الإثنين: 06/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الشعب الفلسطيني الذي يُحكم من قبل دولتين ......؟؟؟

نشر بتاريخ: 30/10/2016 ( آخر تحديث: 30/10/2016 الساعة: 10:46 )

الكاتب: راتب عمرو

لا أظن أن هنالك شعباً في التاريخ القديم والحديث غير الشعب الفلسطيني حُكم او أنه لا زال يُحكم بدولتن ، هما دولة فلسطين ممثلة بالسلطة الفلسطينية وأذرعها الحكومية والأمنية ، والدولة العبرية ممثلة بجيش الدفاع الأسرائيلي وأذرعها السياسية والأمنية المختلفة ، وينطبق ذلك بشكل مباشر على ذلك الجزء من الشعب الذي يقيم في الضفة الغربية والتي تُطلق عليها إسرائيل " يهودا والسامره "، بينما ينطبق على قطاع غزه بشكل غير مباشر ، ولا أظن أن هنالك شعباً غير هذا الشعب تعايش مع الأحتلال لدرجة أنه أصبح بالنسبة له روتينا عاديا وجزأً من حياته اليوميه وعلى مدار الساعه .

وعلى الرغم من أن الجزء الأخر من الدولة الفلسطينية وهو " قطاع غزه " خارج سيطرة السلطة الفلسطينية المباشرة حاليا ، وهو يعيش تحت سيطرة حركة " حماس " ، وخارج تدخلات الدولة العبرية المباشرة كما هو الحال في الضفة الغربية ، إلا أن إسرائيل تحيط به وتتحكم في منافذه البرية والبحرية ، وتشن عليه غارات جوية بين الحين والأخر ، بعد أن قررت الأنسحاب منه وإخلاءه من المستوطنات قبل عدة سنوات ، شهدنا في أعقابها عدة حروب لم تنجح إسرائيل خلالها في تحقيق أهدافها في إعادة القطاع الى بيت الطاعة الأسرائيلي والقضاء على حركة " حماس " ، غير أن ذلك جعل من أوضاع أهلنا وأحبتنا هناك من خلال الحصار الذي تفرضه إسرائيل أوضاعاً أقل ما يُقال عنها بأنها محزنة ومأساوية ولا تسر الصديق .

والمراقب للأوضاع الفلسطينية وتحديدا في الضفة الغربية يرى ويسمع العجب العجاب ، فالدولة الفلسطينية تبسط نفوذها على مناطق الضفة الغربية من شمالها الى جنوبها ، وتدير شؤون المواطنين السياسية والأقتصادية والأجتماعية والأمنية هناك بكل ما تعنيه الكلمة من إداره ، وتتحكم في مفاصل الأمور بشكل كامل أقرب ما يكون لما هو قائم في الدول العربية الأخرى ، ولديها حكومة ووزارات ودوائر ومؤسسات ومحاكم وأجهزة أمنية وشرطيه وأمن وطني عوضا عن " الجيش " ، تنتشر في المدن والمناطق المصنفة (B,A) طبقا لأتفاق "أوسلو" سيء الذكر ،

والغريب في الأمر أن المناطق المصنفة ( ,B A ) ، وعلى الرغم من أنها تُدار فلسطينيا من قبل الحكومة الفلسطينية ومؤسساتها الأمنية ، وهي في الأصل مناطق فلسطينية خالصة بموجب إتفاق " أوسلو " ، لكنها ومع الأسف مُباحة للجيش والأجهزة الأمنية الأسرائيلية ، ولها الحق بدخولها وإقتحامها وإعتقال من تريد ، وهدم المنازل وأطلاق النار على من تريد ، وإغلاق الضفة الغربية بالكامل خلال الأعياد الأسرائيلية ، وإغلاق مداخل المدن والقرى والتجمعات السكانية وحتى الأحياء والشوارع داخلها وفي أي وقت تشاء ، علما بأن مداخل المدن والقرى الفلسطينية عليها بوابات حديدية يتم التحكم فيها وإغلاقها كيفما وحيثما تشاء. ولا يقتصر التدخل الأسرائيلي فقط على الأمور الأمنية فقط ، بل على كل مناحي الحياة الفلسطينية المالية والأقتصادية والتجارية، والأشراف على المعابر والطرق الرئيسية في الضفة الغربية التي تربط المدن الفلسطينية والتجمعات السكانية مع بعضها ، علماً بأنه وبسبب إغلاق ميناء غزه فإن إستيرار البضائع الفلسطينية لكل من الضفة والقطاع يتم من خلال الموانئ الأسرائيلية ، ويتم تفتيشها أمنياً وتقاضي الرسوم الجمركية عليها من قبل الجمارك الأسرائيلية، ليصار بعدها الى تقاسم تلك الأموال مع السلطة الفلسطينية، لتمارس إبتزاز السلطة من خلال حجز تلك الأموال وتأخير دفعها في الوقت الذي تريد ، وينطبق الأمر كذلك على المغادرين عبر جسر الملك حسين الى الأردن ، حيث تتقاسم إسرائيل مع السلطة الفلسطينية الرسوم التي يدفعها المسافر أتناء سفره ، حتى الماء والكهرباء في معظمها تصلان الى المواطن الفلسطيني من شركات فلسطينية وهذه تقوم بشرائها من شركات إسرائيلية ، شركة " مكروت " للمياه ، وشركة الكهرباء القطرية الأسرائيلية .

في حين أن المناطق الأخرى المصنفة (C) تخضع للأدارة المدنية الفلسطينية ، ولكنها تخضع للسيطرة الأمنية الأسرائيلية ، وهذه المنطقة لا تقل عن 60 % من مساحة الضفة الغربية الأجمالية ، ولا يُسمح بدخول الأجهزة الأمنية الفلسطينية اليها لأيه مهمة أمنية بلباسهم وأسلحتهم العسكرية ، إلا من خلال التنسيق الأمني مع الأسرائيليين للسماح لهم بالدخول .

ثم أن تلك المناطق المصنفة مناطق ( C ) عدى عن كونها تحت السيادة الأمنية الأسرائيلية ، فإن إسرائيل تعتبرها وتتعامل معها بإعتبارها مناطق إسرائيلية ، فهي مناطق تملؤها المستوطنات التي تُعد بالمئات والتي يصل عدد سكانها الى ( 750 ( الفا ، بينما تملؤ رؤوس الجبال وتقاطعات الطرق أبراج المراقبة ونقاط التفتيش والمعسكرات الأسرائيلية ، وتغطي هذه المناطق الطرق الألتفافية التي أُعدت خصيصا لأستعمال المستوطنين ، ويُسمح للفلسطينيين بإستعمالها بشكل مؤقت وبحذر شديد لبينما يتم إعداد الطرق البديلة لهم ، حيث يتم إغلاقها في وجوة الفلسطينيين وقتما شاء الأسرائيليون ، بينما يخضع الفلسطيني خلال سيره على تلك الطرق للقوانين الأسرائيلية ولرقابة الشرطة الأسرائيلية ، ويتم تحرير المخالفات وحجز المركبات والرخص كما هو الحال في شوارع المدن الأسرائيلية ، حتى أن إسرائيل أطلقت عليها أرقاماً وأسماءً خاصة بها .

وما سبق لا ينطبق على الجزء اليهودي من مدينة الخليل ، التي تم تقسيمها بموجب إتفاق تم بين القيادتين الفلسطينية والأسرائيلية في أعقاب " أوسلو " ، أُطلق عليه " بروتوكول الخليل " ، حيث تم تقسيم المدينة الى " H1 " وتخضع للسيادة الفلسطينية ، و " H2 " وتضم الحرم الأبراهيمي والسوق القديم في المدينة التاريخية وتشكل 17% من مساحة المدينة الحالية ، وتخضع للسيادة الأمنية الأسرائيلية ، وللأداره الفلسطينية عن بعد لأنها تخلوا من الدوائر والمؤسسات الفلسطينية ، الأمر الذي جعل من هذا الجزء المهم من المدينة التاريخية تعيش حالة من الفلتان الأمني والأداري والأجتماعي ، بعد أن تعرضت لهجمة إسرائيلية ممنهجة لتهجير السكان وإجبارهم على ترك منازلهم .

أما القدس الشرقية فحدث ولا حرج ، فقد تم تهويدها بالكامل ، وسكانها جميعهم يحملون الهوية الأسرائلية " الزرقاء "، ويخضعون للقوانين والأنظمة الأسرائيلية ، ويحمل الألاف منهم جوازات السفر الأسرائيلية ، ويتم التعامل مع حملة الجوازات منهم بإعتبارهم إسرائيليين . وتحيط بالمدينة العشرات من المستوطنات ويصل عدد سكانها ما يقارب نصف مليون مستوطن ، والذي يفوق كثيرا عدد سكان الفلسطينيين في المدينة المقدسة نفسها ، أي بمعنى أن القدس خرجت أو أنها أُخرجت من المعادلة الفلسطينية بالكامل ، وأسطوانة التغني بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية من قبل القيادة الفلسطينية لا زالت تصدح وتدغدغ عواطف الكثيرين ممن يروق لهم سماع ذلك ، رغم أن إسرائيل أطبقت عليها بالكامل .

مما سبق فإن القول بأن المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة محكوم من قبل دولتين هو قول صحيح بكل ما في الكلمة من معنى ، فالسلطة الفلسطينية والتي يحلو لها بأن تسمي نفسها بالدولة الفلسطينية ، لكنها في الواقع وعلى الأرض ليست كيانا قابلا للحياة ، وليست ذات سيادة حقيقية لا على الأرض الفلسطينية ، ولا على المواطن الفلسطيني ، وهي بذلك محكومة بما ورد بإتفاق" أوسلو " سيء الذكر، وغير قادرة ولا يمكن لها أن تخرج أو تُخرج نفسها من دوامة هذا الأتفاق المشؤوم .
وعلى الرغم من أن القيادة الفلسطينية إعتادت الصراخ والعويل، سواء في محافل الأمم المتحدة والمحافل الدولية والعربية ، لكنها تُدرك تمام الأدراك أنها لن تستطيع تغيير الواقع الفلسطيني الى الأفضل ، فهو واقع يعيش حالة التغير السريع نحو الأسوأ .

ثم من قال بإن الواقع الفلسطيني قابل للتحسن ، إن على الصعيد السياسي أو الأمني أو الأجتماعي ما دامت إسرائيل وبفضل إتفاق " أوسلو " تحشر أنفها في كل مناحي الحياة الفلسطينية ، والمواطن الفلسطيني لا يدري من أين تأتية المصائب ويتلقى الأوامر والتعليمات ، هل من القيادة الفلسطينية ومؤسساتها الرسمية ؟ التي تفرض قبضة أمنية حديدية عليه في أعقاب الأنقسامات والأنشقاقات الفلسطينية – الفلسطينية ، ام من " بيت إيل " حيث تُدار الضفة الغربية فعلياً ؟، أم من قائد المنطقة الوسطى في جيش الدفاع الأسرائيلي حيث تُحكم الضفة عسكرياً ؟.

لهذه السبب وغيره من الأسباب الكثيره والتي لا يمكن سردها هنا ، يجد المواطن الفلسطيني أنه مشتت الذهن والولاء والأنتماء ، وما دامت المصالح الفلسطينية في معظمها مرتبطة بالأحتلال ، فإن هذا الأحتلال لم يعد إحتلالاً بالمعنى الذي تعنيه الكلمه ، بقدر ما هي دولة تتحكم في مفاصل الأمور لهذا الشعب الأعزل ، بإعتبارها تملك الأرض وصاحبة الولاية الشرعية والقانونية عليها ، ويجد المواطن الفلسطيني نفسه مضطرا للتعامل معها ، فهي من تمنح تصاريح الدخول الى القدس للصلاة في المسجد الأقصى ، وتسهل الوصول الى المطاعم والأسواق التجارية والشواطيء الأسرائيلية في مواسم الأعياد والتنزيلات، كما تتحكم في السفر عبر المعابر والمطارات الأسرائيلية ، وتمنح الأمتيازات لرجالات السلطة ورجال الأعمال ممن يحملون بطاقة" B.M.C. " ، ولأجهزة إسرائيل الأمنية الحق في إستدعاء من تريد من المطلوبين حتى بدون التنسيق مع السلطة الفلسطينية للتحقيق معهم ، ولها الحق في إعادة من لهم قيوداً أمنية عن المعابر دون إبداء الأسباب ، والتحقيق مع من تريد من القادمين عبر جسر الملك حسين ، وعلى نقاط التفتيش المنتشرة في مناطق الضقة الغربية وقتما وكيفما تريد بإعتبارها صاحبة السياده ، حتى القيادات الفلسطينية خلال سفرها وعودتها عبر الجسر تخضع لأجراءات الأسرائيليين الأمنية والأدارية ، وتتطلب تحركاتها داخل مناطق الضفة الغربية تنسيقا أمنيا مع الأسرائيليين .

كل هذا وذاك يجعل من المواطن الفلسطيني ناقص الولاء تجاه السلطة الفلسطينية ، وأسير المصالح والأغراءات والأمتيازات التي يمنحها الأحتلال الأسرائيلي ، لدرجة أن وزير الدفاع الأسرائيلي " أفغدور ليبرمان " عرض على الفلسطينيين خطة يتم بموجبها التعامل معهم مباشرة ، تشمل تسهيلات وإمتيازات لرجال الأعمال والتجار والأطباء ومراكز الأبحاث ، ممن يرغبوب التعاون مع نظرائهم من الأسرائيليين ، وبدأ بتطبيقها مباشره بعيدا عن قنوات السلطة الفلسطينية الرسمية .

وأخيراً أقول ، أن الوطن والشعب والمصير الفلسطيني برمته في مهب الريح ، وأن هذه الأزدواجية في التعامل مع المواطن الفلسطيني ، والتي مضى عليها أكثر من عقدين من الزمن ، سبق ذلك إحتلال دام ما يزيد عن عقدين ونصف ، كل هذه السنوات من الأحتلال جعلت من هذا المواطن ضائعا ، وأوصلتة الى حالة من إزدواجية الولاء ولا يدري معها الى أين يتجه ، وذلك لن يكون إلا على حساب أرضه وهويته وفلسطينيته التي اضحت بين المطرقة والسندان ، مطرقة الأحتلال بما يرتبط بها من مصالح وإمتيازات ، وسندان السلطة التي أسلمت للأمر الواقع ووجدت نفسها ومؤسساتها مضطره لتقديم الخدمات المجانيه لهذا الأحتلال ، الذي لم يعد يتصرف كإحتلال، بل بإعتباره صاحب الأرض ، والسلطة وشعبها ومؤسساتها هم ضيوف على هذه الأرض التي يسمونها " يهودا والسامرة " ، أي بمعنى أنها أرض إسرائيل أو أرض الميعاد ، وتسمع بين الحين والأخر قصصا لها أول وليس لها آخر عن بيع مساحات شاسعة من الأراضي لأسرائيل ، التي تعمل بنفس طويل وأساليب وإغراءات متعددة لأمتلاك هذه الأراضي ، ولا أظن أن القيادة الفلسطينية بكافة أذرعها السياسية والأمنية والتنظيمية تجهل معنى ذلك وأبعادة الخطيره ، رغم أنها لا تملك ولا تستطيع منع عمليات البيع تلك ، لكنها تكابر وتمارس التعامل بإعتبارها دولة ذات سياده ، وتتغنى بهذه الدولة وعاصمتها القدس ، وهي تدرك تمام الأدراك أن دولة واحدة قامت وستبقى غربي النهر هي الدولة العبرية واليهودية الخالصة ، " الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا " ، ولا وجود للدولة الفلسطينية " الحُلم " على الأقل في الضفة الغربية ، والتي لم تعد لا ضفةً ولا غربية ، بعد أن بدأت إسرائيل ببناء جدارها الأمني على طول الحدود مع الأردن من إيلات جنوباً وحتى الباقورة شمالاً ، وأمتلأت المناطق الفلسطينية بالمئات من المستوطنات ، وربما وفي حال نجح المخطط الأسرائيلي – الأميركي – العربي في تركيب مسمى الدولة على أنقاض قطاع غزة لا قدر الله ، لتمتد حدودها على شاطئ المتوسط وداخل سيناء المصرية ضمن صفقة يتم المساومة عليها مع القيادة المصرية ، ليُصار بعدها الى السماح لبعض الأعداد المحدودة من لاجئي الشتات ، ممن لم تسنح لهم الفرصة الى الهجرة الى الدول الغربية التي فتحت لهم أبواب الهجرة لأغلاق ملف " حق العوده " ، بالعودة الى تلك الدويلة " المسخ " ، وبالتالي يتم وضع نهاية مخزية لما سمي " بحق العودة " ، ووضع نهاية محزنة لما سمي بالدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية ، وهذا هو جُل ما قد تتمخض عنه كافة الجهود والمساعي الفلسطينية والعربية والدولية منذ أن كانت القضية الفلسطينية ، لينطبق عليهم المثل القائل " تمخض الجمل فولد فأراً " ، لنختتم هذا المسلسل الدرامي والهزلي الفلسطيني بقوله تعالى " وكفى الله المؤمنين شر القتال" ......؟؟؟