الجمعة: 03/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة في نتائج مسح القوى العاملة للعام 2019

نشر بتاريخ: 05/03/2020 ( آخر تحديث: 05/03/2020 الساعة: 18:09 )
قراءة في نتائج مسح القوى العاملة للعام 2019
الكاتب: سامر سلامه
أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة للربع الرابع للعام 2019 مستعرضا عدد من المؤشرات التي تتعلق بالقوى العاملة الفلسطينية. إننا نراقب هذه المؤشرات لما لها من أهمية كبيرة لقياس أداء الإقتصاد الفلسطيني ودراسة إنعكاسات الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية عليه. بالاضافة إلى قياس أثر السياسات الحكومية ونجاعتها على أداء الإقتصاد بشكل عام وإنعكاس تلك السياسات على قدرة الإقتصاد من توليد فرص عمل كافية للقادمين الجدد لسوق العمل. وبالتأكيد فإن تحليل أداء الإقتصاد بحاجة للنظر إلى مجموعة من المؤشرات الإقتصادية الأخرى على المستوى الكلي مثل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وميزان التجارة الخارجية ومعدل التضخم وصافي الاحتياطي الدولي وصافي تدفقات الاستثمار المحلي والدولي ومعدل البطالة وغيرها من المؤشرات، إلا أنني سأركز هنا على مؤشرات سوق العمل إنطلاقا من نتائج المسح الأخير للعام 2019.

فبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن فجوة كبيرة في المشاركة في القوى العاملة بين الذكور والإناث في سوق العمل الفلسطيني إذ حوالي 7 من كل 10 ذكور هم مشاركون في القوى العاملة مقابل حوالي 2 من كل 10 إناث. وقد بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة 19% في قطاع غزة مقابل 17% فقط في الضفة الغربية. وما يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغت في قطاع غزة 43%، مقابل 14% في الضفة الغربية، وفي المجمل فقد وصل معدل البطالة إلى 24%. أما على مستوى الجنس فقد بلغ 21% للذكور مقابل 38% للإناث. وبالمقارنة مع الربع الأول من العام 2018 فإن معدل البطالة في الضفة الغربية قد إنخفض من 18% إلى 14% في الربع الرابع من العام 2019 بينما إستقرت النسبة في غزة عند 43%.

وبحسب المسح أيضا فإن قطاع الخدمات بما يشمل التعليم والصحة يعتبر الأكثر استيعاباً للعاملين في السوق المحلي حيث بلغت نسبة العاملين فيه أكثر من الثلث في الضفة الغربية مقابل أكثر من النصف في قطاع غزة. أما العاملين داخل الخط الأخضر وفي المستعمرات فقد إنخفض بحوالي 6 آلاف عامل مع بقاء إجمالي العاملين في الداخل والمستعمرات مرتفعا نسبيا ليصل إلى 135 ألف عامل وعاملة، يعمل معظمهم أي 65% في قطاع البناء. أما العاملون حسب الحالة العملية فإن 71% من العاملين هم من المستخدمين بأجر مقابل 25% يعملون لحسابهم الخاص وأرباب عمل، و4% يعملون بدون أجر كأعضاء أسرة. وفيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور فقد أشار المسح أن 31% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجرا شهريا أقل من الحد الأدنى للأجر بواقع 9% فقط في الضفة الغربية و80% في قطاع غزة.

فماذا تعني لنا هذه الأرقام والمؤشرات؟

أولا إستمرار إنخفاض نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل لتصل إلى 17% فقط في الضفة الغربية. إن هذه النسبة تعتبر الأدنى في العالم! وهنا نطرح سؤالا جوهريا كيف نحقق التنمية ونصف المجتمع معطلا؟ ويكمن السبب وراء إنخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل، بالرغم من أن النساء هن الأكثر تعليما في فلسطين، لإستمرار الإختلال في المنظومة الفكرية الإجتماعية الفلسطينية التي تشجع تعليم النساء من جهة وتمنع عمل الفتيات المتعلمات من الجهة الأخرى! أضف إلى ذلك الإختلال في تخصصات / مهارات الإناث وإحتياجات سوق العمل. وثانيا إنخفاض نسبة البطاله في الضفة الغربية إلى 14% ( في الوقت الذي وصلت إلى 19.2% في العام 2014 و18% في الربع الأول من العام 2018) يعتبر مؤشرا جيدا في ظل إستمرار الأوضاع السياسية على ما هي عليه. وهذا المؤشر إن دل على شيء فإنه يدل على نجاعة السياسات الحكومية التي إتخذتها الحكومة الحالية خلال السنة الماضية بالرغم من الأزمة المالية التي مررنا بها. وثالثا فإن الإستثمار في قطاع الخدمات لا يزال الأعلى في فلسطين على حساب القطاعات الأخرى مثل الصناعة والزراعة. وهذا ما يفسره إرتفاع نسبة التشغيل في قطاع الخدمات ليصل إلى الثلث، في الوقت التي تعتبر الصناعة والزراعة هي الأكثر توليدا لفرص العمل. وهذا يتطلب مزيدا من العمل على تشجيع الإستثمار في قطاعي الصناعة والزراعة نحو مزيد من تقليل نسب البطالة وخاصة في أوساط الشباب. وإن التطبيق الجيد للتنمية العنقودية سيكون لها إنعكاساتها الإيجابية على قطاعي الصناعة والزراعة. ورابعا الإنخفاض الملحوظ في عدد العاملين داخل الخط الأخضر والمستعمرات والذي يتزامن وإنخفاض البطالة لهو مؤشر آخر على قدرة الإقتصاد المحلي على إستيعاب أعداد إضافية من العاملين المهنيين المهرة وخاصة في قطاع البناء. إن هذا المؤشر سيشجع الحكومة على السير قدما في سياسة فك الإرتباط التدريجي عن إقتصاد الإحتلال. وخامسا فبالرغم من أن الإقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل كبير على المنشآت الصغيرة (والعائلية) إلا أن الإتجاه العام للعمل لا يزال يعتمد على العمل بأجر على حساب العمل الذاتي وهذا يستدعي مزيدا من العمل لتشجيع ودعم الرياديين الشباب وخاصة النساء للبدء في مشاريعهم الإنتاجية الجديدة. وسادسا فإن نسبة عدم الإلتزام بالحد الأدنى للأجور قد إنخفض بشكل كبير في الضفة الغربية ليصل إلى 9% فقط وهذا مؤشر آخر على نجاعة الإجراءات الحكومية بهذا الخصوص والناتج عن زيادة فاعلية منظومة التفتيش في وزارة العمل التي تعمل ليلا نهارا لتصويب أوضاع العديد من المؤسسات نحو الإلتزام الكامل بقانون الحد الأدنى للأجور. وأخيرا وليس آخرا فإن إستمرار المؤشرات السلبية لقطاع غزه لهو تأكيد على ضرورة العمل بشكل جدي لإعادة القطاع لحضن الوطن وتمكين الحكومة من الإضطلاع بدورها في القطاع نحو تمكين القطاع من النهوض بعد 13 عاما من الحصار والإنقسام.

وفي الختام إنني أعتقد أن الإقتصاد الفلسطيني في ظل السياسات الحكومية التي تشجع الإستثمار وتدعم القطاع الخاص قادرا على الإنبعاث بقوة نحو مزيد من النمو وبالتالي توليد فرص عمل أكبر للقادمين الجدد لسوق العمل. وعلينا أن لا ننسى أن أي إنبعاث جديد وقوي للإقتصاد الفلسطيني بحاجة إلى مزيد من التحرر من تبعاته لإقتصاد الإحتلال وهذا ما تعمل عليه الحكومة الحالية بتكليف من القيادة تنفيذا لقرار المجلس المركزي الفلسطيني الأخير. وما علينا سوى الإستمرار في تحدي الإحتلال نحو بناء إقتصاد قوي ومنتج.