الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأزمة الإقتصادية الحالية والخروج من عنق الزجاجة

نشر بتاريخ: 03/10/2019 ( آخر تحديث: 03/10/2019 الساعة: 11:36 )

الكاتب: سامر سلامه

لا زالت الأزمة الإقتصادية الحالية تراوح مكانها في ظل إستمرار تعنت دولة الإحتلال وإصرارها على إقتطاع قيمة ما يصرف لعائلات الشهداء والأسرى من مخصصات مالية من موازنة الدولة الفلسطينية. وبالرغم من كافة المحاولات الدولية وعلى رأسها فرنسا راعية إتفاقية باريس الإقتصادية للخروج من عنق الزجاجة إلا أن المبادرة الفرنسية بائت بالفشل. وبالرغم من النجاح الجزئي الذي حققته الحكومة الحالية بقيادة الدكتور محمد إشتية في هذا الملف، عبر التوصل لتفاهمات مع إسرائيل، من خلال إخراج ضريبة البترول المعروفة بضريبة البلو من فاتورة المقاصة والتي تقدر بثلث قيمتها، إلا أن هذا الإختراق لم ولن يخرج البلد والحكومة من أزمتها المالية. فأمام هذا الواقع فإن القيادة والحكومة لم تقف مكتوفة الأيدي بل بدأت بتنفيذ سلسلة من السياسات الإقتصادية التي من شأنها تخفيف حدة إحتجاز أموال المقاصة وحرمان الإقتصاد الفلسطيني من أهم موارده المالية. فبدأت الحكومة بتقنين مصروفاتها، والعمل وفقا لموازنة طواريء تعتمد على صرف ما هو ضروري جدا. كما أن الحكومة بدأت بتنفيذ سياسات إقتصادية واضحة نحو الإنفكاك عن إقتصاد الإحتلال من خلال وقف التحويلات الطبية للمستشفيات الإسرائيلية، ووقف إستيراد البضائع التي يتوفر لها بديل محلي فلسطيني، والإنفتاح على الدول العربية لزيادة التبادل التجاري معها. حيث تم التوصل لإتفاقيات إقتصادية مع الأردن والعراق لإستيراد الكهرباء والبترول ومنتجات أخرى. ويستعد رئيس الوزراء لزيارة جمهورية مصر العربية على رأس وفد وزاري لبحث قضايا التعاون الإقتصادية مع الشقيقة مصر. ولم تقف مبادرات الحكومة عند هذا الحد بل بدأت بتنفيذ ما أطلق عليه بخطة التنمية العنقودية، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتشجيع المستثمرين الفلسطينيين في الخارج للإستثمار في بلدهم، وتعزيز وتطوير المدن الصناعية في أريحا وبيت لحم وجنين، وتقديم تسهيلات خاصة للرياديين الشباب والشركات الناشئة، وغيرها من المبادرات التي يمكن أن نطلق عليها "العلامة التجارية للحكومة الحالية". كل هذه السياسات والخطط والمبادرات يتم العمل عليها نحو الإنفكاك الإقتصادي عن دولة الإحتلال وتعزيز الإقتصاد المحلي بمقومات ذاتية وموارد محلية غير مستغلة بالشكل المطلوب حتى الآن.
وفي المقابل فإن إسرائيل تراقبنا عن كثب وتدرس سلوكنا وعواطفنا وطريقة تفكيرنا وتتابع نشاطنا وتبني تحركها بناء على نتائج تلك الدراسات. ففور الإعلان عن البدء بفك الإرتباط الإقتصادي عن الإحتلال جاء الرد الإسرائيلي بدون مقدمات بإجراء تسهيلات غير مسبوقة للتجار والعمال الفلسطينيين من خلال إصدار تصاريح تجارة أو عمل بشكل لافت. ولم تقتصر السياسة الإسرائيلية عند هذا الحد بل بدأت بتشجيع الفلسطينيين على إصدار البطاقات الممغنطة التي من خلالها سيتم إصدار تصريح غير ورقي للعمال والتجار. كما وسيتمكن من هم فوق سن الخمسين عاما من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 بدون تصريح. كل ذلك بهدف زيادة إرتباط الإنسان الفلسطيني بإقتصاد الإحتلال وبناء مجموعة مصالح يصعب تجاوزها أو إنهائها بقرار سياسي أو تنظيمي. الأمر الذي سيعزز إرتباط الإنسان الفلسطيني بمصالح شخصية مع دولة الإحتلال. فما هي نتيجة هذه السياسة؟ بالتأكيد إن إسرائيل وبحجة منع الفلسطينيين من الإنخراط في أعمال المقاومة عبر تحسين حياتهم قد بدأت في جذبهم إليها وبناء منظومة متكاملة من المصالح الشخصية بين المنتفعين من تلك السياسة من الطرفين.
فالخطورة في هذه السياسة الإسرائيلية وفي ظل إستمرار الأزمة الإقتصادية وخاصة أزمة الرواتب، أننا بدأنا في تلمس إزدياد توجه الشباب الفلسطيني للحصول على تصاريح عمل داخل الخط الأخضر. كما أننا بدأنا نلمس طلب بعض الموظفين الحكوميين إجازات بدون راتب للعمل داخل الخط الأخضر بحجة أن هناك فرصة تاريخية لتحسين أوضاعهم المالية في ظل الأزمة الحالية. والأخطر من ذلك أيضا أن العديد من طلبة التوجيهي والجامعات قد إعتكفوا عن التسجيل في الجامعات أو إنسحبوا من الجامعة بهدف التوجه للعمل داخل الخط الأخضر أو في المستوطنات. فأمام هذا الواقع ما هو المطلوب؟
حتى لا نكرر أخطائنا السابقة وحتى لا نقع في تجارب فاشلة سيكون لها إنعكاساتها السلبية على مجمل الأوضاع الإقتصادية، لا بد من العمل وبشكل سريع وممنهج على تطبيق خطة التنمية العنقودية التي أعن عنها دولة رئيس الوزراء. هذه الخطة تتطلب إنشاء شراكات وشركات بين القطاعين العام والخاص والتوصل إلى إتفاق خاص مع المؤسسات المصرفية لتساهم بشكل كبير في تمويل هذه الشراكات والشركات من منطلق زيادة إستثمار تلك المؤسسات داخل فلسطين بدل من إستثمار أموالها في الخارج. فالأقرباء أولى بالمعروف. ومن ناحية أخرى لا بد من تنظيم العلاقة الإقتصادية مع الداخل المحتل فضمن الظروف الحالية والواقع الذي نعيشه فإن المطلوب تنظيم كل أشكال العلاقات الإقتصادية والعمالية مع دولة الإحتلال فإن الإنفكاك لا يعني المقاطعة الشاملة والكاملة لأن المقاطعة الكاملة غير ممكنة في ظل إستمرار الإحتلال وإستمرار إرتباط العديد من التجار والعمال في علاقات إقتصادية مع تجار ومشغلين إسرائيليين. وهنا لا بد من العمل على الإستفادة من تطبيق بروتوكول باريس الإقتصادي وخاصة البنود التي تخدم مصالحنا الإقتصادية ومن ثم العمل من خلال فرنسا لفتح مفاوضات حول تطوير هذا البروتوكول وتعديله بما يتناسب والمصلحة الفلسطينية. وثانيا لا بد من إيجاد أفضل السبل لتشجيع المنتج المحلي فالمطلوب هنا تغيير في منهجية العمل. فبدل إعلان المقاطعة هذا الموضوع المتعثر حتى الآن علينا العمل على تشجيع المنتج المحلي من خلال تطوير جودة هذا المنتج وتقليل أسعاره للمستهلك الفلسطيني. هذا بالإضافة إلى القيام بحملات خاصة بتشجيع إستهلاك المنتج المحلي في المدارس والأسواق العامة ونحن قادرون على ذلك ويمكن إحداث إختراق نوعي على صعيد زيادة حصة المنتج المحلي في السوق الفلسطيني. فعلى سبيل المثال فإن تشجيع أصحاب المحلات التجارية لتخفيض أسعار المنتجات الفلسطينية فقط وليس الإسرائيلية سيزيد من إستهلاك المنتج الفلسطيني على حساب المنتج الإسرائيلي. إذ لاحظنا في الآونة الأخيرة أن الحملات الترويجية لكبرى مخازن البيع بالتجزئة تعمل على تخفيض أسعار المنتجات الإسرائيلية الأمر الذي يزيد من إستهلاك تلك المنتجات من حيث لا ندري!! فالمطلوب خطة فلسطينية ذات إسناد شعبي لزيادة وتعزيز المنتج المحلي وفرضه كبديل طبيعي لمنتجات الإحتلال. ومن هنا نبدأ مسيرة الألف ميل للخروج من عنق الزجاجة بالإنفكاك التدريجي عن إقتصاد دولة الإحتلال وبناء إقتصاد محلي مقاوم.