الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

وطن واحد وخارِطتَيْن!!!

نشر بتاريخ: 18/02/2020 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:09 )
وطن واحد وخارِطتَيْن!!!
الكاتب: اسراء عيسى عبيدالله
تجدها فكرةً جريئة من الطبيعة أن تُشرق الشمس وتُزقزِق العصافير على النوافذ في صباحٍ بيعَت في ليلته القدس، ورُسِمَت خارطة جديدة لفلسطين لوّنتها أيدي الغدر المُتجعِّدة، أهيَ فسيلة الأمل التي يصرُّ الكون على زراعتها كل صباح؟ في محاولةٍ منه لاستمهال الاستسلام؟ في محاولةٍ منه ليقول لنا لم يَحِن أوان الاستسلام بعد، وما زال لدينا مُتسع للمقاومة..
رسَموا وخطَّطوا واحتفلوا وكأنهم يقولون لنا- بصياغة غسان- "هذا ما تبقى لكم"، فعليًا، إن الشيء المنطقي الوحيد الذي تبقى لنا هو مُخالفة المنطق، وهو ليس بالأمر الهَيِّن، إلا أنه يجعل الحياة على درجةٍ جيِّدة من المقاومة والاستساغة، أن يستيقظ طلابُ المدارس صباح صفقة القرن ليردِّدوا النشيد الوطني، أن تقرأ مقالًا في الجريدة يُقارن بين بنودها وبنود جينيف وغيرها من الاتفاقيات ثم تقف لتسقي أزهار الياسمين على شُرفةِ بيتك، أن ترى فلسطينيي الشتات يحشدون المظاهرات رافضين قرار المواطنة ثم تخرج ذاهبًا لعملك كالمعتاد، تجدها فكرةً نشاز! لكنها فعليًا قرار مقاومة؛ على أساس أن الحياة بحدِّ ذاتها خَيار بقاء..
هل حدث وشَهِدْتَ ولادة خارطة وطنك؟ بالتأكيد لا؛ لأن كل التناقضات تحصل فقط في فلسطين؛ فها نحن نشهد ولادة خارطة وطننا، الولادة التي من الخاصرة، أذكُرُ أنني عاصرتُ مُسنًّا مُخضرمًا يقول: " كُنا نتناول فطورَنا في القدس، ونذهب في زيارة إلى نابلس لنعود ونتناول الغداء في حيفا، ونعرج على بيت لحم لنأكل طعام العشاء في طبريا!" كل هذا في نفس اليوم! وها أنا أُعاصِرُ ولادة خارطة جديدة، أكاد أصلِّي صلاةَ شُكرٍ إذا اجتزتُ عتبةَ الجنوبِ الفلسطيني في حال تنفيذها! هل هو أبارتهيد جديد؟ تلك الخارطة التي حفظناها لدرجة صارت تسيل صورتُها تحت جلودنا وتسرح وتمرح في بُحبوحة قلوبنا وكأنها سيدة المكان، تتخذ الآن على يد الرسام الشهير كوشنر شكلَ هيكلٍ عظميٍّ نَهَشَتهُ ديدانُ الأرض..
أوَكلما صَدَحَت فيروز بـ " احكيلي احكيلي عن بلدي احكيلي...عن أهلي حكاية عن بيتي حكاية ... "ستتوغلُ في أذهاننا صورة ذاك الهيكل العظمي مُقسَّمًا إلى أجزاء تُسمى مُدن؟! أي بما معناه خذوا حِصَّتَكم من هذا الرغيف فهو فرصتكم الأخيرة كي لا تهلكوا جوعًا إلى وطن!
لو نُجرِّب أن نتحسَّس امتدادَ كلِّ هذه السَّخافات في قلوبِنا، أن نضعَ جميع النقاط نصْبَ أعيُنِنا كشيء، ثم نحاول استيعابَها، سنشعر بصعوبةٍ بالغة وكأننا نتكلم تحت الماء، من قضية اللاجئين، إلى فكرة نزع السلاح، إلى موضوع المياه، إلى مُصيبةِ المواطنة، إلى القدس! إلى اللامعقول واللامنطقي واللاعادل.. سوف ينتهي بك الحال أن تُطلق شياطين الذاكرة لتجد أن التاريخ يعيُد نفسَه، وأن " أعطى مَن لا يَملك لِمَن لا يَستحِق" تُعيدُ خَطَّ نفسِها لِتبني تاريخًا جديدًا، إما من العار أو من الكرامة.
ولنا الخَيار.. كُلُّ الخَيار.