الأربعاء: 01/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ديناميكية التغيير السياسي في اسرائيل

نشر بتاريخ: 08/07/2017 ( آخر تحديث: 08/07/2017 الساعة: 21:16 )

الكاتب: عوني المشني

يتساءل الكثير من الفلسطينيين ومعهم بعض مثقفي "اليسار" الإسرائيلي ما الذي سيقود الى تغيير في الرأي العام والفكر السياسي في اسرائيل؟؟، فاليمين الاسرائيلي ومنذ عقدين من الزمن تقريبا يحكم في اسرائيل ، والتوجهات في الرأي العام الاسرائيلي تشير الى توجهات مجتمعية اكثر يمينية من حيث الانتشار وكذلك التطرّف ، كذلك فان اليمين الحاكم يرسخ وجوده بالسيطرة على " الدولة العميقة " كالتعليم والقضاء والإعلام والجيش ، اضافة لشرعنة التطرّف اليميني عبر مجموعة ضخمة من القوانين والتشريعات ، والتي بمجملها لن تبقى فرصة لليسار الوسط- حتى لو وصل الحكم بعد سنوات - لعمل اي شيئ يذكر باتجاه السلام . كل هذا يحصل في اسرائيل ، انه اختطاف للدولة من قبل اليمين وصناعة واقع موضوعي يتجاوز قدرة اليسار على التغيير والسؤال حول ديناميكية التغيير يكبر ويكبر ولا من اجابة مقنعة له او ان لا احد يجرؤ على الإجابة . يسهل على الفلسطينيين القول ان التغيير في اسرائيل يتم عبر الصدمة والضغط فقط ، حرب أكتوبر هي التي جعلت مناحيم بيان يوقع كامب ديفيد رغم انه أشهر قادة اليمين الاسرائيلي في التاريخ وأكثرهم تطرف ، واكثر من هذا حرب أكتوبر أسقطت حزب العمل الذي تربع على عرش الحكم في اسرائيل منذ نشأتها وبدون انقطاع . كذلك الامر فان المقاومة العنيدة في لبنان قد اجبرت براك على الانسحاب من جنوب لبنان بدون حتى اتفاقية وبلا اي شروط ، اما المرتين الأخريتين التي انسحبت فيه اسرائيل من أراضي احتلتها فقد كانت الاولى عام ١٩٥٦ اثر احتلالها سيناء وغزة في حرب السويس وقد انسحبت مرغمة بضغط القوة العظمى الصاعدة أمريكيا ورئيسها أيزنهاور ، والمرة الثانية انسحابها قبل بضعة وعشر سنين من غزة حيث انسحبت منها كوّن غزة أصبحت عبئا عليها ولا مصالح إسرائيلية فيها ، فغزة اصغر بقعة جغرافية فيها اكبر ازدحام سكاني وأقل موارد ولهذا لا تشكل طموح لأي كان . وهكذا فان الصدمة والضغط العسكري هي ما حقق التغيير ، هذا بالنسبة للفلسطينيين كما ويسهل على مثقفي اليسار الاسرائيلي القول انه تحول عالمي نحو اليمين وهذا يعفيهم من مسئوليتهم في الفشل الذي وصل اليه اليسار الاسرائيلي ، فاليمين الاسرائيلي لا يعبر عن مفهوم اجتماعي اقتصادي فقط بل يقود اسرائيل بمحلها وبعلاقاتها الدولية الى مغامرة غير محسوبة ، فالركون للضعف العربي والتوغل في الاستيلاء على ارض الغير وقتل أبناء الشعب الفلسطيني خارج اي مفهوم انساني يجرد اسرائيل وليس اليمين من شرعيتها الاخلاقية والسياسية ويعمق الأسئلة الوجودية حول اي مستقبل ينتظر اسرائيل لو حصل تغير في موازين القوى او حتى في التحالفات الدولية ، لهذا فان اليمين الاسرائيلي يغامر بالمستقبل من اجل اللحظة الراهنة ، انه يمين لا يرى ابعد من انفه !!!! لكن هذا التبسيط لا يكفي ، ولا يوضح ديناميكية التغيير في المجتمع الاسرائيلي ، فتحول الرأي العام في اسرائيل ليصبح أسيرا لفكر اليمين ليس بالأمر الدراماتيكي المفاجئ انه تطور ثقافي سياسي بدأ مع أواسط السبعينات واكثر من هذا تحول الحريديم في المجتمع الاسرائيلي من أقلية ليصبحو قوة مجتمعية فاعلة ومؤثرة وتصبغ الحياة العامة في اسرائيل لم يأتي بفعل الصدفة ، ان التحولات في المجتمع الاسرائيلي قادت الى تشكيل ثلاث كتل اجتماعية ، العلمانيين ، الحريديم ، والفلسطينيين ، وربما ان التناقض بين هذه الكتب قد اصبح اكثر وضوحا وأشد قوة في ظل حكم اليميني والعلماني والذي يعزز وجوده بفعل العداء لليسار العلماني والعرب على حد سواء . ان وجهة النظر التي تقول ان التغير السياسي هو انعكاس لمتغيرات ثقافية وقيمية في المجتمع تنطبق الى حد ما على ما يحصل ، فالتحولات الثقافية باتجاه ثقافات محافظة ساهمت في تنامي التيار الديني في اسرائيل هذا هذا ساهم في نمو اليمين المحافظ الاسرائيلي ، والعلاقة بين اليمين والفكر الديني في اسرائيل وبعد ان كانت علاقة تناقض حيث عارض الحريديم في بداية الغزوة الصهيونية قيامم دولة إسرائيلية ، أصبحت هذه العلاقة الان علاقة طردية بمعنى التطرّف في دعم الفكر التوسعي الاسرائيلي ، هذا اضافة الى تحول الاستيطان من مفهوم أمني الى ايدولوجيا دينية ، حيث بدأ حزب العمل الاسرائيلي الاستيطان كضرورة أمنية واستخدم الأيدلوجيات الدينية محاولة في إقناع الجمهور بالاستيطان ، وسرعان ما تحولت الأيدلوجيات الدينية الى ضاغط كبير باتجاه توسيع وتعميق الاستيطان هذا التقى مع صعود اليمين العلماني للحكم ممثلا بالليكود مما أعطى دفعك قوية ليس للاستيطان فحسب بل وللتوجهات اليمينية برمتها . والآن نحن امام دولة يهيمن فيها اليمين بتحالف موضوعي بين الديني والسياسي والأيدلوجي لتصبح اسرائيل " مستوطنين لهم دولة " حيث الفكر الاستيطاني يهيمن على مجمل الفكر السياسي اليميني وحيث ان الدولة برمتها أصبحت في خدمة فكر الاستيطان ، وحتى الجيش الذي هيمن عبى الدولة لعشرات السنوات اصبح والى حد ما تحت سيطرة الاستيطان اليميني الأيدلوجي . والامر ينسحب على الثقافة والتعليم والقضاء والإعلام حيث تتم عملية تغيير ممنهجة يقودها اليمين لإعادة رسم معالم الدولة من جديد وبمفاهيم اليمين ، انه انقلاب شامل وممنهج يساهم في شرعنة اسرائيل كدولة تمييز عنصري تمارس جرائم ضد الانسانية . التغيير في اسرائيل لهذا الواقع لا يمكن ان يأتي بوصفة سحرية ، اولا انه عملية ثقافية طويلة المدى الى حد ما ، وثانيا يحتاج الى قوى سياسية جريئة وفاعلة ولديها برنامج ، وثالثا ربما ان العملية تحتاج الى إعلام حقيقي غير ديمغواجي ومؤثر ، ورابعا تسويق فكري مؤثر للبرامج البديلة .والاهم من هذا كله جرأة قوى التغيير في التعبير عن ذاتها دون وجل من اليمين وصوته العالي . هذا لا يعني ان عامل الضغط الخارجي لا يخدم التغيير ، بل ربما ان العامل الخارجي سيشكل جرس إنذار لسكارى القوة الاسرائيلية ليوقظهم من سكرتهم ، فالضغوط الخارجية تساهم في تغيير منطق التفكير وهذه بداية التغيير . أربعة عناوين لقضايا كبيرة ، وكبيرة جدا ، وتحتاج الى تعميق دراسي وبحثي ، ان تحويل السلام الى رؤيا ايدلوجية ثقافية هو مهمة رجال الفكر والثقافة الإسرائيليين ولا يمكن لأحد ان يقوم بتلك المهمة غيرهم ، لا يعقل ان يصبح منظري الفاشية والتطرف اكثر تأثيرا من دعاة السلام والأمن والاستقرار لهذا فان على النخب الفكرية ان تحمل هذه المسئولية وتحول فكر السلام الى رأي عام انساني وقادر على تحقيقي الأمن ، نعم هذه هي الاشكالية ، إقناع الشارع الاسرائيلي بان السلام قادر على تحقيقي الأمن ، هذا يحتاج الى قوى تصنع سياسة لا ان تلهث خلف شعارات اليمين وتجد مسوغات يسارية لها !!!! نعم ان جرأة متسلحة بالوعي هي ما يقنع المجتمع الاسرائيلي على التغيير اما اعادة انتاج شعارات اليمين وتقديمها للمجتمع على انها برنامج اليسار فهذا لا يقنع الجمهور الاسرائيلي لان الجمهور بدل ان يدعم شعارات اليمين التي يقدمها اليسار يرى ان يدعم اصحاب تلك الشعارات الأصليين وهم اليمين ذاته . وان كانت الحالة العربية متهالكة ولا تستطيع ان تفرض التغيير في اسرائيل وفق منطق الضغط الذي يصل الى حد الصدمة فان الحالة الفلسطينية ليست كذلك ، صحيح ان القوى السياسية الفلسطينية قد استنفذت دورها التاريخي او كادت وقد أشهرت افلاسها عبر الفشل الذريع وفِي اكثر من مناسبة ، وصحيح أيضا ان الكفاح المسلح الفلسطيني قد اصبح موضوع استخدامي شكلي غير قادر على احداث تغيير استراتيجي ، لكن صحيح أيضا ان حركة المقاطعة تتحول الى جهد رئيسي ، وتمت عولمة المقاطعة بطريقة ستفشل كل جهود قمعها وحصارها وها هي تحقق نجاحات استراتيجية وتعطي نتائج مثمرة وكبيرة وإذا ما تكامل جهد المقاطعة مع تأثير الديمغرافيا الفلسطينية على الارض واستخدمت قوى إسرائيلية اصيلة هاتين المسألتين وبمنطق حماية اسرائيل من اليمين المغامر والذي يتحكم بمستقبلها ومستقبل ابناءها فان التغيير لا محالة قادم وبقوة وفعالية . إذن عناصر التأثير الخارجي متوفرة وتتوفر اكثر مع كل يوم ، الشيئ الغير متوفر في اسرائيل هو حركة سياسية إسرائيلية ديناميكية وأصيلة ، ليست يسارية الى حد التشكيك في ولاءها لإسرائيل وليست أسيرة لمفاهيم تقليدية ، وقادرة على استخدام معطيات الواقع عبر إعطاء اجابات حيال المستقبل ، حركة سياسية لها برنامج واضح وفاعلة وليست موسمية ، حركة بعيدة عن النمطية - يمين او يسار متدينة او غير متدينة ، قادرة على جمع التناقضات الاجتماعية والعرقية والأيدلوجية ، حركة لها هدف واحد هو تحقيقي سلام عادل نسبيا مستقر ودائم ولا تقحم نفسها في التناقضات والمفاهيم الاجتماعية او الأيدلوجية حتى تكون جامعة وليس مفرقة ، حركة بعيدة عن ديمغواجيا الشعارات الاستهلاكية السياسية . هنا وصلنا الى مفتاح التغيير ، اما البرنامج والأدوات فذلك موضوع بحثي كبير اكبر من دراسة اكثر شمولية وأعمق من رؤية شخصية وتحتاج الى منهجية وتوثيق . السؤال ما أهمية ذلك لنا كفلسطينيين ؟؟؟؟ اننا نعود لتجارب الاخرين ، الثورة الفيتنامية انتصرت في شوارع نيويورك وواشنطن قبل ان تنتصر في هانوي ، الثورة الحزائرية انتصرت في باريس قبل ان تنتصر في الجزائر ، وكذلك الحال جنوب افريقيا انتصرت في كل بقاع الارض وبين البيض أنفسهم قبل ان تنتصر بفعل اليود ذاتهم . ان التقاط ديناميكية التغيير في اسرائيل هي الاساس لا لانتصار الفلسطينيين فقط ولكن لحماية اليهود أنفسهم ايضا من مغامرات اليمين الغير محسوبة . لذلك فان مهمة التغيير في اسرائيل هي مهمة مشتركة العقلانيين اليهود اولا وللفلسطينيين الذين يلتزمو وطنيا بأهدافهم ولديهم بعد انساني حقيقي . هنا نحن لا لنضع الامور في سياقها ونحمي الشعبين معا من مغامرات مجنونة .