الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاخطر من صفقة القرن : الوضع الفلسطيني الداخلي

نشر بتاريخ: 26/06/2018 ( آخر تحديث: 26/06/2018 الساعة: 21:34 )

الكاتب: عوني المشني

ككل البدايات جاءت بداية ترامب مندفعة الى حد التهور ، وكأنه يسابق خطواته في تصفية القضية الفلسطينية ، استبق إقناع الاخرين بصفقاته بان بدأ بتطبيقها ، وأصبحت بذلك اس محاولة لتسويقها فاشلة كوّن مذاقها المر قد سبق الحديث عنها ، الهالة من الغموض حول صفقة القرن لا تستطيع ان تخفي ابعادها ، " فبداية القصيدة كفر " ، هكذا كانت ، نقل السفارة الى القدس الموحدة كعاصمة لاسرائيل شكلت بداية صفقة القرن وبذلك فضحت تلك الخطوة مكنونات اهداف تلك الصفقة الخاسرة .
حتى بعض الحكام الذين اعتقدوا واهمين ان صفقة القرن ستقدم لهم مصادر قوة لتحقيق اهدافهم بدأوا يتلمسوا انها ستأخذ منهم اكثر مما تضيف لهم ، ستجلب لهم اسرائيل لا لتساعدهم في تحقيق اهدافهم بل ليخوضوا معركتها ضد ايران ، وسيدفعون تكاليف مالية باهظة جدا لتمرير الصفقة ، وستزيد عزلتهم الجماهيرية في عالم عربي قلق متفجر اصبحت فيه الجماهير قادرة على تفجير الاستقرار وحتى لو لم تكن قادرة على تحقيق أهدافها . بمعنى او باخر صفقة القرن تجعل كل الأطراف العربية خاسرة وبدون اي مكسب حقيقي لأي منها . صفقة كهذا كيف ستجد طريقا الى النجاح ؟!!!!!
اوروبا ، روسيا ، الصين ، قوى كبرى لم تحد في صفقة القرن ما يشجع على اللحاق بالركب ايضا ، فهي خبيرة بشأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بما يجعلها تدرك ان صفقة القرن ليست اكثر من وهم قيادة هاوية للسياسة ، نتنياهو حقق أهدافه وان لم ينجح في تحقيق اهداف اسرائيل ، كسب وقتا اضافيا في الحكم وتخلص من ضغوط امريكية ودولية ، لكن عناصر التفجير من حول اسرائيل ما زالت كامنة وتزداد خطورة ، وسيل التهديدات الاسرائيلية مرة لغزة واُخرى لسوريا وثالثة لإيران وما بينهما لحزب الله ، هذه التهديدات ربما تؤخر قليلا بعض التفاعلات الخطيرة لعوامل التفجير ولكن لم تلغيها .
نحن امام مشهد سريالي بكل ما في الكلمة معنى ، ان يصبح الطرف الفلسطيني وهو الأضعف ، نقطة الارتكاز في مقاومة السياسة الامريكية في المنطقة ككل هو اللون الطاغي غلى هذا المشهد ، والأكثر اثارة ان الاخرين وبدل ان يوجهوا الضغط لتغييره يقتربون منه ، لماذا ؟؟؟ لان الصفقة لا يوجد فيها ما يجعل احدا قادرًا على تبريرها او حتى الصمت عنها !!!!
ماذا يعني ذلك ؟؟؟
يعني ان تهور البدايات اصطدم بتعقيدات الواقع اولا ، واصطدم بتعارض المصالح ثانيا ، واصطدم بفجاجة الاسلوب ثالثا ، لتبدأ بعد ذلك مرحلة التراجعات الخجولة ، الانتقال من صفقة القرن الى حلول انسانية لغزة هو بحث عن مدخل اخر لصفقة القرن من جهة وهو تراجع خجول ولكن في سياق التصفية من جهة اخرى ، وهو المدخل الخاطئ لقضية صحيحة ، ولكنه وهذا الاهم بداية تراجع .
الحقيقة التي لا يدركها ترامب وفريقه هي ان الحد الأدنى الفلسطيني والمتمثل بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وبعاصمتها القدس يشكل الحائط الاخير الذي ما بعده امكانية للتراجع لانه ببساطة الحد الفاصل بين الاستسلام وعار الخيانة ، وربما عند الكثير من الفلسطينيين قد تجاوز هذا الحد نحو الخيانة ، لهذا كان طبيعي ان يرفض الكل الفلسطيني بلا استثناء صفقة العصر وكان طبيعي ان لا يستطيع احد الضغط على الفلسطينيين للقبول بها .
الخطورة الحقيقية ليست في صفقة القرن ذاتها ، الخطورة تكمن في محاولات تمريرها او تسويقها ، تلك المحاولات ستضرب كثيرا من معطيات صمود الموقف الفلسطيني ، محاولة ضرب بنية النظام الفلسطيني ، الاسرائيليين يريدون نظام فلسطيني هش بدون أفق سياسي وبدون تاثير دولي ، هذا يدفعهم للإبقاء على حالة نظام أمني دون اي أفق سياسي ، ربما ان سيناريو تشكيل نظم فلسطينية مناطقية قائم على الجهوية والعشائرية هو الشكل المناسب لهم ، ما يساعدهم في ذلك حالة الانقسام السياسي بين حماس وفتح والتي تحولت الى انقسام جغرافي بين الضفة وغزة بفعل سوء الادارة الفلسطينية المقصود حينا والعفوي احيانا لملف الانقسام ، والعنصر الثاني المساعد هو عدم وجود ترتيب قانوني او تنظيم لمرحلة ما بعد الرئيس ابو مازن ما يبقي الباب مفتوحا وبقوة لمرحلة تجاذبات شخصية سيكون لها ابعاد جغرافية عبر استقواء الأشخاص بمناطق نفوذهم الجغرافية ، هذا الوضع يَصْب في طاحونة الاسرائيليين . ان وهم الشراكة الشخصانية في الادارة للنظام السياسي الفلسطيني والمعتمد على حسن النوايا وتقسيم الكعكة بدون ابعاد قانونية ودستورية لا يشكل مطلقا ضمانه لنظام موحد بل هو الوصفة الأكيدة لتشرذم ، واذا ما اخذنا في الاعتبار ما بيد الاسرائيليين من أوراق فان التشرذم واقع لا محالة ، ويكفي ان توزيع المال عبر وقطاعات الضريبة بيد الاسرائيليين ، هذا اضافة لما صنعته اسرائيل ذاتها من ولاءات لها في عَصّب النظام السياسي الفلسطيني .
يدخل الانقسام هنا على الخط بقوة ، خاصة في ظل بداية معركة خلافة الرئيس ، حماس تستند الى مبررات قانونية لم تحترمها عندما اختارت الانقلاب ، وفتح تستند شكل ملتوي لتكييف القانون ، وكلاهما محكوم بالرغبة المحمومة في الاحتفاظ للسلطة ويزداد الامر خطورة في ظل التداخلات الإقليمية والدولية التي تعزز الانقسام عبر تضارب المصالح ، وهنا فان المصلحة الاسرائيلية المستندة الى مقدرة اسرائيل في التأثير الموضوعي على الاحداث هي عامل حاسم في سيرورة الحدث وتطوراته .
ان مرحلة ضبابية ترافق صفقة القرن مقترنة بتلك الإجراءات تشكل عامل تيئيس للجمهور الفلسطيني وربما اكثر من ذلك فإنها ستشكل مقدمات لنهاية قوة وتأثير حركات سياسية وحزبية كثيرة ، هاذا لا يشكل استقراء للمستقبل بقدر ما تحليل للحاضر حيث بوادره موجودة فعلا ، والأمثلة تكاد تنطق بهذا .
جانب اخر من جوانب الخطر المرافق هو تآكل الرفض الشعبي نتاج اداء النخب الفلسطينية الخاطئ ، هذا الوضع ربما يشكل في ظل الخطر الاول " التشرذم " عنصرا قاتلا يجعل من الموقف الفلسطيني غير ذي اهمية ، ويلاحظ ان هناك حالة من اللامبالاه تتعزز في الوسط الشعبي الفلسطيني ، رغم ان نهوض الشارع يتم بشكل مفاجئ وبدون مقدمات ، هذا ما عودنا عليه شعبنا ، لكن هذه المرة هناك اختلاف جوهري وهو تآكل منظومة القيم المجتمعية نتاج عوامل سياسية رافقت وجود السلطة ،
اذن نحن امام صفقة فاشلة بامتياز وخطورة العناصر المترافقة منها اكثر من خطورتها ، تجاوز هذه المخاطر ليس بالأمر اليسير في ظل مستوى النخب السياسية الرسمية والحزبية .
هذا توصيف !!! نعم انه كذلك ولكنه مدخل لا غنى عنه وأرجأ الحقيقية ان بذل جهد وطني لتحصين الوضع الداخلي هو الاولوية والحلقة المركزية في مقاومة صفقة العصر ، بمعنى ان هناك الكثير مطلوب عمله لتحقيق تقدم في هذا التحصين ، المشكلة تكمن في النخب وعقلها السياسي المحكوم بمفاهيم عمل ضيقة قائمة على الشخصانية اولا وضيقة الأفق ثانيا ، لهذا فان حلول جذرية على المدى الآني على شبه معدومة ، ولكن حتى حلول مؤقتا فإنها صعبة وان كانت ممكنة .
ربما يفيد ان تتشكل قوى ضغط شعبية لتحقيق الحلول المؤقتة ، قوى ضغط جريئة وفاعلة قد تشكل عامل تعزيز لتلك الحلول ، حتى الان هذا ممكن ، ولكن لن يكون حتى فترة طويلة .