الأحد: 19/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

"1250" أغنية وطنية وقومية من وحي ثورة يوليو

نشر بتاريخ: 30/07/2017 ( آخر تحديث: 30/07/2017 الساعة: 16:19 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

تحتفظ المكتبة الإذاعية والتلفزية المصرية بأكثر من ألف ومئتين وخمسين أغنية وطنية، أُلفت ولحنت وقُدمت من وحي تجربة ثورة يوليو، فقد واكبت هذه الأغاني الثورة منذ العام 1952م مروراً بكل مراحلها وتحدياتها، وحتى الأغاني التي أنتجت في حرب أكتوبر 1973، نستطيع تصنيفها في إطار أغاني الثورة، فانتصار أكتوبر هو تتويج لحرب استنزاف خاضتها مصر بقيادة عبد الناصر وتتويج لإعادة بناء القوات المسلحة بعد حزيران العام 1967 استعداداً لمعركة كبيرة شاملة. ومرد غزارة الانتاج الغنائي، أن مصر عاشت في خمسينيات وستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي عصراً ذهبياً للإبداع، ليس في مجال الأغنية الوطنية فحسب، وإنما أيضاً في السينما والمسرح والرواية والقصة القصيرة والفن التشكيلي والمونولوج والمسلسل التلفزي والإذاعي.
تنبه عبد الناصر للجبهة الثقافية والإبداعية ووفرلها مقومات النجاح والتفوق، وكان شخصياً رغم انشغالاته ومهماته الجسام، يستقطع ساعات من وقته لحضور حفل فني لأم كلثوم أو عبد الوهاب أو عبد الحليم، حتى أنه كان يعالج بنفسه خلافات كانت تنشأ بين فنانين كبار، فقد جمع يوماً أم كلثوم وعبد الوهاب وسوى خلافاً بينهما، وطلب منهما أن يعودا بأغنية جديدة، تجمع أعظم صوت وأعظم ملحن وكان أن لبّى الأثنان طلبة، وعبد الناصر هو من قال مشيداً بدور عبد الحليم في أغنياته الوطنية، أنه يعبئ الجمهور بمبادئ وفلسفة الثورة أفضل مما تفعله الخطابات الإعلامية والسياسية. وهذا ما يفسر دعمه العندليب، عندما حاول عبد الحكيم عامر وضع عراقيل أمامه للحؤول دون مشاركته في الاحتفالات السنوية التي كانت تقام في الذكرى السنوية للثورة.
تحمس الفنانون المصريون والعرب للثورة ولشخص عبد الناصر، فقدموا أفضل ما لديهم من أغانٍ، ومن أشهر من أبدعوا على هذا الصعيد، إلى جانب عبد الوهاب وأم كلثوم – فريد الأطرش وشادية وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة وشريفة فاضل ومحرم فؤاد ومحمد رشدي وفهد بلان وعادل مأمون وماهر العطار وعبد اللطيف التلباني وسيد مكاوي وفايدة كامل وللأخيرة صوت قوي ومؤثر تعبوي، حيث وظفت جل أغانيها للثورة.
وقد حملت هذه الأغاني مبادئ وتوجهات الثورة من تأميم قناة السويس وإنصاف فقراء الفلاحين والشرائح الفقيرة ومجانية التعليم والسد العالي والتصنيع والصمود أمام العدوان الثلاثي في العام 1956، لتنتفض الأغنية الوطنية في وجه هزيمة العام 1967 وغني عبد الحليم " بلدانا على الترعة بتغسل شعرها.." وكان لهذه الأغنية فعلاً سحرياً في التعبئة والاستنهاض والتصميم على تضميد الجراح والاستعداد للآتي. ولأهمية الأغنية المذكورة، كان عبد الناصر يتصل بالإذاعة حينما تغفل عن إذاعة الأغنية المذكورة، لإدراجها في برنامجها اليومي.
ويلاحظ أنه رافق الأغنية الفردية التي كانت تؤدي بصوت مطرب واحد، إنتاج أغانٍ جماعية بمشاركة عدد من المطربين، فمرة يقود عبد الحليم حافظ في أغنية مشتركة نخبة من المطربات، ومرة أخرى يتصدر عبد الوهاب مجموعة فنية ليس كملحن فقط وإنما أيضاً كمطرب.
المتمعن في مجموع الأغاني الوطنية في تلك الفترة، يجدها حافلة بالحماسة ومفعمة بالإبداع والتجديد الموسيقي وروعة الأداء، فيما لم تنحصر موضوعاتها في السياسة، بل امتدت إلى الاقتصاد والجوانب الاجتماعية والثقافية والتعليمية والوحدوية العربية، أي أنها اضطلعت بدور مهم في العملية البنائية التنموية بشكل عام.
كان المطربون يتنقلون بين الاستوديو والميدان، ففي خمسينيات وستينيات القرن الماضي أقام عدد كبير منهم الحفلات للجنود والضباط المرابطين في مواقع متقدمة على الجبهة، للتخفيف عنهم وللإسهام في التعبئة والشحذ، ووصل دور بعض المطربين ذروته، بعد هزيمة 1967 وفي سنوات حرب الاستنزاف، عندما كان عبد الحليم وأم كلثوم ومطربون آخرون يوظفون ريع حفلاتهم لصالح المجهود الحربي. ولم يقتصر دور أم كلثوم داخل مصر، وإنما جابت عدداً من العواصم العربية وأحيت حفلات فيها، لتخصص مردودها لدعم القوات المسلحة المصرية.
فريق متكامل من الشعراء والملحنين والمطربين استنفروا طاقاتهم، من أجل المشروع القومي العربي الذي نادى به جمال عبد الناصر وشاركهم في ذلك مطربون من دون عربية قدموا أجمل الأغاني خدمة لهذا الهدف.
وأخيراً من منا لم يطرب حتى اليوم ويتجدد في داخله الأمل عندما يستمع إلى أغنية "صورة" التي قال عبد الحليم فيها أبلغ ما لدى الثلاثي الشاعر والمحن والمطرب، من معانٍ صورت مصر في أجمل المشاهد الإبداعية، التي عكست آمال وأحلام المواطن العربي بشكل عام.