الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

احتضان الفنانين المصريين لزملائهم السوريين تعبير عن حس عروبي راقٍ

نشر بتاريخ: 01/12/2018 ( آخر تحديث: 01/12/2018 الساعة: 11:22 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

الشعب المصري يمتاز ببساطته وانفتاحه واحتضانه للآخر العربي على الأرض المصرية قديماً وحديثاً. وما دام المواطن العربي في مصر فإنه لا يشعر بالغربة والاغتراب، فهو مرحب به في الشارع والسوق والجامعة والمنتدى والمقهى وفي كل مكان يتجه إليه، وقد تطور هذا التوجه وأصبح أكثر تعبيراً ووضوحاً في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أي في مرحلة المد القومي، حينما عَمّم الشعار الناصري مفهوم الوحدة والقومية والمصير العربي المشترك. وتجلت ترجمة الشعار العروبي من خلال فتح مصر أبوابها على مصاريعها للفنانين العرب الذين شكل لهم الفن المصري حاضنةً موضوعيةً لكي يطلقوا طاقاتهم ويظهروا مواهبهم وقدراتهم دون حساسية الفانين المصريين أو خوفهم من المنافسة وتقاسم الموارد.
وفي حقيقة الأمر، أن احتضان مصر للفنانين العرب، قد سبق زمنياً "ثورة يوليو في العام 1952"، لأن هناك مجموعة من الفنانين عُرفوا فنياً انطلاقاً من مصر وعلى سبيل المثال فريد الأطرش وأسمهان وصباح ونور الهدى. وكان فريد الأطرش على وجه التحديد في الأربعينيات من القرن الماضي مقيماً دائماً في مصر، حيث غنى ولحن ومثّل، لكن في حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وصلت هذه الظاهرة الفنية ذورتها، فعرف الجمهور العربي ومن مصر نخبة من الفنانين ومنهم عليا التونسية وفايزة أحمد ووردة الجزائرية وعبد السلام النابلسي ونجاح سلام وإبراهيم خان وغسان مطر وفهد بلان. وكان لوديع الصافي والرحابنة أيضاً صولات وجولات فنية مميزة في مصر. ولم تتوقف عملية احتضان الفنانين العرب في السبعينيات وإنْ كانت شهدت تراجعاً نسبياً بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد وانعكاسات وتداعيات ذلك على العلاقات المصرية العربية بشكل عام، إلا أنه وبالرغم من ذلك فقد ذاعت شهرة مجموعة من الفنانين العرب في تلك المرحلة ومنهم سميرة سعيد ولطيفة وعزيزة جلال وميادة الحناوي ووليد توفيق وماجدة الرومي وغيرهم.
وبالطبع فإننا من خلال هذا التقديم لا نقوم بعملية تأريخ لكل الفنانين العرب الذين وجدوا في مصر بيئة فنية نموذجية لهم، وإنما ما أتينا به من أسماء هو للتدليل والاستشهاد فقط، بغية وضع بُعدٍ تاريخي لظاهرة اتسع مداها، خاصة في العقد الأخير حينما فُتحت الأبواب المصرية للفنانين السوريين نتيجة الأوضاع المأساوية التي عانتها بلادهم، بسبب سلسلة من الموجات الإرهابية، وها هم الفنانون السوريون يعملون في مصر دون حواجز أو قيود، حتى في ظل التعقيدات السياسية والظروف الصعبة التي تواجهها مصر في ظل تحديات الاقتصاد والتصدي للإرهاب والإرهابيين، حيث لم يتعامل الفنان المصري على وجه العموم، بغيرة وخوف من تقاسم زميله السوري معه المنافسة على الفرصة الفنية، بل وجدنا نوعاً من التناغم والتكامل في الأعمال الفنية، ولم يتحفظ الفنانون المصريون على اسناد أدوار البطولة لفنانين سوريين في المسلسلات والأفلام، ونذكر من بين الفنانين السوريين الذين حققوا نجاحاتٍ باهرة في مصر جمال سليمان وتيم حسن وسلاف فواخرجي وكنده علوش وباسم ياخور وعابد فهد وجمانا مراد وباسل خياط إضافة إلى المخرج السوري الكبير حاتم علي. لكن هل الوضع يسير بسلاسة مطلقة ودون ارتدادات أو اعتراضات؟
اعتقد أن الصورة العامة إيجابية ومشجعة، بيد أن هذا لا يمنع من بروز أصوات معارضة، إلا أنها قليلة ومحدودة مقابل الترحاب الواسع بالفنانين السوريين، فيما أن المردود الفني من هذه الشراكة مثمر تماماً من حيث التنوع والتداخل بين مدرستين فنيتين، وكذلك استفادة الدراما المصرية من وجوه وطاقات جديدة، قدمت أدوارها باللهجة المصرية.
وقبل وبعد ذلك، فإن التجربة برمتها أكدت ذلك العمق التاريخي بين شعبين شقيقين، حيث إن احتضان الفانين السوريين في مصر هو أكثر من فني أو مهني، لأنه يمثل حقيقة التضامن والتعاضد والاستعداد للوقوف إلى جانب الأخ في أزمة أو محنة بلاده.