الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الوقت من وطن وحرية لكن المواسم لا تغير أوقاتها

نشر بتاريخ: 02/02/2019 ( آخر تحديث: 02/02/2019 الساعة: 11:12 )

الكاتب: عوني المشني

مثيرة الى حد الدهشة الحالة الفلسطينية، سنوات طويلة من الاحتلال بما حملت من قتل ودمار وتشريد، عشرات الالاف من الشهداء والجرحى والاسرى، هزائم في حروب ومعارك، كل هذا لم يجعل الشعب الفلسطيني ييأس او يحبط، ارتباطه بوطنه يتعزز مع إطلالة كل فجر، استعداده للعطاء والتضحية يزداد مع كل مواجهة، وكل جيل فلسطيني يأتي اكثر اصرارا من سابقه....
ومع ذلك نجد ان الحالة الفلسطينية الان تعيش حالة يمتزج فيها اليأس والاحباط مع اللامبالاة والقنوط وفقدان الحافز، وبات الفلسطيني وكأنه فقد البوصلة ولا يعلم أين تسير به الظروف، ورغم القناعة ان تلك الحالة هي عرضية ومؤقتة الا ان دراستها مهمة وتستطيع ان تؤسس لفهم الوعي الفلسطيني الجمعي وتأسيس رؤية كفاحية تحررية تتجاوب مع المزاج الفلسطيني العام.
ادرك الفلسطيني ومنذ بداية الصراع انه ليس الطرف الاقوى بحساب ميزان القوى التقليدي وبالتالي خاض معاركه دون اوهام وتفهم ان يهزم عسكريا في الصراع وبعد كل هزيمة كان يلعق جراحه ليواصل من جديد، وادرك اكثر ان حربه التحررية طويلة مريرة وبالتالي تحمل بقناعة يقينية الجراح والاعتقال والتشريد والمعاناة وادرك راضيا ان تلك ضريبة لا بد منها، ولم تفت عضضه الصعاب ولا الخسائر، وواصل كفاحه بتصميم وعناد، هذا ليس كلام إنشائي، الشواهد على ذلك اوضح من ان يشار لها واختبار الشعب الفلسطيني للامتحان عشرات المرات وفِي كل مرة يتفوق شعبنا على ذاته ويسجل بطولة جماعية تستحق التقدير والتقديس.
ما الذي حصل ؟؟؟ ما التغير الذي جعل الفلسطيني محبطا يدير ظهره لكل ما يجري وكأنه امر لا يعنيه؟؟؟؟ عندما فقدت القوى السياسية الفلسطينية مصداقيتها كنموذج وطني ملتزم بدأت عناصر الاحباط تسلل الى نفسية الشعب الفلسطيني، وكان هذا امرا يمكن تداركه ولكن ان ينخر الفساد كثيرا من المؤسسات وبعض النخب السياسية فتلك الضربة القاضية أطاحت بالحافز الكفاحي لدى الجمهور الفلسطيني وجعلته "يكفر" بقيادته واكثر من ذلك يشعر بالإحباط، والاهم من هذا وذاك ان مخرجات مرحلة اوسلو التي سوقت في بادئ الامر انها ستفضي الى الاستقلال والتحرر والسيادة قد وصلت الى تكريس الاحتلال وزيادة الاستيطان والتهويد، ان سقوط النخب الفلسطينية لم يكن سياسيا فحسب بل كان اخلاقيا ايضا، وعندما يرى الشعب ان نخبه قد سقطت سياسيا واخلاقيا فان اليأس والاحباط يكون ردة فعل طبيعية .
لكن ردة الفعل المتمثّلة بالصدمة والاحباط لن تكون هي النهاية، فشعبنا الفلسطيني سرعان ما يتجاوز مرحلة الصدمة والاحباط ليبدأ تلمس اعادة تشكيل ذاته من جديد ليواصل مسيرته التحررية، صحيح ان الطريق لذلك تحتاج بعض الوقت، وربما ان ظهور حماس ومراهنة البعض على كونها تشكل بديلا مختلف قد اخذ بعض الوقت ولكن سرعان ما تبين لشعبنا ان حماس تحمل نفس جينات القوى التي فشلت وأفشلت شعبنا، وبالتالي فهي بشكل او باخر امتداد لما هو قائم وان كان بشكل مختلف جزئيا.
بمصالحة او بدونها، بحكومة جديدة او قديمة، بمنظمة تحرير متشظية او متوحدة، لا يختلف الامر ولا يغير من حقيقة انها نخب سياسية استنفذت دورها قبل ان تحقق اهداف شعبها، وقد تجاوزت مرحلة الإصلاح نهائيا، اصبحت البنى والشخوص والأدوات جميعها مستنفدة، والفشل سياسي وأخلاقي، منظومة القيم التي تحكم النخب فاسدة، وعندما يصل العطب الى منظومة القيم التي يتشكل على اساسها الإطار السياسي فان الإصلاح يكون وهما غير قابل للتحقيق.
ربما سيكون المخاض مؤلما وصعبا ولكن حتما سيولد الجديد المختلف والمعبر عن اصالة هذا الشعب واستعاده الكفاحي وصلابته الاستراتيجية، هناك صعاب كثيرة، ربما ان التحالف غير المعلن ولكنه واضح بين القديم المتهالك او بعضه والاحتلال سيكون العقبة الاهم، لكن تلك العقبة يمكن تجاوزها عبر استغلال حالة التشتت الفلسطينية التي تعطي المحال لتشكل غير خاضع لدكتاتورية الجغرافيا، ربما ان هناك من لم يقطع فكريا مع القديم او ان البعض يريد للجديد ان يحمل بشكل او باخر نفس جينات القديم ولكن ذلك الفهم يتهاوى بشكل سريع في ظل معطيات الواقع الواضحة والتي مؤداها ان القديم بكل ما يحمل من مواصفات لم يعد قابلا للحياة او التجديد.
ما هي مواصفات الجديد القادر على اخراج شعبنا من هذا الوضع ؟؟!!!
هذا هو السؤال، هذا هو موضوع النقاش، وهذا هو التحدي، شعبنا يتلمس ذلك وان كان بهدوء وعبر مقالات هنا او اجتماعات هناك، وهناك مجاميع مختلفة تجتهد في ذلك، ليس بعيدا ان تتجمع تلك الجداول لتصنع نهرا، صحيح ان الوقت مهم، فالوقت من وطن ومن حرية، الوقت من دم وعذابات، ولكن للأشياء مواسمها، ولا تغير المواسم أوقاتها.