السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تصعيد البي دي أس في مواجهة التّطبيع العربي

نشر بتاريخ: 04/07/2017 ( آخر تحديث: 04/07/2017 الساعة: 11:20 )

الكاتب: حيدر عيد

كان المجتمع المدني الفلسطيني قد أصدر بياناً يدعو فيه المجتمع الدولي إلى مقاطعة إسرائيل، وعدم الاستثمار بها وإلى فرض عقوبات عليها حتى تستجيب للشرعية الدولية، و هو النداء المعروف اختصارا بأحرفه الأولى باللغة الإنجليزية (. (BDS
ومنذ إطلاق هذا النداء التاريخي تراكمت الإنجازات لدرجة أن إسرائيل خصصت حقيبة في وزارة الشؤون الاستراتيجية للتعامل مع ما أسمته "الخطر الوجودي" على الدولة. ما يهمنا في هذه المقالة هو التعامل مع البعد العربي، ومفهوم التطبيع.
عندما قامت إسرائيل بشن ثلاث حروب إبادية على قطاع غزة، مع الاستمرار في فرض حصار قروسطي غير مسبوق للسنة الحادية عشر على التوالي، تضاعفت المأساة الفلسطينية. وكانت ومازالت المستشفيات تناضل كي تعالج المصابين. وأصدرت الأنظمة العربية عشرات التصريحات، تستنكر وتندد، وتعقد مؤتمرا صحفيا خاويا تلو الآخر. ومازال الموقف العربي الرّسمي من القضية الفلسطينية عبارة عن خليط من الجبن والنفاق. ولابد الآن من استجواب فشل هذا الموقف في فك الحصار الإسرائيلي المستمر على غزة وضآلة التحرك لمساندة أهلها.
من الواضح أن القضية الفلسطينية أصبحت عبئاً بعد 69 عاما لا يستطيع النظام الرسمي العربي تحمله. ولكن ما يحصل الآن هو مشاركة النّظام الرّسمي العربي ليس فقط في التشفي فيما يحصل بل في منع المواطن الفلسطيني الغزّي من حتى حق الحماية التي يكفلها له القانون الدّولي. ولاشك أن هذا مدعاة للتساؤل النقدي والخلاّق عن مفهوم العروبة والتضامن العربي وكيفية الخروج من مأزق إحتكار النظام الرسمي العربي لهذه المفاهيم. ولكن أيضاً ما اتفق على تسميته (بالشـارع العربــي) وخروج الجماهير للتضامن مع أهل غزة بشكل تميز وكالعادة بالزعيق والعويل واللّطم على الخدود والمطالبة بفتح الحدود والتوسل لسمو الأمراء والملوك والجنرالات بعمل شيء "يخفف على الأخوة الفلسطينين في غزة معاناتهم" وكالعادة إنخفضت هذه الهبّة تدريجياً وعفا الله المؤمنين شر القتال، ونحن في فلسطين الآن نتساءل عن كيفية تحويل عبارات الدعم لنا المنطلقة في شوارع وعواصم الدول العربية إلى فعل حقيقي.
و الحقيقة هي أننا مللنا!! وكما يقال في غزة (طلعت روحنا)!
ما تبقّى لنا هو الدّرس الشعبي الذي ألهم النّضال الجنوب أفريقي ضد نظام الأبارثهيد العنصري حينما أصبحت حتى تحية مواطن جنوب أفريقي أبيض حراماً شرعاً بفتوى جماهيرية لا تنتظر شيوخ وكهنة القصور. وها هي فلسطين تصدر فتواها بتحريم التعامل مع إسرائيل أو شراء بضاعتها أو فتح سفارات في عاصمتها أو اللعب مع رياضييها أو التعاون مع جامعاتها التي تفرخ مجرمي حرب. حتى لو إستقبلت حكومات عربية وغربية مجرمي حرب اسرائيليين فانه لن يستطيع أي نظام ديكتاتوري أو ديمقراطي أن يمنع مواطنيه من عدم التعامل مع اي شيء إسرائيلي.
لم يتبق لدينا سوى المقاطعة بكل أشكالها إقتصادية، أكاديمية ،ثقافية،رياضية،عسكرية، سياسية.
إن تجربة النضال ضد نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا ما زالت حيةً، ومعظم من كان له شرف المشاركة في هذه الثورة العالمية مازال حياً وجاهزاً للنضال ضد آخر نظام أبارتهيد. لن تساعدنا رسائل الودّ والتزامنا بحل الدولتين لدونالد ترامب ولن تسعفنا المفاوضات العبثية المباشرة منها وغير المباشرة، أو تبني برامج جديدة تقبل بمبدأ دولة على حدود 1967. ما يسعفنا هو تحالف شعبي فلسطيني دولي يرفع شعار المقاطعة BDS وعدم التطبيع باي شكل من الأشكال و على نمط ما حصل ضد آخر معاقل العنصرية في أفريقيا.
التطبيع
قامت في الفترة الأخيرة بعض الشخصيات العربية المرموقة بممارسات تطبيعية فادحة وبشكل يتعارض مع نداء المجتمع المدني الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.
وعلى الرّغم من أن نتائج هذه اللقاءات والمبادرات مبهم، فانه من المهم لأى شخص يرغب في الاشتراك في حوار جاد في فلسطين أن يكون واعيا بأن أبجديات ما يسمى "بالصّراع" هو بالأحرى اضطهاد يمارسه الاحتلال ونظام الفصل العنصري الاسرائيلي على السكان الأصليين. وكجزء من إستراتيجية المقاومة السلمية، كانت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني قد اصدرت نداء مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها حتى تنصاع للقانون الدولي وتحترم حقوق الإنسان الفلسطيني.
إن نداء مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها يتضمن المطالب الآتية: يجب على إسرائيل أن تنهى احتلال واستعمار الأراضى العربية، وأن تزيل جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية الذي اعتبر غير شرعي وفق قرار محكمة العدل الدولية الصادر عام 2004، و أن تعترف إسرائيل بالحقوق الأساسية للسّكان العرب الفلسطينيين في إسرائيل، وان تعاملهم بمساواة تامة، وان تطبق قرار الأمم المتحدة 194 الذي ينص صراحة على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
من المعروف أن لجنة المقاطعة الوطنية والحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل تحذران وبشكل واضح من أي لقاءات أو مشاريع تشجع "المناظرات الزائفة" و خلق الانطباع بأن هناك "مساواة" في تحمل مسئولية "العنف" بين "الطرفين"! فحملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل تدين أي مبادرات "مبنية على الزيف القائم على تساوي المسؤولية في الصراع بين المستعمِر والمستعمَر، المضطهِد والمضطهَد و المضلِّلة للواقع بشكل متعمد" لأن هكذا مبادرات تسعى لتشجيع الحوار أو "المصالحة بين الطرفين" بدون الاقرار باللاعدالة وعدم تكافئ القوى. وبالتالي فإنّ أي مبادرة كهذه تخدم "التطبيع مع الاضطهاد والظلم."
إن كل اللقاءات والمشاريع التي تجمع ما بين العرب والإسرائيليين يجب أن يتم وضعها في السياق الصحيح لمناهضة الاحتلال والأشكال الأخرى للاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين، والأهم أن تكون هذه اللقاءات مناصرة للمقاطعة حسب التوجيهات التي أصدرتها اللجنة الوطنية للمقاطعة. ولا يقتصر الأمر على معاناة الفلسطينيين الذين يقطنون في اراضي الـ48 و الـ67، بل ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل تحتجز الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين ومن ضمنهم العديد من الأطفال. بينما يعيش الملايين من الفلسطينيين المشردين تحت ظروف من الحرمان والبؤس في مخيمات اللجوء سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو لبنان أو سوريا أو الأردن أو مصر.
من الغريب جدا أن من يدخل هذه المشاريع التّطبيعية يتناسى أنّ العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل ليس فقط على أهل غزة بل على كل فلسطيني، هو أنهم ينتمون لدين آخر. وما هذا الا التجسيد الحي للعنصرية البغيضة التي رفض أهل جنوب أفريقيا السود بقيادة المناضل الأممي نيلسون مانديلا الحوار معها.
إن الاضطهاد الذي يتعرض له الفلسطينيون ليس محصورا داخل قطاع غزة فقط، فوضع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة مؤلم حيث يفصل جدار الفصل العنصري الفلسطينيين عن مراكزهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ويمنعهم من مواصلة العمل في أراضيهم. بالإضافة الى ذلك تواجد مئات الحواجز العسكرية التي تمنع حركة التنقل الطبيعية بما يتضمن الذهاب للمستشفيات بغرض الرعاية الطبية الأساسية. ناهيك عن عملية التطهير العرقي الممنهجة لسكان القدس! أضف الى ذلك القوانين العنصرية التي تشرع سياسة الأبارتهيد ضد سكان 48 و معاملتهم كمواطني درجة ثالثة!
لذلك كله فإنّ الدعوة للحوار مع دولة الاستعمار الاستيطاني و الأبارثهيد مرفوضة إلاّ إذا أخذت بعين الاعتبار الظّلم التاريخي الذي مارسته على سكان الأرض الأصليين، وتطرّقت لأنجع الطرق التي تؤدي الى إنهاء الاحتلال والاستعمار والأبارثهيد. و المقاطعة ترينا ذلك الطريق.
ولطالما كان تطبيع الاضطهاد أحد الأدوات التي يستخدمها المستعمِر ضد مقاومة الشعب المستعمَر. فهي طريقة غير مكلفة وناجحة! و تحول الصراع إلى صراعٍ بين فريقين من سكان البلاد الأصليين، وكل ما على المستعمِر فعله هو الوقوف متفرجًا. لقد كانت بريطانيا وفرنسا وأمريكا ونظام الأبارثهيد في جنوب أفريقيا مثالاً لمستعمرين استخدموا التطبيع كأداة للسيطرة: فقاموا بتمييز قطاع محدد من المجتمع المستعمَر من خلال رمي بعض الفتات له. الأمر الذي جعل أفراد هذا القطاع يشيدون بالتطبيع ويبررونه “كرسالة حضارية." وهذا بالضبط ما يفعله النظام العنصري الحاكم في إسرائيل.
وبمساندة غير محدودة من الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت إسرائيل تشريد الشعب الفلسطيني وتطهيره عرقياً، بينما تتباهى بأنها دولة غربية "حداثية" محاطة بعرب ومسلمين "متوحّشين" تقوم بقمعهم خدمةً للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. ولا تجد صعوبة في العثور على بعض السّكان الأصليين "المتحضّرين"، "الإنكشاريين"، "عبيد المنزل" من "يتفهّمون" "ويبرّرون" دور إسرائيل. فهذا القطاع من السّكان الأصليين هو الوحيد في نظر إسرائيل الذي يقدر حداثتها "وديمقراطيتها" وسخاءها في منحهم بعض حقوقهم.
وبناء عليه فإن فماكينة "الهسبراة" – البروباجندا الدّعائية التي تشرف عليها وزارة الخارجية الإسرائيلية لتبييض وجه إسرائيل الملطخ بدماء أطفال فلسطين - نجحت في خلق نوعين من الفلسطيني والعربي؛ العارف بالجميل والناكر له! فهناك "العم توم"، "العربي الطيب" العارف بالجميل الذي يسعى فقط لإرضاء السيد الإسرائيلي ومن يدعمه. وهم ليسوا مطبعين بالفطرة، إلا أن أعراض التطبيع تبدأ بالظهور عليهم ولكن في نفس الوقت يعارضون جملة وتفصيلًا وصفهم بأنهم مطبعين للقمع والفصل العنصري والاستعمار. وأنا أتحدث هنا عن السادات رئيس مصر السابق وعن المسؤولين القطريين ممن يزورون إسرائيل بانتظام وعن الأمراء السعوديين الذين لا يشعرون بالخجل من مقابلة مجرمي حرب إسرائيليين والتقاط صور "السيلفي" معهم. وأيضا أتحدث عن الذين يدافعون عن "التنسيق الأمني" غير المستوعب مع إسرائيل، من يؤمنون "أن الحياة مفاوضات" بغض النظر عن حقيقة أن الصهيونية عبارة عن فكر عرقي-ديني متأصل في إقصاء "الأخرين"، بمن فيهم "العرب الطيبين!" بيد أن القائمة تشمل أيضا هؤلاء الفنّانين ومنظمات المجتمع المدني وبعض الأكاديميين الذين يطبعون لأهداف شخصية تتعلق ببقاء أعمالهم أو ثرواتهم!
ومن المفارقات أنه يوجد بين المطبعين من يزعم بعدم معرفته ماهية التطبيع من الأساس، أو التعريف المرتبط بالكلمة، على الرغم من تداوله عبر وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت منذ عام 2007. التطبيع في السياق الفلسطيني/العربي هو "المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط في فلسطين أو في أي مكان بالعالم يهدف (سواء ضمنًا أو علنًا) نحو جمع الفلسطينيين (أو العرب منفردين أو معًا) من جانب والإسرائيليين (سواء شعبًا أو مؤسساتٍ) من جانب آخر بدون تحديد المقاومةِ وفضحِ الاحتلال الإسرائيلي وجميع أشكال التمييز والقمع ضد الشعب الفلسطيني أهدافًا من ذلك الجمع."
على الرغم من شبه الإجماع برفض الفلسطينيين والعرب معاملة إسرائيل كدولة "طبيعية" يمكن التعامل معها بشكل "طبيعي" كأي دولة أخرى، إلا أن هناك قلة لا زالت تغرد خارج السرب! والحقيقة أن أهمية حركة المقاطعة في هذه الأوقات الحرجة تكمن في أنها رأس الحربة التي تتصدى للمشروع الأمريكي الهادف لفرض التطبيع العربي الكامل مع إسرائيل مقابل تصفية القضية الفلسطينية. لذلك تشعر إسرائيل هذه الأيام, مع تسابق بعض الأعراب على التطبيع معها, بسعادة بالغة بعد فشلها الذريع في التصدي للمد الهائل للمقاطعة عالمياً، وها هي تستنجد بالإدارة الأمريكية الجديدة لغزو العالم العربي وتحقيق ما عجزت عن إنجازه منذ عام 1977.
وبقدر ما حاول نظام الأبارثهيد الذي حكم جنوب إفريقيا تطبيع العنصرية وتبريرها، وقف العالم ضد محاولاته مستجيباً لنداءات الشّعب الأصلي لجنوب إفريقيا وحلفائهم. ونحن بدورنا نقترب – ببطء لكن بخطوات أكيدة- نحو تلك اللحظة التي سيُعزل فيها الاحتلال، والاستعمار، والفصل العنصري الإسرائيلي بشكل كامل، بغض النظر عن المحاولات التي يقوم بها بعض القلة من المطبعين العرب! وما تبقى لنا في فلسطين هو الإرادة الشعبية البعيدة كل البعد عن الشعارات الفارغة والتي عن طريق حملة مكثفة ومتنامية من المقاطعة وعدم التطبيع يجب في المحصلة النهائية أن تؤدي، و كما حصل مع النّضال الجنوب أفريقي، إلى التحرير.