الأحد: 16/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

متحف ياسر عرفات

نشر بتاريخ: 22/12/2016 ( آخر تحديث: 22/12/2016 الساعة: 20:12 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

بمبادرة وتنسيق من الزميلة الإعلامية "حنان" من مؤسسة "إعلام تام" قمنا بزيارة متحف "ياسر عرفات"، الزميل الكاتب جهاد صالح وأنا، وقد دهمتني وأنا في السيارة، في الطريق إلى المتحف مجموعة من الأسئلة والخواطر منها:- هل المتحف بمستوى تليق باسم وتجربة ورمزية ياسر عرفات! وإلى أي مدى تجح القائمون على فكرة المتحف في الجمع بين خاص "تجربة عرفات" بما فيها من كفاح وسياسة وصمود وايثارية بـ"عام القضية الفلسطينية" وهل تتوافر في هذا المتحف المهنية التوثيقية والتأريخية من حيث العرض والتسلسل كما في المتاحف العالمية المتخصصة؟ وهل متحف "ياسر عرفات" يعني بداية مرحلة نسد فيها ثغرات تشتت وثائقنا ومقتنياتنا في ظل شبه الغياب لثقافة التأريخ!

تذكرت وأنا في طريقي إلى المتحف تجربة متحف أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة وكيف أصبح مزاراً للوفود المحلية والدولية، المتطلعة للتعرف على مراحل تجربة الحركة الأسيرة، وقلت لذاتي:- "إذا كان متحف أبو جهاد ومن خلال طاقمه وبإدارة د.فهد أبو الحاج، حقق قيمة تأريخية مهمة، فإن متحفاً بحجم الامكانات التي وظفت من أجل أن يكون معبراً عن اسم ياسر عرفات" والقضية الفلسطينية، من المفروض أن يقدم رواية عامة مترابطة ومدعمّة بكثير من التفاصيل والمعطيات، ليعطي صورة عن معاناة واصرار الفلسطينين على مدى مئة عام من تجربتهم الكفاحية التي تستمر فصولها تباعاً.

وصلنا البناية ورافقتنا الشابة سماح صيام في جولتنا، حيث عرفت منها انها خريجة إعلام قبل عامين، لأجد بالرغم من تجربتها القصيرة في الميدان العملي، إنها طاقة متوقدة، وإعلامية ملمة بمهمتها، وقادرة على التعريف بكل زاوية من زوايا المتحف.
المتحف كما علمت في نهاية الجولة من مديره "محمد حلايقة" وكان زميلاً لي قبل أكثر من ثلاثة عقود في جامعة بيت لحم، ان فكرة التصميم هي من إبداع خبير المتاحف المصري الدكتور حسين الشابوري، أما من سهر على الفكرة وسابق الزمن في تحويلها من إمكانية إلى واقع، فريق طاقم المتحف بالتعاون مع باحثين وفنانين ومهتمين فلسطينين، التقوا جميعهم عند هدف واحد يمكن اختزاله في جملة "يجب أن يكون في فلسطين متحف يليق بعرفات والقضية الفلسطينية".

كانت القضية الفلسطينية ومع بداية العام 1900 حاضرة بمحطاتها ورموزها وبما انتجت وافرزت، وكانت المرارة تطل برؤوسها السوداوية مع بداية غزو الهجرات بتخطيط ورعاية وتمويل من الحركة الصهيونية، وكانت بريطانيا تفرش طريق أفواج المهاجرين "تسهيلاً ودعماً" إلى فلسطين قبل وبعد وعد بلفور المشؤوم.
المتحف احتضن ثورة ال36 والنكبة واحتضن أيضاً ولادة الأمل الفلسطيني بانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة وما واجهته من تحديات وامتحانات صعبة، وكانت التجربة النضالية لياسر عرفات إحدى المحطات المهمة التي لا يمكن لأي باحث أو مؤرخ يرغب في التأريخ للقضية الفلسطينية إلا أن يتأملها ويمحصها طويلاً، ففي هذه التجربة تماهى الخاص بالعام، ليصبح القائد منصهراً في العام لا يرى الخاص سوى من بوابة القضية.

وليس بعيداً عن المتحف، بل وفي ركن متصل به حوصر القائد وصمد وانطلق صوته يدوي في كل أنحاء العالم"شهيداً..شهيداً" وفي المتحف الصورة تتكلم، والوثيقة تصرخ بالحقيقة والفيديو يفعل فعله.... كنا وصديقي جهاد نستمع إلى ما تقوله مرافقتنا دون ان نقاطعها بجملة أو معلومة، فهو عاش تفاصيل التجربة في الخارج لدى التحاقه بالثورة، وأنا عشت الانتفاضة الأولى بكل تفاصيلها وتجرعت مرارة الاعتقال معظم سنواتها، لم نسع من باب الأدب واللياقة وربما تضامناً مع مرافقتنا الشابة واحتراماً لجهدها، أن تضيف كلمة واحدة عمّا قالت أو شرحت، وكأننا نستمع للرواية للمرة الأولى.

الحقيقة كل الحقيقة وجدتها بأوضح صورها في المتحف تعلن عن نفسها وتؤكد بكل المقاييس والموضوعية "أنها الحقيقة"، هذا استخلاصي الأول، أما مجموعة الاستخلاصات الأخرى، سأحاول تكثيفها في النقاط الآتية، على قدر ما تسعفني المساحة المخصصة لهذا المقال:
أولاً: المتحف لوحة تاريخية متكاملة، لكنها متعددة الأبعاد والألوان والظلال تعكس قصة معاناة وكفاح شعب على مدى مائة عام.
ثانياً: مع أن المتحف حمل أسم "ياسر عرفات"، إلا أن المعروضات لم تتمحور حول الشهيد الراحل، وإنما كل ما عرض له جاء في سياق القضية الفلسطينية، فهو مكوّن فيها من مجمل مكونات ومحطات متلاحقة، لذلك فإن المعروضات المتعلقة بالقائد الراحل هي شواهد مهمة في بنيّة القضية، حيث صمم المعرض ليكون سيرة قضية، أما سيرة عرفات فتم التعبير عنها في إطار السيرة الوطنية العامة.
ثالثاً: كل رموز وفصائل وروافع القضية تحضر في المتحف، بصرف النظر عن الانتماء والتوجه والايديولوجيا، ما جعل المتحف متحفاً وطنياً بامتياز.
رابعاً: وظف مصممو المتحف التكنولوجيا والعلم والإعلام بتقنياته في خدمة الفكرة، ليخرج المتحف برؤية عصرية تضاهي أهم المتحاف في العالم.

وأجد هذا المقال مناسبة ً ومن منطلق دوري الإعلامي والثقافي والبحثي، ما دمنا نتحدث عن قيمة تأريخية وطنية عالية، لأنصح عمداء الكليات ومدراء المدارس ورؤساء النوادي ومربيات رياض الأطفال لتنظيم زيارات لهذا المتحف، للشباب والأطفال، بغية تواصل الأجيال مع تاريخيهم، لأن معرفة التاريخ والانفتاح عليه بمنظار الحاضر، يمكنهم من استشراف المستقبل وهم يقفون على أرضية صلبة مزروعة بالحقيقة.