتلها عام 1967 نظرا لموقعها الإستراتيجي -بحسب ما قاله الجازي- خلال هذه الحلقة والتي كانت من سلسلة حلقات لشهادته على العصر.

هذا ما لم يقله الدكتور محمود الزهار القيادى البارز في حركة حماس خلال ندوة نظمتها كتلته البرلمانية (التغيير والإصلاح) وذلك في معرض مقاربته لما حدث في معركة الكرامة التي وقعت عام 1968 مع ما يجري الآن من تداعيات المحكمة الدستورية، حيث اتهم القيادة الفلسطينية التاريخية بتبني انتصارات ليست لها مستندا بذلك على حديث دار بينه وبين أحد الأردنيين بعد سؤاله إياه عن معركة الكرامة خلال زيارته إلى الأرن عام 1981 بصحبة وفد من الجمعية الطبية العربية، حيث قال له بأن ياسر عرفات هرب من معركة الكرامة مستقلا "فسبة" أي دراجة نارية عندما تقدمت أول دبابة إسرائيلية، ولما حطت المعركة أوزارها وسجل الجيش الأردني انتصارا كبيرا؛ عاد "بالفسبة" ليتبى هذا الإنتصار العظيم، وهكذا الحال بالنسبة لتبني القيادة الفلسطينية إقرار مشروع المحكمة الدستورية -بحسب وصف الزهار- ، كان يعقد هذه المقارنة مستشهدا بحديث هذا الأردني الذي يهز صورة عرفات -رحمه الله- أمام الشعب الفلسطيني الذي يعتبره الفصل الأجمل في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني خاصة بعد أعوام الإنقسام البغيض الذي سئمه الشعب وعافه بكل ما حمل من تفاصيل أثقلت كاهله وحرفت البوصلة الوطنية عن مسارها.

إذا لم يكن قد شهد الزهار هذا العصر واستعان بحديث لأحدهم الغير معرف أصلا ودونما مستند وثائقي؛ فهو  "شاهد ما شافش حاجة" وبالتالي كان عليه العودة إلى أدبيات هذه المعركة العظيمة التي أعادت للأمة العربية كرامتها بعد نكسة الجيوش العربية وهزيمتها أمام العدوان الإسرائيلي والذي أسفر عن احتلال قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والعديد من الأراضي العربية؛ ولعل الراحل مشهور حديثة الجازي خير الشاهدين على هذه المعركة والحمد لله بأنه وثق هذه الشهادة قبيل رحيله بقليل بالصوت والصورة عبر برنامج شاهد على العصر إضافة إلى العديد من اللقاءات التي أجراها وما تركه لنا من وثائق تحفظ حق شهداء الأمة العربية الأبطال الذين امتزجت دماءهم بدماء شهداء الثورة الفلسطينية وخاصة في معركة الكرامة، المعركة التي جسدت إيمان الشعب الفلسطيني وقيادته بالعمق العربي لقضيته العادلة وكرسته عبر هذا النموذج الكفاحي المشرف؛ وبالتالي عمقت مشروعية الهوية الفلسطينية العربية.

فمن شاهد على العصر حافظ على صوابية هذا المشروع العربي وإحقاق حق الشعب الفلسطينية في إظهار مقاومته بأبهى صورها إلى شاهد ما شافش حاجة أراد تقويض هذا المشروع وإفراغه من محتواه الوطني والقومي؛ ثمة مقاربة لا تشبه تلك التي ساقها السيد الزهار على حساب القضية الفلسطينية العربية، وعلى حساب شخص الرئيس عرفات بصفته ومكانته الإعتبارية والمعنوية بالنسبة للشعب الفلسطيني والذي لا يحتاج شهادة أحد على دوره الوطني والكفاحي كقائد لأعظم ثورة في التاريخ المعاصر، ويكفي بأنه عمد شرعيته بشعبه، وآثر إلا أن يسقط شهيدا من أجله وأجل قضيته، وظل ممسكا على الثوابت الوطنية وحقوق شعبنا المشروعة في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس التي قضى دونها.