الأربعاء: 15/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

إنجازُ نتنياهو: سَحْق حلّ الدولتَيْن نهائيّا

نشر بتاريخ: 28/12/2018 ( آخر تحديث: 28/12/2018 الساعة: 14:23 )

الكاتب: جدعون ليفي

من الممكن اتهام بنيامين نتنياهو. ويمكن فهم الذين يتلهفون لانصرافه. ومن المعروف أن عهده آيل للزوال. لكن لا يمكن الادعاء، أنه لم يفعل شيئا. خلال ألاثنتي عشر سنة من حكمه غيّر وجه إسرائيل. من وجهة نظره كان هذا نجاحا مُدْهِشا. يمكن أن نعيد إلى الوراء، إذا لاحت أيّة إشارة لزعيم ليبرالي يستحق -- أملاً من المستحيل الاقتراب منه حاليا. لكن ثمّة تغيير كبير واحد، مصيري، ثمرة السياسة المدروسة لنتنياهو، غير القابل للتغيير أبدا: تغيير ضدّ المواقف العالميّة، ضدّ موقف الولايات المتحدة الأمريكيّة، ضدّ السلطة الفلسطينيّة، وحتى ضدّ مَوْقِف أغلبيّة الإسرائيليين، رئيس الحكومة الإسرائيليّة التاسع استطاع أن يُسْقِط من جدول الأعمال إمكانيّة إقامة الدولة الفلسطينية الدائمة؛ واستطاع أن يُحطّم نهائيّا حلّ الدولتَيْن. سواء انتُخِب ثانية أو لم يُنْتَخَب -- سيُذكر نتنياهو على أنه سياسيّ ثوريّ، وعلى أنه شكّل الدولة على شكله وعلى هيئته.
من السهل جدا إحصاء أضرار حكوماته، والدمار الذي زرعته هذه الحكومات. شريطة ألّا تقولوا: لم يفعل شيئا، جاء فقط ليبقى. هدفه الأوّل كان وما زال ترسيخ الاحتلال، وصيانة التفوّق اليهودي وتقويض كل مصادر المقاومة لهما، في أسرائيل وبين شعوب العالم. نجحَ، أكثر من المُتَوَقَّع. عكس الذين ادّعَوْا بأن العالم لن يسمح له بذلك، وعكس الذين ادّعَوا بأن ذلك سيؤدّي لسفك كثير من الدماء، وعكس الذين ادّعَوا أن مكانة إسرائيل ستضرر إنسانيّا، وأنها ستصبح مثيرة للاشمئزاز، مُحاصرة، منبوذة ومبعودة، جاء نتنياهو وأثبت أن ذلك ممكن. ويمكنها أن تستخفّ بكل العالم، وحتى يمكنها أن تستخف بقطاع من مواطنيها. وأن الاحتلال والمستوطنين أقوياء وحازمون أكثر من أيّة قوّة أخرى. أثبت نتنياهو أنه ليس فقط يمكنه ترسيخ الاحتلال، أنما يمكنه عرقلة قافلة احتمالات إنهائه، دون أن يدفع شيئا ثمنا لذلك.
كان يمكنه أن ينضم لطقوس المفاوضات التي بدأها الذين سبقوه، مع أنه لم تكن لهم أيضا نوايا جديّة لإنهاء الاحتلال، وكان يمكنه استغلال فرص للتصوير مع محمود عبّاس، وللظهور كمّن يسعى للسلام مثلهم، وللحصول على هتافات العالم ولنيل جوائز دون عمل شيءٍ، كسابقيه. لكن نتنياهو وقف في وجه هذ الحفلات التنكريّة. قال الشي الصحيح: لن تكون دولتان، فقط دولة واحدة، ذهب بعكس التيّار— ونجح.
على ما يبدو جاءته المساهمة الأولى ممّا أدّى لنجاحه من زعماء المعسكر المعارض له، هؤلاء الذين ثرثروا بصوت عالٍ عن السلام ووعدوا بأشياء كثيرة. بدون حزب العمل واليسار الصهيوني لم يكن نتنياهو ليحتفل بإنجازه؛ اليمين مَدينٌ بالشكر الكبير لمرسّخي الاحتلال من اليسار الصهيوني ولمنْ مدّدوا الوقت بخوفهم، حتى جاء نتنياهو ورجّح الكفّة.
بدأ الاعتراف بأن نتنياهو قد انتصر يثير الخوف. لكن قلّة فقط، في البلاد وفي العالم، تتجرأ على الاعتراف بنجاحه، وان هذا النجاح هو فشلهم التاريخي. حاليا يستمرون بالخطاب القديم، كأنه لم يحدث شيئا، مفاوضات، دولتان، تفكيك المستوطنات، نهاية الاحتلال. كما كانوا يقولون قبل نتنياهو. مأخوذين بمفاهيم الماضي، يخشون الاعتراف بفشلهم ويرتعبون مما بقي – لا زالوا يرددون شعارات الماضي. لكن على الأقل جزء من المرددين يفهمون، أن نتنياهو خلّف وراءه احتمالَيْن فقط، لا بديل لهما: ديمقراطية أو ابرتهايد؛ مساواة أو نظام فصل عنصري، دولة يهوديّة أو ديمقراطيّة.
ثمّة أخبار سيّئة: كان التقسيم الحلّ الأسهل. لكن بعد حصول ما حصل يجب الاعتراف بالشكر لنتنياهو على إلغائه لهذا الحلّ من جدول الأعمال. كان حلا مُضلِلا. منذ سنة 1948، اللاجئون، العودة والمساواة لم يكونوا ليُحْفظوا في حلّ الدولتين، كان هذ الحل سيكون كاتفاقيّة مرحليّة. وضع نتنياهو حقيقة: المسألة الوحيدة الباقية مفتوحة هي شكل النظام في الدولة الواحدة، الممتدّة منذ عشرات السنين، وستمتد إلى أبد ابدين، بين البحر والنهر. نتنياهو هو نبي الدولة الواحدة. النضال على شكل هذه الدولة الواحدة متروك لمّن يجيء بعده. 

هآرتس، 27.12.2018 ترجمة: مين خير الدين
28.12.2018
ترجمتي للمقال لا تعني انني اقبل كل ما ورد فيه من أفكار