الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تحدي كورونا وفرص تعزيز المناعة الوطنية

نشر بتاريخ: 14/03/2020 ( آخر تحديث: 14/03/2020 الساعة: 14:01 )
تحدي كورونا وفرص تعزيز المناعة الوطنية
الكاتب: نايف جراد

يثبت واقع الحال الذي نعيشه اليوم، والمتمثل بالارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية المفروضة والاستجابة السريعة، والسلوك الموحد، الذي عبرت عنه القيادة الفلسطينية والحكومة والمؤسسات الوطنية المدنية منها والأمنية، وفئات المجتمع وقواه المختلفة وكذلك الأفراد، وما مثله من وعي ومسؤولية، وتكاتف وتعاضد، وانضباط، لمواجهة الخطر الداهم الذي مثله فيروس كورونا، وما حمله من ضرر وتهديد فعلي لصحة وحياة الانسان الفلسطيني، كما هو الواقع في مختلف محافظات الضفة الغربية بعامة ومحافظة ومدينة بيت لحم بخاصة، أن الشعب الفلسطيني يمتلك من المقومات والإمكانيات، والإرادة أيضا، ما يجعله قادرا ومستعدا لمواجهة مختلف المخاطر والتهديدات التي تواجهه، إن هو احسن التصرف وتوحد مستثمرا طاقاته المتوافرة والكامنة في خوض المعارك المفروضة عليه.

ومن المعروف أن المخاطر لا تتوقف أبدا، ولا يمكن القضاء عليها بشك نهائي، ولكن يمكن معرفتها وادراكها مسبقا والتنبؤ بها، وبالتالي الاستعداد بمرونة عالية لمواجهتها واستباق ضررها وتهديدها المحتمل واحتوائه قبل أن يتفاقم. ويعتمد هذا الادراك على التقدير الصائب للواقع وتحديد مؤشرات تطوره اتجاهات حركته، والسيناريوهات الممكنة لتطور الأحداث، وبالتالي اتخاذ القرار المناسب مع الاستعداد للتغيير وتحديد الوجهة اللازمة للسيطرة على الموقف. ولعل أي تقييم موضوعي للتصرف الذي قامت به السلطة الوطنية الفلسطينية في مواجهة خطر تفشي فايروس كورونا، يثبت بالملوس أن هذا الفهم للتعامل مع المخاطر هو ما جرى تمثله فعلا. وهو ما يدعو للتفاؤل ويعزز الأمل والثقة بقدرات وامكانيات شعبنا، ومؤسساته الوطنية.

وبهذا النهج، وبهذه السياسة والسلوك، تثبتت المؤسسة الوطنية، ورغم كل الملاحظات التي يمكن أن تسجل حول ترهلها، أنها تمتلك من الإمكانيات والإرادة، ما يجعلها قادرة على التحول من إدارة للأزمات، إلى إدارة استباقية ونظامية للمخاطر.

وبفحص ممكنات ذلك، وكيفية تجسيده على أرض الواقع، وإجادة العمل به، نستطيع أن نتبين علاقات الارتباط الوثيقة بين هذا النمط من الادارة الحكيمة وكفاءة وفاعلية المجتمع، الكامنة في تفعيل نقاط قوته ومناعته وانعكاساتها الإيجابية على التصدي الناجع لمنع ومواجهة الخطر واحتواء التهديد والتغلب عليه. وهو ما رأيناه ولمسناه، وما نراه ونلمسه، من تكامل جهود الجميع على المستويين الرسمي والشعبي، ومن التعاضد والتكاتف والتلاحم المجتمعي، الذي لم ولا تعكر بهاءها وصفوها حالة شاذة هنا أو هناك، كحادثة سرقة الصراف الآلي في بلدة قراوة بني حسان غرب سلفيت، وحوادث القتل والعنف والمشاجرات التي وقعت في مناطق يطا وبني نعيم وصرة، أو بعض الشائعات التي روجها بعض المارقين والجهلة. وبلا شك فقد كان لذلك أثر في الحد من انتشار الفايروس ومقاومته، وسيكون له أثر بالتأكيد في امتلاك القدرة للتغلب عليه والتعافي منه، والحفاظ على الأمن الصحي للإنسان الفلسطيني. كما ولم ولا يؤثر على الصورة العامة، ذلك الاستهتار الذي تعاملت ولا زالت تتعامل به إدارة الحكم الواقع التابعة لحماس في غزة، والتي وبديلا لاغتنام الفرصة في توحيد الموقف الوطني تجاه تهديد خطير لصحة وحياة الانسان الفلسطيني، راحت تدعي غياب مثل هذا الخطر والتهديد، بل وترتكب الحماقات في ترويع الناس المسالمين والاستهتار بحياتهم الآمنة وأرزاقهم، كما جرى في حريق سوق مخيم النصيرات.

وهكذا، فإن الإدارة الرشيدة، تستطيع من خلال استخدام نقاط القوة المتوافرة للتغلب على نقاط الضعف في البيئة الداخلية، أن تحول المخاطر والتهديدات الخارجية إلى فرص يمكن استغلالها واستثمارها للحفاظ على المصالح الوطنية وتحقيق الأهداف الوطنية. ومثل عملية التحدي هذه، يمكن الوقوف على أبعادها، كما في الحالة التي نعالج، من العملية المناعية في جسم الانسان، المكونة من منظومة من العمليات الحيوية تقوم بها أعضاؤه وخلاياه وجسيماته بغرض حمايته من الأمراض والسموم والفايروسات والبكتيريا الضارة والميكروبات والأجسام الغريبة، عبر استجابة ذاتية، من مكونات طبيعية وأخرى قابلة للتكيف، لمقاومة الدخيل الغريب والقضاء عليه، وتكوين ذاكرة مناعية تحصن الجسد مستقبلا.

والمناعة هنا، ذات العلاقة بالمجتمع والكيانية الوطنية، هي مناعة شاملة، لا تنحصر في الشكل البيولوجي والفيسيولوجي، بل هي مناعة بمستوى أعلى، تشمل كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية، يتبدى معها المجتمع وكيانه الوطني بكافة مؤسساته وقواه كجسم متماسك يوظف مصادر قوته المادية والمعنوية بالاعتماد على ذاكرته الجمعية، بهدف فرض ارادته العامة للحفاظ على مصالحه وتحقيق أهدافه.

ولعلها فرصة بالنسبة للقيادة الفلسطينية ومختلف القوى والمؤسسات، وهي تقوم باستجابة سريعة لاحتياجات المواطنين الملحة وتتبع إدارة رشيدة للمخاطر المحدقة اليوم جراء تفشي فايروس الكورونا، أن تعيد الثقة لجماهير شعبنا بمؤسسته الوطنية وتجسر الفجوة الموجودة، مستثمرة مصداقيتها وجديتها وحكمتها في التعاطي مع المخاطر والتهديدات الماثلة للامن الصحي، والهمة والإرادة العالية لمختلف فئات وقوى شعبنا لإبراز تكاتفه وتعاضده والتوحد للتغلب على الخطر والتهديد، والبناء على ذلك، وعلى ذاكرة شعبنا الوطنية في مواجهة المؤامرات والأخطار والتهديدات التي تعرضت لها قضيته الوطنية، لاعادة الاعتبار للقيم المجتمعية والسياسية الحامية لهويتنا وثوابتنا الوطنية، والارتقاء بالوعي والممارسة على أساس من احترام التنوع والتعددية القائمة على المسؤولية في ممارسة الحقوق والواجبات والحفاظ على تكامل الجهود الرسمية والشعبية وتعزيز لحمة النسيج المجتمعي وأسس ومقومات السلم الأهلي لمواجهة كل الأخطار المحدقة بوجود شعبنا وقضيته الوطنية.

هذه هي الفرصة التاريخية التي يمكن إذا وعيت واستثمرت جيدا، ان تستدرك مآل الحالة الوطنية العامة، عبر إعادة الاعتبار للوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني وتحصينه، لتعزيز صمود شعبنا وقدرته الحيوية في مواجهة الفايروس الأخطر المتمثل بخطة ترامب – نتنياهو لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.

هذا هو التحدي الأكبر للكل الفلسطيني، الذي يستوجب من الجميع وحدة الإرادة والعمل على أساس استراتيجية موحدة للصمود والمقاومة مستندة لحصانة ومناعة المجتمع الفلسطيني ومؤسسته الوطنية.