الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

على العالم أن يتوقف عن الكيل بمكيالين في قضية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي... بقلم: وليد ظاهر

نشر بتاريخ: 07/11/2005 ( آخر تحديث: 07/11/2005 الساعة: 15:11 )
معا- صدر العديد من الكتب الإسرائيلية في السنوات الخمس الأخيرة، ولعل أبرزها في الطرح كتاب بعنوان "غزة كالموت" للصحافي الإسرائيلي شلومو الدار، والتي حملت السياسات الإسرائيلية المسؤولية عن نزيف الدم وبقاء الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في الدائرة المفرغة، والذي يفضح تواطؤ الاحتلال على مساعي التهدئة والسلام، وكشف النقاب عن عمق سيطرة المؤسسة العسكرية على صناعة القرار داخل إسرائيل، ويوضح الكاتب أن مطالبة الحكومة الإسرائيلية لعرفات ومحمود عباس من بعده بنزع أسلحة المنظمات المسلحة ليست عملية، وكشف أن أرائيل شارون في لقائه الأخير مع محمود عباس، رفض طلب الأخير بتزويد الشرطة الفلسطينية بالسلاح والذخائر، وبشكل ينسجم مع كتاب إسرائيلي سابق "سهم مرتد" لمؤلفيه الصحافيين عوفر شيلح ورفيف دروكر يتهم "غزة كالموت" إسرائيل باستخدام رواية أن عرفات هو سبب كل علة، من أجل تصفية السلطة الفلسطينية وقمع الفلسطينيين وشق الطريق أمام الفوضى السائدة اليوم.

ويأتي الآن التصعيد الإسرائيلي متوافقا مع تقديم رسالة وجهها مبعوث اللجنة الرباعية جيمس ولفنسون إلى أمين اللجنة، والتي تعتبر إسرائيل تتصرف وكأنها لم تنسحب من قطاع غزة. وقد قال جيمس ولفنسون في هذه الرسالة" أن الحكومة الإسرائيلية تهتم فقط بأمنها وتتصرف وكأنها لم تخرج من غزة وليس لديها الرغبة بالتخلي عن سيطرتها الأمنية، وتعمل على تأجيل القرارات التي من الممكن أن تحدث تقدماً بين الجانبين لا سيما المعابر".

واضاف ولفنسون انه ومنذ إتمام عملية الانسحاب من غزة في الصيف الماضي وحاجز ايرز مغلق تماما أمام عبور الفلسطينيين, وأوضح انه وقبل تنفيذ خطة الانسحاب كان حوالي 6500 فلسطيني يعبرون عنه بشكل يومي, بينما الآن وحتى نهاية هذا الشهر تناقص عدد العابرين خلاله حتى وصل إلى صفر, إضافة لإغلاق معبر كارني كليا.

وقبل أيام ألقى الرئيس محمود عباس خطاباً أمام المجلس التشريعي، شدد فيه على ضرورة التزام جميع الفصائل الفلسطينية بما تم الاتفاق عليه في القاهرة من إجماع وطني حول التهدئة، قائلاً: "إذا أردنا أن نخرقها نحتاج إلى إجماع وطني"، ونوه الرئيس الفلسطيني للزيارة التي قام بها إلى أمريكا بأن المسؤولين الأمريكيين أثاروا مسألة المشاركة في الانتخابات وخاصة بمن يصفهم المسئولون الأميركيون بـ "التنظيمات الإرهابية التي تملك ميليشيات" وترغب في المشاركة في الانتخابات.

وشدد الرئيس محمود عباس على أن الموقف الفلسطيني كان واضحاً في هذه القضية، حيث قال للرئيس بوش "يجب أن تفهموا بأن لدينا تعددية سياسية وفكرية ولدينا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كما يوجد لدى الإسرائيليين، وقد توصلنا مع الفصائل الوطنية والإسلامية إلى الهدنة وإنهاء المظاهر المسلحة والدخول في الانتخابات، وهذه خطوات مهمة جداً يجب علينا تشجيعها لا إحباطها".

وفي أكثر من مناسبة كرر الرئيس الفلسطيني بأن الطريق الذي اختاره للتعامل مع الفصائل الفلسطينية هو طريق الحوار ثم الحوار. وأكدت التصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية في أعقاب زيارة الرئيس الفلسطيني أن الانتخابات ومن يشارك فيها شأن فلسطيني محض.

وانتقدت الحكومة والصحافة الإسرائيليتان ما ادعتاه" عدم قيام الرئيس الأميركي بوش بالضغط على الرئيس الفلسطيني من أجل العمل على نزع سلاح التنظيمات الفلسطينية المسلحة ومنعها من المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية القادمة".

وكانت الفصائل الفلسطينية قد أجمعت في حوار القاهرة على التهدئة، لأن ذلك في مصلحة الشعب الفلسطيني العليا، باعتبار أنه يجرد شارون وحكومته من الذرائع والمبررات الواهية التي عادة ما يرفعانها من أجل الاستمرار في سياستهما الوحشية تجاه الشعب الفلسطيني.

ولكن الطرف الإسرائيلي كالعادة لم يلتزم بما تم إبرامه من اتفاقات ومعاهدات بما في ذلك تفاهم شرم الشيخ، وبالأخص ما تعلق بقضية الأسرى والمعتقلين.

إن المتطرف شارون وحكومته يسعيان بشكل مستمر ومتعمد لاستفزاز الطرف الفلسطيني بخرق التهدئة, فالتدمير والإعتقالات والمداهمات والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتمديد اعتقال عدد من المعتقلين أمام محاكم عسكرية إسرائيلية شواهد حية على ذلك.

أما عن المضايقات على الحواجز وسقوط الشهداء والجرحى بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلية كما حدث في قرية دير نظام وعند مشارف صوريف فحدث ولا حرج, وحتى رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع لم يسلم من التأخير على الحواجز إذ أوقفته قوات الاحتلال الإسرائيلي على أحد الحواجز لمدة 45 دقيقة, وخلال توغل للقوات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية،أقدمت القوات الإسرائيلية على اغتيال القائد العام لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الفلسطينية في الضفة الغربية لؤي السعدي وماجد الأشقر من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح الذي كان برفقته.

وكالعادة التهمة عند إسرائيل موجودة وجاهزة, فهي قامت باغتيال السعدي بتهمة قتل إسرائيليين، وهي تهمة اعتادت على إطلاقها كلما ارتكب جنودها جريمة اغتيال إرهابية بحق قائد أو كادر فلسطيني.. وكما كان متوقعاً فقد توعدت حركة الجهاد وكتائب شهداء الأقصى بالانتقام. وجاء الرد بداية من غزة بإطلاق صواريخ القسام على بلدة سديروت جنوب إسرائيل ومن ثم القيام بعملية إستشهادية في الخضيرة ألأمر الذي جعل شارون وحكومته يتذرعان بها للتهرب من الضغط الدولي بخصوص المعابر وتأمين التواصل بين قطاع غزة والضفة.

ألم يكن من الأجدر بنا العودة إلى الإجماع الوطني، وعقد جلسة للتباحث والتشاور بخصوص كيفية الرد على الاستفزازات والاعتداءات الشارونية المتكررة، وعدم اللجوء إلى سياسة "الفعل ورد الفعل"، التي لا تصب في المصلحة الفلسطينية؟ فسياسة شارون وحكومته تهدف من وراء هذه الاستفزازات بعث رسالة إلى العالم مفادها أن السلطة الوطنية الفلسطينية "عاجزة"، وأن الشعب الفلسطيني لم ينضج بعد بما فيه الكفاية لإقامة دولة فلسطينية، فالشعب الفلسطيني وقيادته سيكونون إحدى الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

وعلى اثر ذلك قامت قوات الاحتلال باجتياح المدن الفلسطينية في الضفة الغربية بحثا لاعتقال من تسميهم النشطاء الفلسطينيين، وقصفت الطائرات الإسرائيلية غزة، بحجة أنها تستخدم لإطلاق صواريخ على أراضيها، وسقط على اثر ذلك العديد من الشهداء والجرحى، وخاصة في صفوف المدنيين الأبرياء.

وتأتي ردود الفعل منسجمة مع ما خططت له السياسة الإسرائيلية المتطرفة. فشارون كان يعلم علم اليقين بأن اغتيال الشهيد لؤي السعدي لن يمر مرور الكرام، وهو ما كان يريده لاستئناف الاعتداءات على الشعب الفلسطيني وتأليب الرأي العام العالمي وبالأخص الغربي ضد السلطة الفلسطينية. وكما العادة كلما رد الفلسطينيون على الإرهاب الإسرائيلي، إستفاق العالم من نومه العميق وبدأت التصريحات الدولية تتوالى لصالح إسرائيل وإرهابها متجاهلة كل أشكال هذا الإرهاب التي يتعرض لها الفلسطينيون.

فلقد صرح المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت مكليلان، واصفاًً عملية الخضيرة بأنها "هجوم شائن على مدنيين أبرياء"، وأضاف مطالبا السلطة أن " تفعل المزيد لإنهاء العنف وأن تمنع تنفيذ الهجمات "الإرهابية""، وأجرت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الفلسطيني بعد هجوم الخضيرة وحثته على بذل مزيد من الجهد للحد من نشاط المسلحين. وقال شون مكورماك المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن رايس طلبت من عباس التحرك "ضد الجماعات الإرهابية!!". وصرح بأن الولايات المتحدة تقر بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها "لكننا أيضاً نشجع الجانبين على أن يضعا في الاعتبار عواقب أي عمل قد يقدمان عليه".

ومن جهة أخرى صدر بيان عن اللجنة الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة وقرأه شون مكورماك الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية "الرباعية تحث الحكومة السورية على اتخاذ الإجراءات الفورية الكفيلة بإغلاق مكاتب منظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية ومنع استخدام أراضيها لشن الهجمات الإرهابية"، وفي باريس، دان وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي "من دون تحفظ" العملية الانتحارية، وقال في بيان "انه عمل جبان ووحشي، مؤكدا أن "العنف والإرهاب لا يؤديان سوى إلى تراجع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين".

ودعا دوست بلازي إسرائيل إلى "ضبط النفس"، كما دعا السلطة الفلسطينية إلى التحرك بكل الوسائل التي تملكها "لوضع حد لتحركات المجموعات الإرهابية!!".

ودان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان عملية الخضيرة في بيان أصدره الناطق باسمه قال فيه "إن الأمين العام يعتقد أن الفرصة متوافرة لمعالجة الصراع الطويل بين الفلسطينيين والإسرائيليين .. يجب ألا يسمح بسقوط ضحايا في الصراع.. قوى الاعتدال والتفاوض يجب أن تسود". ودعا إلى "وقف فوري للتصعيد في كل أعمال العنف".

وكذلك، دان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا بحزم العملية، ودعا السلطة الفلسطينية إلى "بذل أقصى الجهود للعثور على مرتكبي الهجوم وإحالتهم على القضاء"، معتبراً انه "من الأساسي تجنب أعمال عنف جديدة في المستقبل، يمكن أن تحبط الآمال والتوقعات الإيجابية المرتبطة بفك الارتباط في قطاع غزة".

من جانبها دانت السلطة الفلسطينية عملية الخضيرة, وقال الرئيس محمود عباس في بيان صحفي "إن هذه العملية تضر بمصالح الشعب الفلسطيني، وتزيد توسيع دائرة العنف والفوضى والتطرف وإراقة الدماء .. انه من غير المسموح به أن يأخذ أي شخص القانون بيده". وعبّر عباس عن غضبه لوقوع هذه العملية في مثل هذه الظروف، معتبرا أن عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة والعملية الانتحارية "تعتبر خرقاً فاضحاً لاتفاق القاهرة، ولا يحق لأحد أن يأخذ القانون بيده تحت أي ظرف من الظروف".

ورفض شارون إجراء أي لقاء مع الرئيس الفلسطيني بذريعة أن "السلطة الفلسطينية لا تتخذ أي إجراء جدي ضد الإرهاب, واستغل وزير الجيش الإسرائيلي شاؤول موفاز العملية ليشكك في إمكانية حدوث سلام مع الفلسطينيين في ظل السلطة الفلسطينية التي يتزعمها الرئيس عباس!! وقال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت":" أشك في أن نتمكن من التوصل يوماً إلى اتفاق سلام مع القيادة الحالية للفلسطينيين, يجب انتظار الجيل المقبل", وأضاف قائلاً:" يمكننا التوصل على الأكثر إلى اتفاقات انتقالية، ولا أعتقد أن دولة فلسطينية سترى النور في السنوات المقبلة".

وأعلنت إسرائيل أنها بدأت "حرباً بلا هوادة" على حركة "الجهاد الإسلامي" وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى حتى يتم "اقتلاع الإرهاب" من جذوره على حسب قولها.

أنا لست ممن يؤيد قتل الأبرياء، والقتل من أجل القتل ليس من شريعتنا. إنما على الإسرائيليين أن يحذو حذو الفلسطينيين في التهدئة وتنفيذ التعهدات والالتزامات المترتبة عليهم . وعلى العالم أن يتوقف عن الكيل بمكيالين في قضية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي, فما لم يحدث ذلك ستظل المنطقة عائمة فوق بركان بارود.

كاتب فلسطيني - الدانمارك