الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

أعداء النجاح والانجاز هم عالة على الوطن

نشر بتاريخ: 26/11/2018 ( آخر تحديث: 26/11/2018 الساعة: 13:21 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

العمل يرتبط بالإنسان وقدرته على التطور، حيث إن مراحل مفصلية في تاريخ الإنسانية، يتم التأريخ لها وتحديدها بالاستناد إلى العمل مثل الصيد، والزراعة، وانفصال مهنة الرعي عن الزراعة، أو إبداع أدوات العمل التي شكلت نقلات نوعية في آواخر التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية البدائية توطئة للانتقال إلى تشكيلة أخرى، اتخذ العمل فيها مسارات أكثر وضوحاً، لدرجة أن هناك علماء يربطون ربطاً وثيقاً بين اختراع أدوات العمل واكتساب المهارات وتأثير ذالك على توسيع وتعميق المعارف والمفاهيم الإنسانية وبالتالي الفكر الإنساني كمنظومة وعي متكامل.
لذلك فإن النجاح والإنجاز المستمر يحدث التوازن النفسي للإنسان، بينما التقاعس وعدم الإنجاز يجعلنا أمام شخصية مرتبكة وقد تكون عدائية، تقف في موقع مناهض ومعاد للإنجاز والنجاح.
ودينياً هناك قول شائع "إن العمل عبادة" وقد قُمت بقراءة شروحات حول هذا القول الذي يتعامل معه بعض الناس كحديث نبوي، لكن لم نجد له أصلاً في كتب الحديث، في حين رأى مجتهدون أن هذا القول ينبثق من قاعدة عامة مفادها أن الدين يحث على العمل، وأن من يعمل وينجز من أجل سد حاجة أسرته وحمايتها من الفقر والعوز كأنه يتعبد، كناية عن تقدير واحترام العمل، لكن العمل بالطبع دينياً لا يغني عن العبادة الحقيقية المعروفة ولا ينوب عنها.
وفي الفكر المادي وصف انجلز العمل بأنه صانع الإنسان، وهو يقصد أن الإنسان يتطور خلال العمل، أي عن طريق ممارسة العمل المهني، وكذلك في إطار العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية المرتبطة بالعمل من بيع وشراء وتواصل وحوار، وهناك من العلماء من اعتبر أن بلوغ الإنسان المتعة وهو يؤدي وينجز عمله، يشكل قيمة إنسانية عليا، لأن المتعة في العمل تأتي بالإنجاز والإبداع، فما الذي يجبر مخترع إذن على أن يمكث أياماً وشهوراً وسنوات في عمله أو مختبره يجري بحوثاً واختبارات من أجل التوصل إلى اختراع، إنه بالتاكيد حب الاستكشاف والإيمان بقضية وقبل وخلال وبعد ذلك متعة العمل والإنجاز. وكيف يتسنى لروائي أن يجلس خلف مكتبه سنتين أو ثلاث لينجز عملاً روائياً إذا لم تتوافر لديه الرغبة في الإبداع، وما يصاحب هذه العملية من متعة يتضاءل أمامها كل شيء من معاناة وانتظار. وما الفرق بين كرم زيتون في قرية فلسطينية وكرم آخر مجاور في ذات القرية ما دمنا نتحدث عن شجرة زيتون؟
الفرق بالطبع أن أشجار الكرم الأول قد اعتنى بها المزارع الفلاح صاحب الكرم، وفي المقابل فإن أشجار الكرم الثاني أهملت ولم يتم الاعتناء بها كما ينبغي.
الفلاح الأول المنجز يحترم نفسه ويحترم زيتونته وهو منسجم مع ذاته ومهنته ويتمتع بعمله ونتائجه، أما الثاني فيجد في العمل مهمة ثقيلة، فيتقاعس ويهمل أشجاره، لانه لم يكتشف مفاتيح المتعة في العمل ولم يتعامل معها، تماماً كالفرق بيثن أستاذ جامعي وآخر. الأول يتمتع حينما يقدم المعلومات لطلبته في إطار علمي موضوعي وبأسلوب مشوق، ويعتمد شراكة ديموقراطية في المحاضرة بينه وبين الطالب، فيأتي حصاده في نهاية الفصل وفيراً. أما الأستاذ الثاني فيهدر وقت المحاضرة في الحديث عن تجاربه وصولاته وجولاته العلمية وبحوثه (التي لا يعرفها طلبته لأنها غير موجودة)، ويقدم نفسه لطلبته على أنه "هرقل" المعلومات والأستذة، ونتيجة هذه المحاضرات ستكون بالطبع سلبية للغاية لأن الأستاذ هنا لا يمتع نفسه ولا يوازنها في تفاعلٍ إيجابي مع طلبته، بل ينفق الوقت في نفخ ذاته ليصبح أسير نرجسية لا شفاء منها.
وفي ساحة العمل والعطاء والإنجاز شتان بين صنفين من الناس الذين ينجزون والذين لا ينجزون. فمن ينجز اليوم يؤسس لإنجاز جديد في الغد وهكذا، أما الذي لا ينجز ولا يحب أن ينجز ولا يتمتع في العمل والإنجاز، فإنه يتحول إلى إنسان سلبي متناقض مع أي منجز، حيث يجند طاقته لتقزيم نجاحات الآخرين والإساءة لإنجازاتهم وإبداعاتهم، إنسان يمضي يومه يبحث عن ثغرات في الذي يحققه المنجزون، ليتحول مع الأيام إلى عدو للنجاح، فتنتشر ثقوب السلبيات على جسده وروحه، يتألم ويتوجع ويتقهقر مع كل إنجاز يتجسد أمامه ممهور بإبداع إنسان آخر مسكون بحب النجاح ومتعة العمل.