الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

لاجئو لبنان في غياهب النسيان

نشر بتاريخ: 11/09/2019 ( آخر تحديث: 11/09/2019 الساعة: 17:41 )

بقلم: شادي ابو عرقوب
لا تزال اكذوبة توطين الفلسطينيين في لبنان تستخدم من قبل اقطاب السياسة اللبنانية بين الحين والاخر وخاصة الاحزاب المسيحية ذات الثقل بالشارع اللبناني، ولا سيما حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، فطالما حرصت على الترويج الدائم لمدى خطورة وجودهم والذي يعتبر في نظرهم المسبب الرئيسي لجل ما يعاني منه لبنان من ازمات ومشاكل، وغالبا ما يتم استخدام الملف الفلسطيني للترويج للدعايات والحملات الانتخابية النيابية بالأوساط المسيحية التي نجحوا في اقناعها ان لوجود الفلسطيني خطر حقيقي على ما تحمله لبنان من طابع مسيحي منفتح -نسبيا-، بحكم ان غالبية الفلسطينيين هم من المسلمين السنة مما يشكل تهديدا على التوازن الديموغرافي للدولة، مستغلين احداث الحرب الاهلية التي وُرطت القوى الفلسطينية فيها واضطرت في وقتها للدفاع عن وجودها بعدما نجحت الاحزاب المسيحية المارونية في تحشيد الشارع المسيحي على الفلسطينيين بذريعة التوطين.
ولا يخفى على احد مدى معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ بداية نكبتهم ولجوئهم فلم تسلم المخيمات من وقتها من المضايقات الامنية والاضطهاد الذي مورس من قبل ما يسمى بشعبة المكتب الثاني في خمسينات وستينات القرن المنصرم وما تعرضوا له من تنكيل واضطهاد وعبودية لدرجة انه كان ممنوع عليهم التجمع لأكثر من خمس اشخاص في مكان واحد وممنوع عليهم الخروج من مخيماتهم الا بتصريح من الامن اللبناني، الى ان جاءت قوات الثورة الفلسطينية بعد احداث ايلول الاسود واتخاذها للجنوب اللبناني وباقي المخيمات قاعدة ارتكازية لقتال واستنزاف قوات العدو، فشهدت اوضاعهم نوعا من التحسن والانفراجة بعد انخراطهم بصفوف الثورة ومؤسساتها العسكرية والامنية والخدماتية التي فرضت وجودها في المخيمات بعد سنوات من احكام الامن اللبناني قبضته عليها، فتنفس الفلسطينيون في وقتها الصعداء، الا ان الفرحة لم تدم طويلا فبعد خروج القوات الفلسطينية من بيروت بعد اطول حرب عربية اسرائيلية دامت لأكثر من ثمانين يوما عاد مسلسل القتل والتجويع والابادة، فلم يمضي ايام على خروج القوات الفلسطينية من بيروت حتى قامت عناصر من القوات اللبنانية وجيش لبنان الجنوبي بارتكاب مجزرة في مخيميّ صبرا وشاتيلا بإشراف اسرائيلي، ولم يمضي بعدها عام حتى قامت القوات السورية وبعض الاحزاب اللبنانية والفلسطينية الحليفة لها بحصار من تبقى من القوات الفلسطينية (العرفاتية) كما سموها في طرابلس، وما تبعها بسنوات قليلة من قيام حركة امل وبعض الاحزاب الفلسطينية المنشقة بإيعاز سوري بحصار مخيمات بيروت والجنوب، فلم تبخل علينا امل من لهيب القذائف وازيز الرصاص الذي حول شاتيلا وبرج البراجنة الى اثر بعد عين، والذريعة جاهزة (التوطين).
وما ان انتهت الحرب الاهلية وفُرضت الوصاية السورية على لبنان حتى أُعيد احكام القبضة عليهم وحل الاغتيال النفسي والمعنوي محل الجسدي، اذ سارعت الكتل النيابية بتشريع القوانين والانظمة العنصرية والمجحفة والتي من شانها زيادة تضييق الخناق على اعناقهم والباعث الاساسي منها اجبارهم على الهجرة من مخيماتهم الى الغرب، اذ حُرم الفلسطيني من العمل بأكثر من سبعين مهنة وفُرضت عليه قيود الحركة، فلم تخلو مداخل المخيمات من حواجز الجيش اللبناني الذي يمنع الدخول او الخروج منها الا بتصريح، فحرموا من ابسط الحقوق بهدف (تطفيشهم) واجبارهم على ايجاد دولة ثانية تضمن لهم على الاقل حرية العمل والتنقل، واضطرت بالفعل اعداد كبيرة منهم للهجرة وايجاد دول اخرى يقيمون بها حتى صار يطلق على احد المخيمات الفلسطينية في البقاع اللبناني اسم (مخيم الدنمارك) لكثرة الاعداد المهاجرة منه الى الدنمارك التي كان برد ثلوجها وصقيع جليدها اكثر دفئاً عليهم من لبنان وشواطئها المشمسة، ومازال ما تبقى منهم في لبنان يعانون الامرين ويعيشون في ظروف لا يتحملها بشر، وتكللت هذه المآسي بالقرارات الاخيرة لوزير العمل اللبناني التي تهدف الى زيادة الخناق والطوق عليهم بدواعي مكافحة العمالة الاجنبية لزيادة فرص العمل للعامل اللبناني.
ولربما نسي معاليه خصوصية الوضع الفلسطيني عن باقي الجاليات الاجنبية المتواجدة في لبنان من سورية ومصرية واثيوبية وفلبينية وغيرها من الجاليات التي لا يفصلها عن بلدانها الا سويعات من السفر، وان الفلسطيني الذي هُجر ونُكل به لا يستطيع العودة الى وطنه المسلوب ومجبر على البقاء في خارجه الى ان يحدث الله بعد ذلك امراً، ولا نعلم ما اذا كان وقت اصدار هذه القرارات قد جاء بالمصادفة مع ما يحاك من قبل الجانب الامريكي بما يعرف بصفقة القرن التي اسقطت حق العودة وقرار ١٩٤ من حساباتها، ولا نرى لهذه القرارات من غاية الا اجبار من تبقى من الفلسطينيين على ترك مخيماتهم التي ترمز الى استمرارية قضيتهم وعدم مماتها، وايجاد منفى اخر يضمن لهم الحد الادنى من قوت اطفالهم، وكل هذا في اطار تماشي الكثير من الدول العربية مع الادارة الامريكية ومبعوثها الى الشرق الاوسط جاريد كوشنير الذي يسعى لحشد تيار عربي موافق ولو ضمنيا على الصفقة، في سبيل زيادة الضغط على القيادة الفلسطينية الرافضة لها بشكل قطعي ومحاولة لعزلها عن محيطها وايجاد قيادة بديلة تقبل بما لم يُقبل به، ومن جانب اخر لا ننكر ما قدمه لبنان للقضية الفلسطينية وما تحمّله شرفاؤه من اجلنا، اذ لا ننسى الكفاح المشترك الذي خاضته الحركة الوطنية اللبنانية الى جانب القوات الفلسطينية من اجل فلسطين ولا ننسى كمال جنبلاط وجورج عبد الله وسهى بشارة والياس عطا الله وجورج حاوي وغيرهم ممن اعتبروا قضية فلسطين قضيتهم الاولى، لكنا لن ننسى ايضا ما حدث في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا والبداوي ونهر البارد وبرج البراجنة والرشيدية لكن ربما نسامح.... .