الأحد: 19/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

"الشائعات في عصر وسائل التواصل الاجتماعي" فلسفة إثبات العكس

نشر بتاريخ: 29/09/2019 ( آخر تحديث: 29/09/2019 الساعة: 16:12 )

الكاتب: زكي زبدة

قديماً، كــــان يجرى التواصل الاجتماعي في فضاءات الانترنت بشكل مقنن، ضمن نطاق اعلى من حيث التكلفة، واقل من حيث الجودة، وفي فلـــك ضيـــق من حيث المساحة المتاحة، وسرعة تبادل المعلومــــــات، وحجم الاستخدام، ودرجــة التأثير، بالمقارنة مما عليه اليوم.
وصل عدد الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، ما يقارب الـــ (4.4 مليار شخص) بينهم 3.2 مليار شخص، يدخلون إلى وسائل التواصل الاجتماعي عبر الهواتف المحمولة. يتبادل مستخدمي موقع الفيس بوك لوحده ما يقارب عشرة مليار رسالة يومياً.
كما تستعرض تقارير متخصصة بـــرصد نشاط الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، بيانات ملفتة، في الدقيقة الواحدة يتم اجراء 38 مليون رسالة واتساب، 174 ألف تصفح على إنستغرام، 973 ألف تسجيل دخول في فيسبوك، 481 ألف تغريدة، والعديد من الاحصاءات والتي تؤكد بآن وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت بــــــحدوث نقلة نوعية في سرعة تبادل المعلومات، وبفضاءات واسعة ومفتوحة لجميع سكان الارض، وكنتيجة طبيعية قد ساهمت في حدوث تغيير جذري في اشكال وانماط العلاقات الانسانية، وأعادت تشكيلها بأبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية الى حد كبير.
ومما لا شك فيه، بأن هذا التغيير الجذري في اشكال وانماط العلاقات الانسانية الناجمة عن ظهور وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، كان لها العديد من التأثيرات الايجابية في شتى المجالات الحياتية، حيث تعتبر اسرع وسيلة لتداول الأخبار والمعلومات، كما وتعزز انتشار الإعلام الرقمي، وتشكل فضاء كبير للنقاش الحر حول مختلف القضايا، وتساعد في عمليات التجارة الالكتروني، .. إلخ، وفي النقيض من ذلك ساهمت هذه التغيرات الجذرية في صناعة العديد من التأثيرات السلبية، احدى مصادرها الرئيسية سلسلة الاستخدامات الخاطئة، بسبب غياب الوعي المعلوماتي، حيث استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الأفكار الهدامة والتحايل والتزوير وانتهاك الخصوصية وانتهاك الحقوق الخاصة والعامة وكما ساهمت في نشر الشائعات والأكاذيب.
تعتبر الشائعات احدى اهم المدلولات السلبية لــمواقع التواصل الاجتماعي، حيث شكلت الاخيرة بيئةً خصبة لنشر وترويج الشائعات والأخبار المضللة بهدف تحقيق مكاسب اجتماعية او قد تمتد لتصل الى تحقيق مارب سياسية او اهداف ذات تأثيرات مالية واقتصادية وذلك حسب ما اشارت اليه العديد من التقارير المتخصصة.

أخبار غير صحيحة، واحداث غير حقيقية، وحالات كاذبة، تحظى بانتباه غالبية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تراود مسامعنا وتراها اعيينا، عبر شاشات الهواتف المحمولة او اجهزة الحاسوب على شكل صور او نصوص او فيديوهات تعرض بطريقة لا تعبر عن حقيقة السياق التي جاءت فيه، للوهلة الاولى نصدقها، ولكن سرعان ما تنضم الى طابور طويل من الشائعات، والتي برمجة بطريقة لا تعبر عن مضمون حقيقتهـــا، وما عزز انتشارها، إن وسائل التواصل الاجتماعي غير خاضعة للرقابة والتدقيق كمثـــل وسائل الاعلام التقليدية، والتي تحكمها قوانين وانظمة وسياسات تنظم عملها وتراقب اداءها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، من هي الجهة المسؤولة للرقابة والتدقيق على وسائل التواصل الاجتماعي على الـمستوى الدولي او المحلي، وهل سياسات الاستخدام المتبعة من قبل وسائل التواصل الاجتماعي كفيلة لتجنِب الاثار السلبية الناجمة عنها، ام يجب ان يكون هناك جهات لــتنقيب مدى صحة الاخبار على مستوى الحكومات او مؤسسات المجتمع المدني؟
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لنشر معلومات غير حقيقيــة واخبار مفبركة وبشكل بالغ السرعة، ولذلك اضرار على الصعيد النفسي للإفراد والمجتمعات او قد تصـــل الى اضرار على صعيد اقتصاديات الدول والبيئة الاستثمارية فيها، وقد تمتد هذه التأثيرات الى الشؤون السياسية، ومما لا شك فيه بان وسائل التواصل الاجتماعي في العصر الحالي تعتبر ذات طبيعة اقتحاميه أي تقتحم كافة مناحي الحياة، وذلك ما ساهم في بلورة فكرة مضمونها بأن شرطاً اساسياً لكل عمل مهما كان اجتماعي او اقتصادي او سياسي او عمل انساني يجب ان يمارس جزءاً اساسياً مرافق لطبيعة النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ان النشاطات كافة لا تكتمل بدون المرور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اذا لم تكن هي اساساً تستند اليها وتعتبر جزءاً اصيلاً منها.
كما آن سرعة انتشار وتبادل المعلومات الغير صحيحيه في بيئة وسائل التواصل الاجتماعي، اوصلتنا الى حقيقة لا تدع مجال للشك باننا على اعتاب الدخول في اطار مفهوم خطــير في ادبيات الحقيقة، وهو مفهوم " فلسفة اثبات العكس" المفهوم الذي يشير بأن نشر المعلومات وتبادلها في البدايات كالذي يذرف الرماد في العيون وهي عملية أسهل بمئات المرات من عملية اثبات عكس المعلومات في مرحلة لاحقة لانتشارها على نطاق واسع.
يستغرق العلماء والباحثين عشرات ومئات التجارب على مدار سنوات لكي يصلوا الى اثباتات للافتراضات العلمية، لتنشر في مرحلة لاحقة على شكل حقائق، وفي الجهة المقابلة قد يستغرق بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي دقائق واحياناً ساعات لنشر معلومات غير حقيقة او اخبار مزيفة، لتصل الى مئات ملايين المستخدمين ..
نحن بأشد الحاجة الى استراتيجية واضحة للتأكد من مدى صحة المعلومات التي يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالاعتماد على أسلوب استقصائي تحليلي لتشكيل الوعي لدى الافراد والمؤسسات على حد سواء. المعالجة لا تتحمل مسؤوليتها جهة واحدة بل تتطـــلب تعاون وتكامل بين المؤسسات بكافة انواعها داخل حدود الدول وخارجها، حيث ان هناك جانبين اساسياً يجب العمل عليهما احدهما توعوي وقائي والآخر اجرائي قانوني، وايضاً تقع مسؤولية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي ذاتها، من اجل تنظم نشاطاتها، ومراقبة اثارها بما يُسهم في ابتكار اسس كفيلة وواضحة تضمن عدم النشر والتداول للإخبار المزيفة والمعلومات غير الحقيقية والتي تنــــاقض الواقع.
*باحث وكـــــاتب