الإثنين: 06/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ميليس يفضح هشاشة الأنظمة العربية... بقلم: عبد الفتاح غانم

نشر بتاريخ: 23/10/2005 ( آخر تحديث: 23/10/2005 الساعة: 15:04 )
معا- أنه لأمر محزن ومخجل ما يقوم به القاضي ميليس هذه الأيام في الديار العربية من أقصاها في المغرب إلى أقصاها في المشرق، أنه يصول ويجول وكأنه الحاكم بأمره، ويوزع التهم ذات اليمين وذات الشمال، ويطالب بالتحقيق مع رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور / بشار الأسد، وبالعديد من المسؤولين السوريين بما فيهم وزير الخارجية، والأكثر وقاحة واستهتارا أنه يطالب بتفتيش بيوت هؤلاء المسؤولين؟؟...

بل أن تقرير القاضي الألماني لم يتورع عن توجيه الاتهام لرئيس جمهورية لبنان، البلد الذي كلف ميليس للتحقيق في الجريمة التي ارتكبت فيه عندما اغتيل رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق، أن القاضي المذكور قد تجاوز كل حدود اللياقة وداس على سيادة البلد الذي كلفته الأمم المتحدة بالتحقيق على أرضه، فإذا كانت التهمة تطال رئيس الجمهورية فمن يتبقى يا ترى في لبنان بريئا وله الحصانة التي تمنع ميليس من الزج به في السجون!!!...

وإذا حاولنا التجاوز عن الغضب والانفعال الذي تركه تقرير ميليس فأننا لا نستطيع التحرر من الشعور بالخجل من أنفسنا ومن الواقع المزري الذي وصلته أوضاع امتنا على يد حكامها النشامى، ومن الأفضل لأبناء هذه الأمة أن يحكمهم شخص مثل ميليس يتمتع بهذه الجرأة النادرة بدلا من الأقزام المرعوبين حتى من الدفاع عن أنفسهم وشرفهم خوفاً على ضياع الكراسي التي يتربعون عليها منذ عقود وعقود...

وفي هذه المناسبة فأن موقف الرئيس العراقي صدام حسين وبالرغم من وجوده في السجن الاميركي، وفي قفص محكمة حكومة الدمى في بغداد، هو أشرف بمئات المرات من مواقف الحكام الباقين على عروشهم وكراسيهم الرئاسية، على الأقل فأن الرئيس صدام حسين، يخاطب القاضي الدمية حينما يسأله عن اسمه: أنت من أنت؟ كيف لا تعرف رئيس الجمهورية العراقية؟ أنني لا اعترف بشرعية هذه المحكمة، ولا بشرعية من نصبوكم لأن ما بني على باطل فهو باطل، انتهى كلام صدام حسين...

ولا بد في هذه المناسبة من العودة نصف قرن إلى أيام العدوان الثلاثي - البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي على مصر عام 1956، فقد سبق شن العدوان الاستعماري توجيه إنذار بأسم جميع الدول الغربية إلى القيادة المصرية، والإنذار كان بأسم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والدنمارك والسويد والنرويج وكندا واستراليا، باختصار كان الإنذار باسم الدول الاستعمارية البحرية، وكلف رئيس الوزراء الاسترالي برئاسة الوفد الذاهب للقاهرة، يومها وقبل خمسين عاما كان في الأمة العربية قائدا حقيقيا مثل جمال عبد الناصر الذي صرح قبل وصول الوفد لمصر، " بأن الوفد القادم للقاهرة أن كان يحمل إنذارا سأضربه بالجزمة" هكذا كان موقف جمال عبد الناصر، الأمر الذي اضطر الوفد إلى تغيير المهمة من توجيه الإنذار إلى وفد وساطة لحل موضوع تأميم قناة السويس...

يومها كانت ظروف مصر، واقتصاد مصر وبداية ثورة يوليو وجميع ما هو موجود في مصر يقتضي السكوت أو المجاملة الجبانة، ولكن الرجال الرجال هم من يعطون لشعوبهم وزنا وقيمة، وهكذا وزعت حكومة الثورة يومها مليون قطعة سلاح على الشعب المصري، ووقف جمال عبد الناصر مع بداية العدوان وخاطب شعبه وأمته العربية بكلمة " حنحارب " وكانت النتيجة انتصار الشعب المصري والأمة العربية، وانتصار ثورة 23 يوليو وقائدها وزعيم الأمة جمال عبد الناصر...

أين أمتنا اليوم من الأمجاد التي عاشتها عام 1956 ؟ وأين امتنا مما حصل في العراق يوم 14 تموز 1958 يوم قامت جماهير العراق البطلة بقتل السفير البريطاني بالفؤوس ومزقته أربا؟ وماذا فعلت الحكومة الاستعمارية البريطانية وماذا ترتب على هذه المواقف الثورية على الصعيد العربي؟ يومها كنا نعتز ونفتخر لأننا عرب وكان العالم يحسب لنا ألف حساب، وهذه الأيام نحن محذوفون من أي حساب يومها كانت جماهير الأمة من المغرب العربي حتى الخليج تهب هبة رجل واحد، وتناصر شعب مصر إبان العدوان الثلاثي، وتنسف أنابيب البترول المارة في سوريا، ويقوم البطل العربي السوري جول جمال بإغراق المدمرة الفرنسية جان دارك، التي تقوم بالعدوان على مصر الشقيقة ويومها هب شعب قطاع غزة البطل وضرب قوات الأمم المتحدة التي جاءت بديلا عن القوات المصرية، واسقط قرار الأمم المتحدة بأن يكون القطاع تحت أشراف القوات الدولية وأعاد الشعب الفلسطيني الإدارة المصرية للقطاع بالقوة الشعبية...

هناك من يحتج بأن الظروف يومها كانت مختلفة، هذا صحيح، ولكن كانت مختلفة لصالح ما نحن فيه اليوم وليس صحيحا أن الاختلاف لصالح أوضاعنا عام 1956 مثلا، يومها كانت حكومة الجمهورية العربية المتحدة تعتذر عن استضافة مؤتمرات دولية لأن المؤتمر يكلف 90 ألف جنيه مصري، ورغم هذه الأوضاع المادية أوضاع العوز المادي فأن جمال عبد الناصر كان لقبه " أبو أفريقيا" بينما أوضاعنا هذه الأيام أن أميراً يشتري لخطيبته ذهب وماس بما يساوي أكثر من عشرين مليون دولار أميركي...

صحيح أن الظروف اليوم غير ظروف الأمس، لأن الحكام العرب صاروا يملكون المليارات، بينما استشهد الرئيس جمال عبد الناصر وتبين انه فقير ومدين وفي بعض الروايات انه لم يمت مدينا ووجدوا في حسابه 109 جنيه مصري!!...

أن ما نطالب به اليوم بسيط ومتواضع جدا، ويتلاءم مع أصحاب المليارات من الحكام العرب، قولوا فقط للأمم المتحدة أن هذا القاضي ميليس منحاز ولا نقبل به ونطالب بإبداله بقاضي غير منحاز، قولوا فقط للأمم المتحدة أن من حق سيادتكم في بلدانكم أن يكون مندوب الأمم المكلف بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري أن يحترمكم كحكام ويحترم سيادة البلد الذي يعمل فيه، وهذه المهمة لا تخرج بكم عن أدب الديبلوماسية واللياقة المطلوبة...

أن حالة الخور التي تعيشونها هذه الأيام مخزية ولا تليق بأصحاب الجلالة والفخامة، انتم اُسودٌ ومفترسون حينما يتعلق الأمر بشعوبكم، تدمرون المدن على رؤوس ساكنيها، وتعطون الأوامر لمدافعكم وطيرانكم بالأ يبقي ولا يذر ضد من يعارضونكم من أبناء شعوبكم، فكيف تبخرت كرامتكم ورجولتكم أمام القاضي ميليس وأمام العالم من أقصاه إلى أقصاه...
أن ما لا تستطيع شعوبكم أن تواجهكم به يتلخص في كلمات ثلاث " تفوو عليكم جميعكم"...


الأمين العام لحزب الميثاق الفلسطيني الديمقراطي.