الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

فايروس كورونا والصدمات النفسية

نشر بتاريخ: 13/03/2020 ( آخر تحديث: 13/03/2020 الساعة: 13:55 )
فايروس كورونا والصدمات النفسية
الكاتبه: الدكتورة فردوس عبد ربه العيسة

منذ ان بدأت حالة الطوارىء الحالية (ظهور فايروس كورونا-كوفيد 19) احرص على متابعة الاخبار بدقة كغيري من الفلسطينيين، وبحكم عملي وتخصصي في الصحة النفسية فانني احاول ان اجد او ابني اطارا او سياق حول كيفية ادارتنا للازمة التي نعيشها في فلسطين عموما وفي بيت لحم خصوصا ، وفي حديثي هذا لا ادعي بمعرفتي بكل الامور لذا ساتناول كيفية ادارة الازمة وكيفية تعميقها من منظور الصحة النفسية.

بالاستناد الى الادبيات ذات الصله فان انتشار فيروس كورونا يعتبر حدثا صادم وفق المعايير العالمية، فهو يفوق قدرة الانسان اليومية والعادية على التحمل، وسواء اختبره الانسان بشكل مباشر او شاهد اشخاص يتعرضون له او حتى مجرد السماع عن اشخاص مروا بهذه التجربة وهو يتسبب بالخوف الشديد والهلع، والشعور بالعجز، ويحدث ردة فعل صدمية قد تكون مؤقته او دائمة واحيانا اخرى قد تتحول لقوة مواجهة وصمود، وتبدء ردة الفعل الصدمية بالانكار وعدم التصديق التي تستمر لعدة ايام ، لينتقل الانسان الى مرحلة ما بين التصديق وعدمه وصولا الى استعادة التوازن ومن ثم الفعل.

بعد ان تشخيص اولى الحالات في بيت لحم اختبرنا حالة من الانكار وعدم التصديق مما قاد الى اختلال في الاداء وتخبط وارباك سرعان ما زال واستعادت المؤسسات توازنها ، وبدات بحملات التوعية على المستويين الصحي والنفسي. مع ان ما نواجهه حاليا لم يكن الحدث الصادم الاول او الاوحد ولكنه الحدث الاول من حيث طبيعته ونوعه والذي تسبب باعلان حالة طواريء مجتمعية، فنحن نواجه احداث صادمة مزمنة تراكمت عبر الاجيال، منذ بدء الاحتلال الى يومنا هذا، تعلمنا خلالها وطورنا استراتيجيات مواجهة مجتمعية فعاله يرى البعض انها قد تؤهلنا الى التصدي لما نواجهه حاليا من وباء.

وقد يقول البعض ان الفلسطينيون قد تعاملوا ايضا تاريخيا مع الامراض والاصابات بالعدوى التي رافقت النكبة عام 1948 وفي السنوات التي تلتها، نعم تعاملنا مع احداث من هذا القبيل ولكن تلك الاصابات كانت ذات طبيعة مختلفة ولا نعرف نسب انتشارها فهي غير موثقة بالكامل، فلا يوجد وثائق تؤرخ الى حجم الاسباب الدقيقة للوفيات وعددها وكل ما لدينا او غالبية ما لدينا من معرفة حول الاوضاع الصحية والاوبئة في تلك المرحلة هو مرتبط بما نقل لنا شفويا ومن الذاكرة الشفوية التي تركزت في الغالب اثناء حديث اباءنا واجدادنا عن احداث النكبة وخسارة الاوطان والتهجير، واخبرونا على الهامش من تلك الاحداث الماساوية والصادمة بان الناس كانت تموت من البرد والجوع والمرض.

بالاستناد الى التاريخ يمكننا القول اننا محترفوا صمود، واننا استطعنا تطوير مفهوم الصمود المجتمعي بمضمون تجاوز محدوديات التنظير الفردي للصمود، ان قدرتنا وتجاربنا على الصمود في وجه الاحتلال منذ النكبة، مرورا بتجارب الانتفاضات ومنها انتفاضة الحجارة والصمود الشعبي الذي وصل الى العصيان المدني، يشكل ارثا لنا للتعامل مع الصدمات من صنع البشر وليس مع الصدمات الناتجة عن الفيروسات او من صنع الطبيعة. استراتيجيات مواجهة بطش الاحتلال تواجه تحديات ومحدوديات في قدرتها على التعامل مع وباء اعلنته امس منظمة الصحة العالمية امس بانه اصبح وباء عالمي.

فاليوم اختلفت ادوات الوصول الى الناس وتعبئتهم وتحشيدهم باتجاه دون اخر فوسائل التواصل الاجتماعي والانترنت اوجدت فضاء اوسع من طباعة البيانات\ المناشير الخاصة بفعاليات الانتفاضة في بيوت سرية،لم تعد هناك حاجة لاخفائها في الجبال وفي البيوت المهجورة حتى لا تتم مصادرتها، ولم تعد الحاجة لتهريبها مشيا في الجبال للوصول بها الى مناطق اخرى في المحافظات ، لم تعد هناك حاجة اليوم الى اخاطة علم فلسطيني يدويا تجمع حوله النساء طوال الليل ليتم استعماله في مسيرة شهيد او مظاهرة او لرفعه في يوم العلم كما كانت يطلق عليه في حينه.

في ظروف الطواريء الحالية ارى بان علينا انعاش ارثنا وخبراتنا وفي نفس الوقت ان نتعلم من تجربة الصين في مواجهة الوباء، سواء على المستوى الصحة العامة او الصحة النفسية:

-الالتزام بالتعليمات الصادرة حول السلامة والصحة العامة وتجنب الاصابة كتلك المتعلقة بعدم التنقل الا للضرورة القصوى وغيرها واظهار المسؤولية الاجتماعية.

- في حالات الازمات لا بد من تقديم معلومات واضحة ودقيقة وصادقة ولا تحتمل التفسير والتاؤيل او الفهم باكثر من طريقة، عدم الوضوع يقود للاجتهاد الشخصي مما من شانه ان يخلق حالة من الخوف وانعدام اليقين وبالتالي فقدان السيطرة.

- ان نكون مباشرين في تقديم المساعدة والدعم وفي تقديم المعلومة ، التواصل والابقاء على خطوط اتصال مع المصابين او اللذين في الحجر ، وابقائهم على اتصال باسرهم وبالعالم الخارجي. التواصل مع القطاعات المهمشة والمسنين والمرضى وتزويدهم بالدعم النفسي وسد احتياجاتهم الاساسية من شانه ان يحافظ على توازنهم النفسي وعدم تدهور حالتهم الصحية التي لها ارتباط عميق بالصحة النفسية.

-في حالات الطواريء لا بد من التنسيق مع كافة القطاعات والتخصصات ولا بد من العمل المشترك والتكاملي فلا مجال للصراعات والتنافس بين الفاعلين على الارض.

-ان تشكيل فرق الطوارىء في الاحياء والمواقع المختلفة ضرورة ولكن لا بد من توخي الحذر ودون تعريضهم للخطر فلا يتحولوا لناقلين او حاملين للفيروس، ويجب ان تتم تهيئتهم نفسيا وتدريبهم على الادوار المتوقعة، وعلى صعوبة التجارب التي قد يضطرون الى التعامل معها منهم خصوصا واننا كمجتمع لا نعرف بالضبط حدود الازمة المكانية او الزمانية. ويجب عدم تعريض هؤلاء لتجارب صادمة وبالتالي اعادة انتاج الصدمة دون قصد.

-فلنعمل على توثيق تجربة عملنا في حالة الطواريء الحالية ولنشكل ارشيفا لحاضرنا ولمستقبلنا ولنشكل مصدرا لانتاج وتصدير المعرفة في مجال التدخل في الطواريء والصحة النفسية.

-وبما ان المهن التي تختص بالصحة النفسية جميعها تستند الى مجموعة من المعايير الاخلاقية التي لا يسمح الاخلال بها او انتهاكها، فانه من المهم الحفاظ على خصوصيات الاشخاص والاسر وعدم افشاء اسرارهم ، لا يجوز الافصاح عن اسماء المصابين ونشرها دون مراعاة للاثار النفسية والاجتماعية الناتجة عن ذلك .

- اطلاق الاشاعات احد ادوات الحرب النفسية التي من شانه ان تهبط المعنويات، وتقلل الثقة بالنظام وقدرته على المساعدة بما فيه النظام الاسري.

واخيرا اقول، ان هناك ارتباط وثيق بين الصحة الجسدية والنفسية، ان اتباع اجراءات العناية الذاتية من استخدام المعقمات وغيرها تمام كعدم الاصغاء الى الاخبار المضلله او الاستسلام للتوتر والخوف والهلع ، ولكي يتم الحفاظ على التوازن النفسي وردود الفعل العقلانية يعزز القدرة على التحمل والصمود للمصابين واسرهم وللمجتمع ككل ، ومن اجل الابقاء على ثقافة الانتماء والمسؤولية الاجتماعية، فانه يتوجب علينا ان نعي ان الاصابة بالفيروس ليست جريمة يعاقب عليها المصاب واسرته، وهي ليست وصمة، وهي ليست عقاب لجرم ارتكبه المصاب ، فلنعمل معا على وقف التمييز والتنمر ضد المصابين واسرهم.