الخميس: 09/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة للتعليقات على منصات التواصل الاجتماعي تجاه وباء "الكورونا"

نشر بتاريخ: 08/03/2020 ( آخر تحديث: 08/03/2020 الساعة: 19:28 )
قراءة للتعليقات على منصات التواصل الاجتماعي تجاه وباء "الكورونا"
الكاتب: رائد عميرة
مع بدء اتشار فايروس كورونا في عدد من الدول العربية، انطلقت منصات التواصل الاجتماعي بالاخبار ونشر المعلومات بطابع السخرية والنكات المضحكة، واحيانا اخرى قلق واهتمام وتسابق في نشر معلومات حول الفايروس، وطرق مكافحته والوقاية منه أملا في التقليل من المخاطر والتخفيف من حدة التوتر وما يحمي القلب ويرمم النفس.

في فلسطين كثيرون من اعتبروا ان هذا الامر طبيعي ويمكن تجاوزه (لا اعلم القاعدة التي انطلق منها هؤلاء)، والبعض الاخر وصف بلادنا انها مقدسة ولذا لن ينتشر فيها المرض، رابطا الموضوع بقدسية المكان والارض، وهناك من ذهب الى تعميم نشرات التوعية واخرى ابتكار لعلاجات كثيرة لمقاومة المرض. وكما قال احد الخطباء " بيجي حاج وبيقول "حصين ثوم حط عليهم ملح وعصرة حامض وشوية زيت وخذهم ثلاث مرات" ، واقنعه للحاج ان هاي خلطة للفول مش للكورونا ) من باب الانتقاد باهمية وضرورة وخطورة المرض وسبل الوقاية منه.

ان هذا الطابع المعتاد وان لم يكن يومي في السياسة والاقتصاد والحياة اليومية للمواطن العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص وكباقي المجتمعات، هي حاله عامة تسود العالم، وتأتي في اطار إما انتقاد وضعية ما في المجتمع او الجماعة او الافراد من نواقص، او للرغبة في الترفيه عن النفس (او فشه الغل) بأسلوب مضحك ودرامي ومسل احيانا، لكنه يشير الى حالة او حدث ما وتعبير عما يجول بالخاطر او الذهن او نتيجة الى انتقاد او الم او ( غصه ما).

لفت انتباهي في احدى المقالات (ان السخرية من كل شيء نوع من العدمية التي تدعي الوعي وهي في حقيقتها مجرد وعي زائف لا أثر له فيكون الانسان يضر بنفسه بحيث يدري او لا يدري ويهدد مصيره بأكمله) .

من الطبيعي ان انتشار فيروس كورونا في بيت لحم خاصة يثير مشاعر الخوف من تداعيات هذا المرض، و قد يشعر البعض بالإحباط كنوع من التعبير عن عدم الثقة في المؤسسات الصحية العاملة سواء الرسمية او غيرها برغم كل الاحتياطات والتدابير. وبالمجمل بسبب المعرفة بضعف البنية التحتية، فالسخرية هنا جاءت باعتبارها التعبير عما يجول في النفس أو في الخاطر وطرق تفاعل المجتمع مع هذا الموضوع وبطرق ومجالات عديدة تختلف من مجتمع إلى آخر.

في المجتمع الفلسطيني تذهب الناس باتجاه الضحك والمزاح و الهمز واللمز والانتقاد احيانا بطريقة عدم الاحترام و التقدير لإجراءات التعامل مع هذا المرض بالتحديد ، وهنا نجد اختلافا في طبيعة السخرية بغض النظر عن نكهتها ان كانت نكهة الخوف او الغضب أو عدم الرغبة. لذلك لا بد أن نذكر بواجب أن يتم التعامل مع هذا الموضوع بحيث لا يتجاوز احدا الحدود ، فكثيرا ما تذهب اشكال وانواع السخرية او طرق التعامل بها لتعزيز الخوف والهلع بدلا من معالجتهما بغض النظر عن اسلوب ونوعية السخرية سواء بالهمز أو اللمز أو الضحك أو الغناء .

فقد تذهب مسالك السخرية والنقد غير المسئول الى ما يثير الخوف والرعب في المجتمع، ولذلك اعتقد بضرورة وأهمية تصحيح المنحى الثقافي والاخلاقي في المجتمع بحيث تكون الملاحظات مكرسة للتصويب والمساندة والدعم وتعزيز التماسك المعهود في مجتمعنا والاستعداد الدائم لتنفيذ استراتيجيات المواجهة تجاه "الكورونا" باعتبارها وباء لا يختلف عن وباء الاحتلال حتى لا نتحول الى مجتمع يعاني من سيكولوجية المقهور نتيجة هذا الوباء ولكي تتوطد الهوية المجتمعية والانتماء الفلسطيني الاصيل.

وانطلاقا من هذه المسؤولية المجتمعية والفردية وادركا لأهمية الموقف وتزامنا مع القرارات الاخيرة التي صدرت عن الحكومة ووزارة الصحة حيث أقدمتا على اتخاذ مجموعة من القرارات في ظل الاوضاع والامكانيات المتاحة، هي بحد ذاتها اجراءات احترازية ووقائية مهمة جدا ولا يجب الاستهانة بها او السخرية منها مهما كانت لاعتبارات ذات علاقة بأهمية الموقف والحدث الذي يتطلب من المجتمع العمل وفق الموروث الثقافي والاخلاقي المطلوب والمعهود في شعبنا في المبادرة والتطوع و المساندة .

ونتيجة للتحولات التي طرأت في اليوم الثالث من الاعلان عن وجود حالات مصابة بفايروس "كورونا" والزيادة في اعداد المرضى، انتقلت منصات التواصل الاجتماعي الى الحالة الاكثر وعيا على الاقل عند الكثيرين الى نكهة مختلفة نكهة الحب والانتماء لبيت لحم وللمصابين ولأسرهم، وهي التعبير عن ما يجول في النفس والحب بتقديم ما يلزم والتطوع بغض النظر عن التخصصية لكل من تقدم ، وهي حالة من التحول الى منحنى معهود في المجتمع جربناه في كل الازمات اذ يتسابق الجميع نحو التطوع والتبرع والوقوف بجانب المصابين واسرهم والى جانب الكوادر الطبية والعسكرية العاملة في المدينة.

لقد لاحظت تحول نكهات التعليقات والتعقيبات من الاستعراض الساخر والنقدي غير البناء الى ملاحظات مسئولة غير مغلفة بالمجاملات والشعارات بل مكرسة من اجل تقديم ما هو افضل لدى كل شخص ومؤسسة على اعتبار انها قضية وطنية بامتياز.

هذا الانتقال من حالة المزاح والتنظير الى الواقعية من ابناء المجتمع في محافظة بيت لحم ومن قبل محافظات الوطن الاخرى كالخليل ورام الله تجاه بيت لحم لا بل من قبل كل مدن وقرى ومخيمات فلسطين، فلجميع ينظر على ان ما أصاب مدينة بيت لحم هو مصابها، عادت الحالة الوطنية والانسانية لدى شعبنا لصورتها المعهودة في مواجهة اي وباء احتلالي او بيولوجي.

وهذا يتطلب منا تنظيم العمل وفق عمليات تخصصية كل في مجاله وعمله ومساندة ودعم الى كل الطواقم الطبية والعسكرية العاملة في الميدان، والتقيد بكل التعليمات من منطلق الايمان والانتماء الوطني.

نعم سنكسر ظهر الوباء بالوعي والوقاية والالتزام بتوجيهات جهات الاختصاص وخاصة وزارة الصحة والهيئات المحلية والدولية والمنظمات الطبية الاهلية.