الثلاثاء: 30/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

توازن حماس في السيرك الدولي

نشر بتاريخ: 23/08/2017 ( آخر تحديث: 23/08/2017 الساعة: 17:42 )

الكاتب: عماد توفيق عفانة

قد يرى بعض الناس حركة حماس وعلى مدى فترة لا بأس بها من الزمن وكأنها تدخل في متاهات ولا تدري بالضبط ماذا يجب أن تعمل ولا كيف تتصرف.
وقد نلتمس العذر لهؤلاء لأنهم بلا شك يرون الجانب الذي يقابلهم من المشهد ولا يرون قطعا الجوانب الأخرى، ومن الطبيعي أن يفسر كل شخص الأمور وفق زاوية رؤيته للمشهد.
وقد يرى البعض أن حماس أدخلت نفسها في حالة من عدم الوضوح وربما في فوضى فكرية ومعرفية، لدرجة قد تصل بهم إلى اتهامها بفقدان البوصلة.
ومن حق الناس على حماس معرفة تجاه بوصلتها التي تقودهم بها، ومعرفة التوجهات والسياسات لكي تستقيم أمورهم ويبتعدوا عن الضبابية والغموض والتيه والضياع. كي لا يذهب البعض لاتهام حماس بضعف رؤيتها الفلسفية والفكرية فيما يتعلق بإدارة شؤون الناس، أو انها قد تكون دخلت في حالة من التردد والشك وضعف القدرة على إيجاد البدائل.
فحركة حماس ذات الثلاثين ربيعا هي حركة محاربة محاصرة متهمة بالإرهاب وتحاصر دول مثل قطر لاتهامها بإيواء قادة حماس، تسير بتوازن دقيق على حبل السيرك الدولي المشدود، ويترقب الكثيرين سقوطها.
فلا تناقض بين التزام المبدأ والوفاء لقواعدها الحركية، وأعلنت منذ نشأتها ضمن ادبيات ميثاقها العتيق عدم تدخلها في شئون الدول الأخرى، ووثقت علاقاتها بالشعوب تمام كما حرصت على علاقات متوازنة مع الأنظمة.
وبقيت وفية لمبادئها وابتعدت عن سوريا مثلا كي لا تصطف إلى جانب النظام ضد الشعب المذبوح، رغم علمها أنها قد تخسر الدعم الإيراني الكبير لحركتها المقاومة تمويلا وتسليحا، إلا أن المبادئ عند حماس تعلو على المصالح.
وهكذا فعلت في تعاملها منذ البداية مع الأزمات العراقية واليمنية.
تعلمت حماس من تجارب منظمة التحرير فيما يتعلق بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، وبات من البديهيات أن الفلسطينيين يحبون الخير لكل العرب والمسلمين، ولا يترددون بالسير في طريق اصلاح ذات البين والوفاق، والشعب الفلسطيني لم يعد على استعداد لأن يؤيد طرفا على حساب آخر في الصراعات الداخلية العربية أو الصراعات البينية، لأن هذا الشعب سيكون اول من يدفع الثمن.
أن تكون حماس وفية لمبادئها في حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأن تخرج من سوريا كي لا تجبر على تبني موقف يخالف هذا المبدأ لا يعني بتاتا أن حماس أدارت ظهرها لمحور المقاومة أو أنها تنكرت لمبدأ المقاومة الذي يجب أن يعلو على كل الاعتبارات الأخرى ما دامت فلسطين محتلة، وقد حافظت حماس رغم ذلك على علاقات طيبة مع كل من إيران وحزب الله وأبقت على حبال الود موصولة رغم الضغوط الكبيرة التي مورست عليها منهما كي تنحاز إلى جانبهم إلا أنها فضلت في النهاية الانحياز إلى مبادئها.
وأعلنت حماس وفي أكثر من مناسبة وفي كل محفل أنها مستعدة لتلقي الدعم والاسناد من أي كان لكن دون شروط أو املاءات أو تدخل في قرارات حماس وشأنها الداخلي.
فحماس في معركة التحرير لا ترفع راية طائفية، وتستقبل الدعم والاسناد من أحرار العالم حتى لو كانوا غير مسلمين.
حماس لم تترك محور المقاومة يوما، ولكن هذا المحور جفاها فترة من الزمن ثم ها هو ذات المحور يعود لاحتضانها بقوة-في إطار لعبة التوازنات في إدارة الصراع-رغم احتفاظ حماس ووفائها لذات المبادئ التي جفوها بسببها.
واضح لكل ذي عينين انضباط حماس وقوة تركيزها وتسلحها بخطاب عقلاني يوجه الميدان.
فها هي حماس تحظى بعلاقات قوية مع قطر، وبعلاقات طيبة مع تركيا، ونجحت في احتواء غضب النظام المصري الجديد، ونجحت في عودة المياه إلى مجاريها في العلاقات مع إيران، فيما علاقتها التي لم تنقطع مع حزب الله تزداد متانة.
أن تكون لحركة حماس كحركة مقاومة علاقات متشعبة مع أطراف متناقضة فهذه ميزة تسمح لها بتوظيف هذه التناقضات لصالح مشروع التحرير ولا تسمح لهذه التناقضات ان تضر بشعبنا وقضيته العادلة.
ولا يضير حماس أن تكون لها علاقات طيبة مع الأقطاب المتنافرة كإيران والسعودية، أو مصر وقطر دون أن تحسب على هذا الطرف أو ذاك.
فقد يظن البعض أن حماس قد حسمت نفسها على المحور القطري التركي، لكنها تفاجئه في اليوم التالي بإرسال وفد إلى مصر، ويوما يظن البعض أنها مع التحالف السعودي الإماراتي ليكتشف بعد قليل أنه على خطأ.
ولا يمنع موقف حماس الرافض بشدة لاتفاق أوسلو وأهله أن تعلن استعدادها للقاء عباس والاتفاق معه على إقامة حكومة وفاق معه، أو أن يترأس الأحمد لوفد المقاومة إلى القاهرة إبان الحرب الأخيرة على غزة، وكل ذلك في سبيل تحقيق المصالح العليا لشعبنا وقضيته العادلة.
صحيح ان حماس حركة راديكالية وأن الراديكالية مذهب سياسيّ يطالب بالإِصلاح التّامّ في إطار المجتمع القائم، وهذا يعني أن تعمل حماس مع جميع القوى في هذا المجتمع سواء المحلي الإقليمي أو الدولي، فحماس أولا وأخيرا لا تعمل في الفراغ ولا يجب أن تنبذ نفسها بالانعزال بل بتوظيف الطاقات والنوايا وحتى التناقضات بين القوى الأخرى للوصول إلى تحقيق الحرية لشعبنا والتحرير لأرضنا.
وما يمنع حماس كحركة راديكالية أن تمارس البراغماتية في مرحلة من المراحل إذا كانت هي الحل العملي والممكن لمشكلة ما، فالمبرر الوحيد للإيمان بأي شيء هو أن التمسك به والعمل وفقاً له مما يجعل المتمسكين به في وضع أفضل مما لو لم يتمسكوا به.
وفي هذا الإطار يمكن أن ندرج لقاءات حماس المتكررة مع دحلان، علما أن رأسه كان مطلوبا لها في مرحلة من المراحل، وهذا لا يعني أن رأس دحلان لم يعد مطلوبا لها.
ومن الطرف الآخر كان دحلان وما زال يسعى لمحاربة حماس وسحقها والتعاون مع الشيطان من أجل ذلك، ولقاءات دحلان مع حماس لا يعني البتة أنه لم يعد يحاربها ولم يعد يرغب في سحقها من الوجود.
وهل تعاون حماس مع دحلان ومن خلفه لحل أزمات القطاع يعد تنكرا لمبادئها أو أنها ألقت سلاحها أو أن بندقيتها باتت مؤجرة لهذا الطرف أو ذلك بالقطع لا.

وهاك دليل صارخ على مرونة حماس وقدرتها على توظيف عوامل القوة لديها، والتلويح بقلب الطاولة في وجه الجميع، وهي المبادرة التي طرحتها كتائب وكأن حماس لا علاقة لها بها، تلك المبادرة التي توصي بصناعة فراغ في غزة وذلك لإخراج حماس من دائرة المسؤولية والقاء عواقب ذلك في وجه أطراف الحصار-إسرائيل، مصر والسلطة-سواء كانت هذه العواقب صدام عسكري آخر مع العدو الصهيوني، أو فوضى شعبية تنفجر في وجه المحاصرين – إسرائيل ومصر- ولا تشكل هذه المبادرة قطعا هروبا من المسؤولية عن حفظ حياة وأرواح أبناء شعبنا، فما قامت حماس بالأساس إلا لهذا الغرض.

كما أن في يد حماس أوراق قوة كثيرة أخرى لم تستخدمها بعد مثل:

- توسيع حاضنتها الشعبية وتوثيق العلاقة معها عبر التركيز على إقامة العدل بين الناس ومغادرة مقاعد التعصب للحزب والمناصرين، والانحياز التام على للشعب وقضاياه ووحدته الوطنية.

- فرز طليعة فكرية عملياتية تتمتع بالإمكانات والصلاحيات على غرار خلايا الأزمات التي شكلتها حماس لمواجهة الازمات التي يصنعها لها الآخرون، على ان تكون مهمتها الأساسية صناعة الأزمات للذين يصنعون الأزمات لغزة، وإشغالهم الدائم في أنفسهم فخير وسيلة للدفاع الهجوم.

- استنفار وسائل الإعلام بشكل دائم ومستفز لحكومات الدول المحيطة ليبقى التركيز كبيرا على الازمات الإنسانية لقطاع مما قد يحرج العالم ويدفع قواه إلى إنهاء الحصار.

- العمل على إيقاظ العالم على وقع تحركات مئات آلاف وملايين اللاجئين الفلسطينيين مما قد يهدد عروش ويربك أنظمة.

- التلويح بورقة الفلسطينيين الذي يعيشون داخل فلسطين المحتلة 48 وعلى أبواب غرفة نوم نتنياهو خصوصا بعد الاستفزاز الكبير في اعقاب الاعتقال المتكرر للقائد رائد صلاح والتهديد باغتياله.