الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الثلج يأتي من نافذة بيت لحم

نشر بتاريخ: 13/03/2020 ( آخر تحديث: 13/03/2020 الساعة: 15:47 )
الثلج يأتي من نافذة بيت لحم
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
حين قرأت لأول مرة روايات حنا مينا. بدأت برواية ( الأبنوسة البيضاء ) ، انتهيت من قراءتها دون أعرف معنى أبنوسة . لم يكن حينها جوجل ، وأنا خجلت أن أسال عن معناها ..ثم إكتشفت لاحقا أن معظم أبناء جيلي قرأ الرواية وتمتع بأحداثها دون أن يعرف معنى العنوان .

لاحقا قرأت رواية ( رقصة الخنجر ) وتدفق الادرينالين في دمي وأنا اتابع صور التحدي والمواجهة والانتصار .. اما رواية ( الثلج يأتي من النافذة ) فكانت أكبر من عمري ، ولكنني مضطر لقراءتها حتى لا أكون أقل ثقافة من الرفاق .. في رواية الثلج يأتي من النافذة وجع كبير . حسرة وندم . مكابرة وصبر . لهفة وحنين . وهروب . الكثير من الهروب .

لاحقا علمت ان مغزى الرواية عن مراحل من النضال اليساري، من التنور والتعلم على ضوء الشموع إلى مرحلة المعاناة الفردية والعمل الشاق، وصولا للمرحلة الأسمى والنضال الفعلي .

ونسيت الرواية ، نسيتها تماما . لأن رواية حياتي أصبحت أصعب بكثير مما قرأت . عذابات الفلسطينيين في مخيمات اللجوء وفي زنازين الاحتلال أكثر وجعا وحسرة من روايات الأدب العالمي .ولكننا لا نريد الاعتراف بذلك . فمن الجيد أن تكون هناك قصة في الحياة أصعب من قصتك / واذا لم تجد ذلك عليك إختراع قصص أكثر عذابا في مكان آخر في العالم حتى تستمد الصمود منها .

الاسير في زنازين سجن نفحة والمحكوم بالسجن المؤبد قرأ روايات الأديب العربي السوري حنا مينا ( الثلج يأتي من النافذة ) و( نهاية رجل شجاع ) ويتضامن مع أبطالها وهو ينسى أن وجعه أكبر وألمه أشد .

ذات مرة وبعد أن أنهيت الرواية الرائعة لمكسيم جورجي ( الأم ) . همست لبعض الرفاق في الزنزانة : كانت البطلة في هذه الرواية أم عظيمة فعلا لأنها خبأت منشورات الثورية وخبأت رفاق ابنها عن عيون البوليس!!!

قالوا : نعم

قلت : أمهات فلسطين أعظم بكثير .

ولكنهم طلبوا مني أن أخفض صوتي حتى لا يتهمني المثقفين بأنني برجوازي صغير .

خبأت أفكاري خشية من النتيجة وليس قناعة بالمبدأ . وواصلت القراءة .

أكتب اليوم عن رواية " الثلج يأتي من النافذة " لان المعنى متشابه مع بيت لحم ... حيث هرب بطل القصة فياض من البوليس في دمشق ولجأ الى لبنان وذاق أنواع الحرمان والفقر والتخفي . وفي النهاية ألقوا القبض عليه وحكموه بالسجن لمدة ستة أشهر . وحين عاد إلى دمشق قال : لن أهرب ثانية . لن أهرب ابداً.

في بيت لحم خطر الكورونا ؛ وخطر المنخفض الجوي ؛ وخطر الاحتلال ، وخطر الحجر .. ولكننا لن نهرب ثانية . لن نهرب ابدا .

وجاء في رواية حنا مينا :

غنّ يا رفيقي، غنّ من أجل الذين هناك غنّ... والذين هناك يغنون والدرب طويل...

أيها السائرون عليه، ارفعوا رؤوسكم، غنوا رغم السياط غنوا، رغم السلاسل غنوا لا تخافوا الحياة...

الحياة تقتل من يخافها..