الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

قطر- الأسطورة والواقع؟

نشر بتاريخ: 15/06/2017 ( آخر تحديث: 15/06/2017 الساعة: 12:16 )

الكاتب: ناجح شاهين

كبرت قطر كثيراً خلال العقد الأخير. وقد أصبح من دواعي متعتي في الفترة الأخيرة أن أتفكه بسؤال أصدقائي وصديقاتي في الولايات المتحدة عن انطباعاتهم بخصوص مساحة قطر وحجمها وسكانها. طبعاً لكم أن تتوقعوا أنهم يتوهمونها أكبر بكثير مما هي في الواقع.
كبرت قطر: شكراً للغاز والنفط، وأميرين طموحين، السابق والحالي، وجهاز أيديولوجي إعلامي لم يشهد العرب مثيلاً له في تاريخهم، يتكون من الجزيرة ويوسف القرضاوي وعزمي بشارة.
كبرت قطر وأصبحت تحلم بموقع اللاعب العربي الأول إن لم يكن وارداً أن تحلم في الزمن الحالي على الأقل بتجاوز تركيا أو إيران أو إسرائيل. لكن إمكانيات قطر ليست كافية لمجاراة طموحاتها و"همتها" العالية. أين المساحة والسكان والقوات المسلحة التي تنفذ مشروعاً بسماركياً على طريقة محمد علي في مصر القرن التاسع عشر، أو حتى عبد الناصر أو صدام حسين؟ مسكينة قطر، إنها صغيرة في النهاية. لكن يجب أن نتذكر أن حقبة أوباما ودعمها شبه المعلن لمشروع الإخوان قد أعطت قطر زخماً لا بأس به، حتى بدا كأنها أصبحت أبرز الدول العربية قاطبة.
وعلى الرغم من صغر الدولة/الإمارة فلا بد أن عزمي بشارة الحائز على جائزة ابن رشد للفكر الحر –يا لشقاء الجوائز المكذوبة- قد حلم على الأرجح بأنه يقوم في بلاط "تميم" بما قام به ابو الوليد محمد ابن رشد في بلاط "أبويعقوب يوسف". وربما توهم القرضاوي أنه يؤدي الدور الذي أداه أحمد بن أبي داود المعتزلي في بلاط المأمون. لكن المأمون كان يقود دولة أكبر بكثير من قطر، وحتى أبويعقوب يوسف كان لديه الأندلس. أما دولة قطر التي لا تكاد تساوي مساحة بغداد فهي أصغر من المشروع الذي يطمح إليه رجل السياسة ورجل الدين ومنظر المشروع الأيديولوجي وحامله الإعلامي الجزيرة.
كأنما ألقى ترامب على رأس الأمير كومة من القاذورات أو أنه "كب" عليه سطلاً من الماء المثلج، فصحا مذعوراً من حلم وردي دام قرابة العشر سنوات: السعودية يا سمو الأمير صاحبة المليارات الخمسمئة المقدمة جزية لولي الأمر الكوني هي صاحبة القول في جزيرة العرب/الأمريكان وهي حليف إسرائيل الطبيعي. أما مشروع الإخوان المسلمين كله فما عاد يستحق المحاولة في ظل رئاسة ترامب الشجاع الذي يهدد حليفه التركي عضو الناتو المدلل بالمليشيات الكردية التي تشكل دويلات تدار من تل ابيب ونيويورك.
بالطبع لا أحد يرغب في أن يكون مكان المستشارين المبدعين الليبرالي القومي بشارة والليبرالي الإخوانجي القرضاوي: كلاهما في حاجة إلى الإبداع وروح الشباب التي لا يتمتعان بها من أجل اجتراح الحلول لأمير شاب رفعته أرجوحة أوباما عالياً، ثم أنزلته مطرقة ترامب إلى ما دون سطح الأرض.
لو كنا مكان مستشاري "تميم" لنصحناه بالعودة إلى خرائط آسيا أو خرائط الوطن العربي فهي دون شك مفتاح القرار السليم لأنها قد تساعد أحد العقلاء في الدوحة على القول: "رحم الله امرء عرف قدر نفسه، فوقف حده."
الآن على الدوحة أن تختار بين الالتحاق بمركب السعودية بمرتبة محظية من الدرجة الأولى أو أن تصطف في محور المقاومة بزعامة إيران. نرجح أن البلد الذي يستضيف أكبر قاعدة أمريكية في العالم سيختار البديل الأول: محظية سعودية بنكهة إسرائيلية ليبرالية مع دين عصري لا يحض على قتال أحد خصوصاً إن كان اسمه إسرائيل.