الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

العمالة الفلسطينية في إسرائيل في عهد كورونا..مهدد وفرصة

نشر بتاريخ: 23/03/2020 ( آخر تحديث: 23/03/2020 الساعة: 13:43 )
العمالة الفلسطينية في إسرائيل في عهد كورونا..مهدد وفرصة
الكاتب: د.حسين سليمان رداد
الإجراءات الإبداعية التي قامت بها السلطة الوطنية الفلسطينية للحد من انتشار جائحة كورونا، اثبتت قدرتها العالية على إدارة الازمات ، الامر الذي اجبر العدو والصديق على الاعتراف بصوابية هذه الإجراءات وتوقيتها، بل شكلت تلك الاجراءات احراجا لكثير من الدول بسبب سرعة استجابة دولة ما زالت تحت الاحتلال وتمنعها قوة غاشمة من ممارسة وظيفة الدفاع عن سيادتها من كافة المهدات الخارجية، فقد أصبحت تلك الإجراءات ايقونة وانموذجا تسعى المجتمعات والدول والمنظمات لمحاكاته ، فلم تكن لتنجح تلك الإجراءات في محاصرة انتشار هذا الوباء وتحويطه في بؤره والحد من انتشاره، لولا المسؤولية العالية التي تحلى بها المواطن الفلسطيني.

في ظل حالة التفاؤل التي انعشت جوارح الفلسطينيين نتيجة شفاء سبعة عشر مريضا في بيت لحم وخروجهمالى الحياة الطبيعية، أطل شبح السيناريو الأسوأ برأسه علينا اختبار الاختيار بين السيء والاسوأ؛ففائض المرضى الذي هم بحاجة الى عناية خاصة هو ما يؤرقالسياسيين والصحيين،فكيف سيتم التعامل مع الحالة رقم واحد بعد ال 800مريض التي تحتاج الى عناية مكثفة،هذا الرقمهو حالة التوازن بين إمكانيات القطاع الصحي الاستيعابية في فلسطين وبين عدد المرضى،فمن وجهة نظر استشرافية يبدو انه سيناريو واقعيومحتملفبعد شهر تقريبا حين يبدأ العديد من ابنائنا العاملين في إسرائيل العودة محملين بغلة ماليةوأعراض وباءالكورونا والذي يمكن ان يأتي على كل تحوطات السلطة الفلسطينية.

تدرك السلطة الوطنية الفلسطينيةانها مضطرة في اعطاءالعمال الفلسطينيين في اسرائيلمهلة لترتيب أوضاعهم والاختيار بين الإقامة والمبيت لمدة شهر على الأقل في مكان العمل داخل إسرائيل وبين الامتناع الطوعي عن العمل حرصا على حياتهمتم تفسير على انه دفع قسري نحو تقرير مصيرهم في ظل واقع مجهول،فخياراتهامحدودة وامكانياتها القهرية تكاد تكون معدومة؛ فهي مجبرة على الاختيار بين المر والامر، بين مر عدم قدرتها الاستغناء عن أهم روافد الاقتصاد الفلسطيني المتحقق من إيرادات العمالة داخل إسرائيل، حيث تقدر مساهمته في مجمل الناتج القومي ب 10 الى 13 مليار شيكل سنويا، فحسب معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام2019 فان اكثر من 141 الف عامل فلسطيني يعملون في داخل الأراضي المحتلة عام 1948 والمستوطنات الصهيونية الجاثمة على الأراضي المحتلة عام 1967، بحيث يحمل 101 الف عامل تصاريح منظمة للعمل داخل اسرائيل، 31 الف يعملون بدون تصريح عمل، فيما يعمل 22 الف عامل داخل المستوطنات، وأن جل هذه العمالة تعمل في قطاع البناء والانشاءات الإسرائيلية، وبين مرارةعدم قدرتها على منع توجه هذه العمالة الى العمل داخل إسرائيل بسبب عدم قدرتها على تعويض هؤلاء العمال ماليا عن تعطيلهم أو خلق فرص عمل بديلة، ناهيك على عدم سيطرتها على بينها وبين إسرائيل.

السلطة الوطنية الفلسطينية تعلم ان هناك مخاطر كبيرة ستنشأ بسبب توجه أكثر من 25 الف عامل فلسطيني للعمل داخل إسرائيل في ظل تفشي الوباء وتزايد عدد المصابين داخل إسرائيل، ، كما انها تدرك ويدرك الكثير من الفلسطينيين ان سماح إسرائيل ببقاءهم ومبيتهم في بيئة العمل لم يكن نتيجة صحوة الضمير الإسرائيلي الإنساني اتجاه الفلسطينيين واعترافهم بالحقوق الفلسطينية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهي تعتبر العمالة الفلسطينية مسننات صغيرة في عجلة الاقتصاد تستخدمهم متى دعت الضرورة، وأن توقف قطاع البناء والانشاءات والذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الاسرائيلي من شأنه ان يؤدي الى انهيار الاقتصاد الإسرائيلي، ناهيك عن الابعاد الاستراتيجية لهذا القطاع ديموغرافيا وجغرافيا، فالاستيطان في فلسطين التاريخية هو أولية قومية لدى اسرائيل.

صحيح ان السلطة الوطنية الفلسطينية تعاملت مع هذه الازمة باقتدار،الا أنالتفكيروالذكاء الاستراتيجي والاستغلال الأمثل للفرص والبرغماتية السياسية لمواطن ضعف العدوهو الرد الأنجع والفعال على امتصاص الازمات وادارتها، فصانع السياسة ومتخذ القرار الفلسطيني مطالب بأخذ زمام المبادرة حتى في مثل هذه الظروف؛فحجم الضرر التي يمكن ان يسببه امتناع العامل الفلسطيني عن العمل بقطاع البناء والانشاءاتفي اسرائيل من شأنه ان يخلق فرصة يمكن استثمارها لتحقيق مكاسب سياسية، خاصة ان وباء الكورونا اثبت ان إسرائيل غير قادرة الاستمرار بالاحتلال بدون كلفة، وأن سيطرتها الأحادية على المعابر بينها وبين الضفة الغربية من جهة وبينها وبين العالم الخارجي من شأنه ان يجلب الكثير من المتاعب وانها لا تستطيع مواجهة التهديدات الخارجية دون التعاون الندي مع السلطة الفلسطينية.

استراتيجية المبادرة تعطيالسلطة الوطنية الفلسطينية القدرة فرض شروطهاعلى إسرائيل بتحمل مسؤولياتها كقوة محتلة عن كافة المتطلبات المعيشية والصحية والأمنية عن الشعب الفلسطيني، كما ان الفرصة متاحة للفلسطينيينلفرض شروط امنية لضبط حركة القادمين والمغادرين على المعابر، خاصة ان انسيابية العمالة الفلسطينية عبر المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تتم دون اضطلاع السلطة الوطنية الفلسطينية ومعرفتها.

انتهاز فرصة تغيير قواعد اللعبة اصبحت مواتية في المرحلة الحالية، خاصة في ظل عدم قدرة إسرائيل كبح جماح وباء الكورونا وحاجتها للأيدي العاملة من خلال:

1. الاشتراط على إسرائيل ان يكون هناك معابر فلسطينية في الضفة الغربية بمحاذاة المعابر الحالية الاسرائيلية مسيطر عليها فلسطينيا تضبط عملية الدخول والخروج، على غرار معبر الكرامة.

2. حصر معابر الدخول والخروج بين السلطة الوطنية الفلسطينية واسرائيل مؤقتا بثلاثة معابر في وسط وشمال وجنوب الضفة الغربية.

3. انشاء أماكن حجر صحي وتطبيق بروتكولات فحص فلسطينية إسرائيلية دولية بالقرب من المعابر الجديدةوباشراف الاطقم الصحية الفلسطينية.

4. تتحمل قوة الاحتلال كافة تكاليف تجهيز المعابر وأماكن الحجر الصحية.

5. سياسيا: هذاهو الوقت المناسب لاثارةالمتطلبات السياسية والتي عجزت كافة الخطط والمبادرات عن حلها حتى، وهذه هي الفرصة المثالية للقيام بالمبادرات السياسية لنسف صفقة القرن والتي اثبت الكورونافشلها، خاصة ان الواقع الذي فرضه مهدد الكورونا من شأنه إعادة صياغة منظومة العلاقات الدولية والتي من شانها عزل الإدارة الامريكية عن سدة زعامة العالم، هذا هو الوقت المناسبلأعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ووضع العالم وقوة الاحتلال امام أسئلة صعبة، عليها ان تقرر فيما اذا كانت تريد ان تبقى احتلالها وتحمل أعباءه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصحية ، ازمة كورونا مثال على هذه المتطلبات، لا ينقص القيادة عبقرية تحويل المهدد الى فرصة،" فكورونا " مهدد دولي صنع فرصة للفلسطينيين قد لا تتكرر.