الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مستجدات الصراع والمعادلة الصفرية

نشر بتاريخ: 20/08/2019 ( آخر تحديث: 20/08/2019 الساعة: 10:58 )

الكاتب: عوني المشني

بعض الكلام همس ، بعضه بالايماء ، وبعضه صمتا من نوع " السكوت علامة الرضا "، ولكنه وان اختلف بدرجة ارتفاعه او حدته فانه يتفق على ان برنامج حل دولتين لشعبين قد فشل ، فئة بسيطة ما زالت تكابر وترى ان هناك امكانية لإنقاذ هذا الحل ، وفئة اقل منها اترتبطت مصلحيًّا وذاتيا بهذا الحل ، وكلاهما فان صوتهما غير مسموع بفعل الجرافات التي تهدم البيوت الفلسطينية او ضحيج بناء المستوطنات في كل صوب وحد من الاراضي المفترض ان تكون مكانا للدولة الفلسطينية العتيدة . اما لماذا فشل هذا الحل فتلك حكاية اخرى ، البداية كانت خاطئة ، والفكرة فيها من العوار ما يكفي لتسقط في هاوية الفشل ، واستراتيجيات العمل للوصول للدولة كانت مغامرة غير محسوبة. البداية كانت حكم اداري ذاتي محدود كمقدمة للوصول الى دولة غير متفق على اي من مبادئ تشكليها بل ترك ذلك لمفاوضات لاحقة ، وفِي ابجديات علم التفاوض فان الحد الأدنى المتفق عليه لن يرتقى الى الحد الاعلى المطلوب خاصة في ظل الخلل الكبير في موازين القوى ، وبعلم التفاوض ايضا لا يمكن ان تبدأ المفاوضات بالحد الأدنى وترتقي الى الحد الاعلى ، فالمنطق والعلم يقولان ان البداية تكون دوما من الحد الاعلى ويتنازل الطرفان ليصلا الى تسوية عن الحد الأدنى لكلا الطرفين . اما الفكرة لم تاخذ في الاعتبار جذر المشكلة وهم اللاجئون الفلسطينيون ، بل استخدمت " حق العودة " كورقة مفاوضات ضاغطة لتحقيق الدولة ، وحل سياسي يتجاهل مصالح اكثر من نصف الشعب الفلسطيني لا يمكن له ان يكون حلا مستقرا بل هو اشبه بقنبلة موقوته ستنفجر حتما بتغيير موازين القوى . استراتيجيات العمل الفلسطينية للوصول لهذا الحل اعتمدت في العقد الاخير على تقديم " حسن النوايا " لامريكيا لإقناعها بجدوى واهمية الدولة الفلسطينية في خدمة المصالح الامريكية ، والنتيجة انه بانتخاب ترامب ازدادت امريكيا قناعة بان الدولة الفلسطينية تتعارض مع مصالح امريكيا ، وتحولت النوايا الحسنة التي قدمناها الى تنازلات مجانية أعطت نتائج عكسية .
واذا كان الفلسطينيين ما زالوا مترددين في الاعتراف بفشل حل الدولتين فان الاسرائيليين يجهروا بأعلى الصوت بانتهاء هذا الحل واكثر من هذا يعملون بكل ما لديهم من إمكانيات لإجهاض اي امكانية مستقبلية لهذا الحل ، ووصلت الامور على الارض لوضع يتعذر قيام اي دولة فلسطينية حقيقية وذات مغزى .
بالنتيجة خسر الفلسطينيين دولتهم الموعودة الى حين ، وخسر الاسرائيليين أمنهم المأمول والى حين ، ويستمر الصراع ليعود مجددا الى المربع الاول ، يعود ولكن في ظل معطيات مختلفة ، الاختلاف هنا عميق ومتعدد الجوانب ، صحيح ان اسرائيل استكملت احتلال فلسطين التاريخية وهذا اختلاف جوهري ولكن الاختلاف الجوهري المقابل ان الشعب الفلسطيني تجاوز مرحلة الإذابة والتآكل ، الشعب الفلسطيني حاضرا بقوة ككينونة وطنية وبشكل مكثف وتجاوز مرحلة الشطب ككينونة ، هذا يجعل الصراع متعادلا في القوى ، اسرائيل دولة قوية لا يمكن إبادتها والفلسطينيين شعب عميق الجذور لا يمكن إبادته ، واستمرار الصراع لن يخرج عن دائرة استنزاف الالم للشعبين لا اكثر ، وهذا يعني سقوط فكرة النصر الحاسم والنهائي لكلا الشعبين . اختلاف اخر وهو انه ورغم اقتراب كثير من الأنظمة العربية من تقبل اسرائيل وربما التحالف معها فان عزلة اسرائيل الدولية تزداد وتنهار اسطورة الدولة الديمقراطية ، تنهار امام الممارسات الوحشية ضد الشعب الفلسطيني وتنهار امام القوانين العنصرية التي يشرعها برلمان اكثر برلمان يميني في تاريخ اسرائيل . والاختلاف في ظروف الصراع لا تتوقف عند هذا الحد ، فانهيار الجبهة العربية ضد اسرائيل يقابلها تشكل جبهة إقليمية تقودها ايران ومفتوحة من طهران حتى بيروت مرورا ببغداد ودمشق وربما صنعاء ايضا . اختلاف في أدوات الحرب وان كان هذا اختلاف موضوعي عالمي الا ان اسرائيل اكثر الدول تأثرا به فرغم امتلاك اسرائيل ترسانة عسكرية هي الأحدث وربما الاقوى في الشرق الأوسط فان تطور تقنيات الحرب يجعل من كل متر مربع في اسرائيل ساحة معركة ولم تعد هناك جبهة داخلية معزولة عن ساحة المعركة ، وصغر مساحة اسرائيل نسبيا يجعلها مغطاة بمدى الصواريخ والطائرات المسيرة وبالتالي فان ثمن اي حرب سيدفعها الطرفين بغض النظر عن من هو الذي سينتصر ، وبتركيبة اسرائيل وطبيعة جبهتها الداخلية فهي اضعف من تحمل تبعيات حرب مفتوحة وفق هذه الاعتبارات . اننا امام معادلة صفرية ، معادلة تشير الى ان ناتج استمرار الصراع هو صفر لكلا الطرفين ، وان توهمت اسرائيل بانها مع الزمن تستولي على مساحات اكبر من الارض فانها في ذات الوقت تواجه حضورا فلسطينيا اكثر كثافة واكثر ارتباطا بهويته الوطنية ، وايضا تعمق ابعاد الصراع القومية بل وتعطيه ابعادا دينية وانسانية اكثر خطورة .
نحن امام صراع مفتوح على كل الاحتمالات ، ميل المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين العنصري لا يشكل خيارا منطقيا ، ربما ان " عقدة الخوف " التي تضخمت بفعل الماكنة الإعلامية لليمين هي السبب لهذا الجنوح ، ولكن ايا كانت الاسباب فان الجمهور الاسرائيلي سيكتشف اما بفعل صدمة الحرب المقبلة او بفعل الحضور الفلسطيني الطاغي ان التطرّف اليميني لن يؤدي الا الى زيادة تعمق الازمة الاسرائيلية ، وان كان هذا الفهم قد اكتشف من قبل عدد ليس قليل من المثقفين الاسرائيليين فان الجمهور سيلحق بهم تباعا ومع الوقت .
امام هذا الوضع والذي يتصف بالنتيجة الصفرية فان هناك اتجاهين لتغيير هذا الواقع ، كلا الاتجاهين ينطلقا من ذات المنطلق وهو كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الصراع ، وكسر تلك الحلقة يتم بأحد أمرين ، اما بحرب استراتيجية او بسلام استراتيجي ، ان حالة اللاحرب واللاسلم هي المناخ المناسب لاستمرار صراع يستنزف الشعبين دونما نتائج ذات اهمية ، وهي حالة مرهقه وان كانت جيده لاصحاب المفاهيم الأيدلوجية الذين يعتبرون ان الحتميات الدينية او التاريخية ستفرض ذاتها في نهاية الصراع ، ولكن الحتميات هنا ليست حقائق موضوعية الا بقدر انسجامها مع المتغيرات التي يفرضها الواقع الموضوعي ولا تتحقق بانتظار المعجزات !!!
اذن كسر اللاسلم بالسلم او كسر اللاحرب بالحرب ، هو المخرج الوحيد . وهناك منطق اخر اكثر تعقيدا ويروق كثيرا لاصحاب نظرية المؤامرة وهو استخدام الحرب كمدخل لكسر حالة اللاسلم واللاحرب مقدمة لتحقيق السلم وربما كانت حرب اكتوبر عام ١٩٧٣ خير نموذج لهذا الوصع .
وصلنا الى مرحلة ان الدائرة المغلقة لاستمرار هذه الحالة قد وصلت الى مرحلة ان طرفي الصراع لم يعودا يحتملا استمرارها ، ووصلنا الى وضع اصبح فيه استمرارها تهديدا مصيريا لكلا الطرفين ، الطرف الفلسطيني مهدد بضياع قضيته والطرف الاسرائيلي مهدد بحرب مؤلمة الى الحد الذي لا يحتمل هذا الالم ، لذلك بات كسر هذه الدائرة امرا حتميا وبسرعة ، كيف ستكسر ؟؟؟ هذا هو السؤال ، ربما ان الاتجاه الاكثر احتمالية ام الحرب هي المخرج ، لكن كثيرا من التطورات في الشرق الأوسط تأتي بدون مقدمات منطقية واحد هذه التطورات ان يصبح الخوف من الحرب اهم دافع لتحقيق السلام . وهذا ما علمنا اياه المفكر الصيني تسان تزو قبل ألفين وخمس مائة عام عندما قال بما معناه اذا أردت السلام عليك التجهيز للحرب