الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس ومأزق الانتخابات..؟

نشر بتاريخ: 10/03/2019 ( آخر تحديث: 10/03/2019 الساعة: 12:46 )

الكاتب: د. هاني العقاد

بعد ان قضت المحكمة الدستورية اعلى هيئة قضائية فلسطينية بحل التشريعي الفلسطيني، بات المشهد الفلسطيني امام استحقاق انتخابات عامة تمكن المواطن من استعادة ارادته الوطنية واختيار ممثليه في التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، حتى لو لم تجر الانتخابات معا. لان التوجه اليوم يأتي لانتخاب برلمان وطني فلسطيني يقود مرحلة الدولة فلا يعقل ان تبقى البلد بلا مجلس برلمان ويبقى الفلسطينيون يتفاوضون حول كيفية التوافق على اجراء هذه الانتخابات. 
ان قضية التوافق على الانتخابات امر في غاية التعقيد لكنه في غاية الاهمية واول هذا التوافق يجب ان يكون على قبول وجود حكومة وطنية تهيئ للانتخابات وتشرف عليها وتنظمها وتحميها من العبث وتوفر لها الدعم المطلوب، والتوافق على حكومة امر في غاية التعقيد لان حماس لا توافق على حكومة فتح ولا توافق على حكومة فصائل، واذا وافقت على حكومة وحدة وطنية لن توافق حماس على برنامج الحكومة الذي هو برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي نحن امام متاهة متعددة المسارات اجتيازها يحتاج خارطة وهو تنفيذ اتفاق 2017 بكافة بنوده دون تلكىء ومماطلة لنخرج من الطريق المسدود الذي وصل اليه جميع الاطراف في المشهد الفلسطيني.
بعد وصول حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية الى غزة واجراء مشاورات مع حماس والفصائل لتنفيذ الانتخابات وترحيب حماس بذلك، بات مهما ان يطرح السؤال الذي يجول في راس كل فلسطيني وحتى على المستوى النخبوي: هل بالفعل ستشارك حماس في الانتخابات التشريعية القادمة ام ان ترحيبها ترحيب تكتيكي ليس اكثر؟ الاجابة المنطقية لهذا السؤال تقول نعم ستشارك حماس في هذه الانتخابات لانها شاركت في الدورة الثانية للاتنخابات وفازت بالاغلبية، وهذا ما يجب ان نتوقعه من خلال دخول الحركة مربع السياسة اكثر منها مربعات اخري بعد الاعلان عن وثيقتها التاريخية وقبولها بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 وبالتالي تقبل بتسوية مع اسرائيل على هذا الاساس، وهنا يأتي سؤال اخر: كيف لحماس ان تشارك في الانتخابات دون ان تسمح لحكومة وطنية بالاشراف على الانتخابات في غزة ..؟ وخاصة ان الرئيس ابو مازن لن يقبل ان تجري الانتخابات في غزة دون وجود حكومة فلسطينية شرعية تهئي وتحمي العملية الانتخابية.
لا تستطيع حماس رفض المشاركة في الانتخابات القادمة لانها قد تتهم بتكريس الانفصال السياسي والجغرافي واخذ غزة الى مربع صفقة القرن والتماهي مع المشاريع الامريكية ولا تستطيع حماس رفض المشاركة في اي انتخابات قادمة لانها تريد رد الاعتبار لذاتها التي تأثرت بفعل قرار الدستورية، لكن موافقة حماس تصطدم باستحقاقات مهمة وهو الموافقة على تعديلات قانون الانتخابات وخاصة المادة 45 فقرة (6) التي تقول ان من سيترشح للبرلمان الفلسطيني عليه الاعتراف ان منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والاعتراف بوثيقة اعلان الاستقلال واحكام القانون الاساسي الفلسطيني وهذا يتطلب مزيدا من الدراسة لحماس لان هذه الماده تعني التزام حماس بكل ما تلتزم به منظمة التحرير الفلسطينية ولا تستطيع البقاء في مربع خارج مربع المنظمة وبالتالي خوض الانتخابات.
حماس باتت امام احتمالين المناورة لابعد الحدود او الاعلان رسميا قبول الانتخابات وقبول قدوم اي حكومة فلسطينية تنظم هذه الانتخابات وتشرف عليها في غزة بالتساوي مع الضفة والقدس... الواضح ان حماس لا تستطيع الاستمرار في حكم غزة بعيدا عن السلطة ولا تستطيع تجاهل الانتخابات القادمة وعدم المشاركة فيها وهذا مأزق كبير.... خاصة انها تعرف ان مناوراتها ضمن افق ضيق لان صبر محمود عباس نفذ ومل من المماطلة ولن ينتظر اكثر من ذلك وسينفذ الانتخابات بالطريقة التي تقرها لجنة الانتخابات وتوافق عليها الحكومة الفلسطينية سواء قبلت حماس بالمشاركة ام لم تقبل. 
حماس باتت اليوم في موقف لا تحسد عليه في مأزق حقيقي وتعرف ان لا مفر امامها سوى المشاركة في الانتخابات القادمة والا اتهمت بانشاء نظام سياسي بديل تسعى من خلاله لانشاء دولة فلسطينية في غزة وهذا اخطر ما يمكن ان تتهم به.. لذلك فان حماس الان امام خيارين لا ثالث لها اما القبول بخوض الانتخابات على اساس تغييرات قانون الانتخابات الفلسطيني وتعترف بالمنظمة وتلتزم بالتزاماتها وتقبل بتسليم غزة لحكومة الرئيس ابو مازن لتجهز للانتخابات واما ان تصطدم بالحائط وتؤسس لنظام سياسي ثاني في فلسطين وهذا مستحيل دون دعم وتأييد اقليمي ودولي. 
ليس وحده باب المناورة يضغط على حماس بل ايضا الوقت الذي ان طال ليس في صالحها وعليها ان تحدد خياراتها فاما ان تأخذ غزة الى مشروع منفصل تريده اسرائيل وهذا اخطر على حماس من قبول المشاركة في الانتخابات، لذلك فهي الان اقرب الى قبول الانتخابات القادمة حسب المرسوم الرئاسي لان لا مفر امامها سوى هذا المسار فهو آمن واقل تكلفة وان قبلت فلا اعتقد انها ستقبل حكومة تحضر الى غزة لا تكون مشاركة فيها وان قبلت لن تسمح للحكومة بالعمل وستعيق عملها وستعمل على افشال الانتخابات بقرار من اللجنة المركزية... اما اذا وافقت على كل هذا فانها لن تخوض الانتخابات منفردة بل في اطار حلف يضم فصائل منظمة التحرير بالاضافة الى تيار دحلان الذي يعتبر هذه الانتخابات شهادة حياة او موت له لكن حماس عليها ان تدرك انها تهرب من عباس لتقع في شرك دحلان، لهذا فان حماس في مأزق بسبب الانتخابات وخروجها منتصرة امر مستحيل دون ان تدفع ثمن اما للاقليم ودحلان والاسرائيليين او لابو مازن في المقابل وهذا اكثر صعوبة بعد حملاتها الاخيرة وحرقها لكل السفن التي تعيدها للشرعية.

[email protected]