الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

خصخصة السلام بقلم: ماجد عزام

نشر بتاريخ: 13/11/2005 ( آخر تحديث: 13/11/2005 الساعة: 21:08 )
معا- شيمعون بيريس نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي، مولع بالمصطلحات و المفاهيم البراقة، والغامضة بعض الشيء.

فمنذ تننفيذ خطة فك الارتباط الاسرائيلية مع غزة، ابتدع بيريس مصطلح خصخصة السلام ،للحديث عن المشاريع، والخطط التنموية التي يفترض تنفيذها ،لانتشال القطاع من الاوضاع الاقتصادية ،والاجتماعية الصعبة التي يعيشها .

بيريس يقوم بحملة دولية لحض رجال الاعمال، والقطاع الخاص، من مختلف دول العالم على الاستثمار في غزة، وهو يعتقد انه في ظل غياب وتردد الدعم الرسمي ووالخوف من انفجار القطاع تحت ضغط المشاكل الاقتصادية، والاجتماعية التي يعاني منها، لا بد من القيام بعمل عاجل وسريع ، ولم يجد بيرس من هو أفضل من القطاع الخاص والمبادرة الشخصية لانجاز المهمة .

بيريس باشر بتنفيذ، وتكريس خصخصة السلام ،عبر شراء الدفيئات الزراعية من المستوطنين بأموال جمعت بتبرعات وجهود خاصة وتقديم هذه الدفيئات للسلطة الفلسطينية لادارتها و تشغيلها بما ينعكس ايجابا على الاوضاع الاقتصادية قي القطاع .

الصفقة التي بلغت قيمتها "14 "مليون دولار ساهم فيها أثرياء يهود ،اضافة الى مبعوث اللجنة الرباعية الرئيس الاسبق للبنك الدولي جيمس وولفنسون، و هو يهودي ايضا، غير أن هذه الصفقة كما مصطلح خصخصة السلام نفسة، تعاني من ثغرات امنية وسياسية و حتى اقتصادية في ظل حالة الحصار الخانقة التي يفرضها جيش الاحتلال على القطاع و في ظل عدم وجود افاق سياسية لما بعد فك الارتباط.

يجب الاشارة ايضا الى ان السلطة الفلسطينية، عارضت اتمام الصفقة لعدة شهور ثم غيرت رأيها نتيجة لضغوط شديدة مورست عليها من قبل شيمعون بيريس وولفنسون ومسؤولين كبارفي وزارة الخارجية الاميركية .

مدير الشركة الاسرائيلية للتعاون ويدعى "بعزكارني " أحد المساهمين في الصفقة التي ادخلت "14" مليون دولار الى جيو ب المستوطنين الذين نالو تعويضا مرتين ،مرة من الحكومة ،و أخرى من بيريز و مستثمرين اخرين ، يبرر اتمام الصفقة بالقول ان الصفقة ستدر على المنتوج القومي الفلسطيني زيادة بنسبة" 5%"لان ارباح الدفيئات السنوية عند المستوطنين كانت تصل الى" 75 "مليون دولار.

المنتوجات المخصصة للتصدير الخارجي و السوق الاوروبية ،مضمونة ،وذات قدرة احتياطية متزايدة .الخطة ستوفر فرص عمل لنحو " 3000 " عامل فلسطيني يعملون في الدفيئات و "1500 "اخرين سيحلون محل العمال الاسرائيليين .

الصفقة و الشراكة الدولية فيها ستضمن عدم اغلاق اسرائيل للمعابر ،شركة مكودوت للمياه ستبيع للسلطة الفلسطينية "5 "ملايين متر مكعب اضافية من المياه سنويا اضافة ل "5" ملايين تبيعها الان ،الامر الذي يجنب السلطة استعمال مياه غزة الجوفية .

تبريرات و ذرائع "بوعزكارني" لا تصمد امام براهين المزارعين الفلسطينيين، الذين سرق المستوطنين افضل أراضيهم، وثرواتهم المائية.

عبد الكريم عاشور من لجان الاغاثة الزراعية يدحض ذرائع" كارني "على النحو التالي :في قطاع غزة " 114" ألف دونم من الدفيئات :دمر جيش الاحتلال "2200 "دونم من الدفيئات خلال السنوات الخمس الاخيرة و اضافة "4000" دونم من الدفيئات فرضت على الفلسطينيين كحقيقة مفروضة و لم تكن ثمرة لاختيارهم الذاتي ، و لولا هذه الاضافة القسرية لكان من الممكن جمع الاموال ،و القوى البشرية، و الافكار لاعادة تطوير القطاع الزراعي القائم، و تنمية وضع المزارعين الذين تضرروا و بصورة بالغة خلال السنوات الخمس الاخيرة، اضافة الى ذلك قد تؤدي الدفيئات الى هبوط اخر في اسعار الخضروات المتدنية اصلا في غزة بسبب القيود الاسرائيلية على التسويق الخارجي و التسهيلات الاسرائلية المتوقعة في تسويق منتجات الدفيئات بسبب الوساطة الدولية ستتسبب في حصولها على امتياز بالقارنة مع منتوجات المزارعين الاخرين الذين قد لا يتمتعون بترتيبات تسويقية و متشابهة الامر الذي سيشكل قاعدة لاحتكار اقتصادي و يزيد من التوترات الاجتماعية.

اما بالنسبة لموضوع المياه، يضيف عاشور ،فان استخراج المياه بصورة مفرطة حول 90% من المياه التي يستخدمها الفلسطينيون الى مياه غير صالحة للشرب اما المستوطنون فكانوا يتمتعون بامدادات مائية غير محدودة من المياه ذات الجودة ،4.1 مليون متر مكعب استخرجت من " 60 " بئرا في القطاع ،و 2.8مليون جاءت من شركة مكوروت الاسرائيلية من داخل اسرائيل .الاستهلاك الاسرائيلي السنوي للفرد الواحد في القطاع كان "1000"متر مكعب مقابل "23 "مترا مكعيا للفلسطيني و هذه الفوارق الهائلة توضح سبب قدرة المستوطنين على حيازة ربع دفيئات القطاع.

اما مدير عام الموارد المائية في مصلحة المياه الفلسطينية فاشار الى عدم قدرة السلطة على توفير مستلزمات دفيئات المسوطنين، التي اشتراها بيريز و رفاقه.

اليعقوبي قال لصحيفة هارتس أن المشاريع السياسية لتوسيع القطاعين الزراعي و السياحي قد تدمر الاحتياطي الجوفي بسرعة أكثر من المتوقع كما أن المفاوضات حول شراء 5 ملايين متر مكعب أخرى من اسرائيل قد تعرقلت طوال السنوات الخمس الماضية لأسباب منها أن السلطة لا تستطيع تحمل الثمن الذي تطلبه اسرائيل مقابل هذه المياه و هذا الوضغ غير قابل للتغيير في المدى المنظور .

أنه و حسب المعطيات السابقة بات من الواضح أن مفهوم خصخصة السلام سقط في أول امتحان جدي له .فبيريز كعادته اهتم بالشكل ،و المسألة الاعلامية أكثر من اهتمامه بالمضمون و الجوهر غير أن مصطلح خصخصة السلام كما مجمل حركة بيريز تعاني من ثغرات و نواقص عدة أبرزها :

-أن الاوضاع القتصادية و الاجتماعية في القطاع هي على درجة من السوء بحيث تبدو خطوات و مساعي بيريز مسكنات ليس الا ، ف 84% من عائلات القطاع هي تحت خط الفقر و ربع الاولاد يعانون من سوء التغذية و 31% من القوة العاملة في غزة عاطلة عن العمل تسبة البطالة بين الشباب تصل الى 48%وكالة غوث و تشغيل اللاجئين التابعة للامم المتحدة تزود نصف السكان بالغذاء ،في غزة لا توجد بنية تحتية صناعية و نقلية.التصدير يقدر ب "50" مليون دولار أكثره انتاج زراعي يمر عن طريق موانىء اسرائيل حيث تحط حمولات الشاحنات في المعابر و تنقل البضاعة من ظهر الى ظهر .

شيمعون بريس، في مساعيه للاستثمار في قطاع غزة يتجاهل حالة الحصار التام المفروضة على القطاع من قبل جيش الاحتلال، بعد خروجه من هناك ،و من البديهي انه لا يمكن الحديث عن خطة اعمار طالما ظل القطاع محاصرا علما انه لا جديد فيما يتعلق بالممر الامن بين الضفة الغربية و القطاع ،كما في المعابر التي تربط القطاع باسرائيل و بالعالم الخارجي

.بيريز فشل في انتزاع الاشراف على المفاوضات مع الفلسطينيين حول مستقبل القطاع و ظلت هذه المسؤولية مناطة بوزير الامن شاوول موفاز .،و حسب التجربة التاريخية فان الشروط ،و الهواجس الامنية الاسرائيلية اجهضت اي محاولة فلسطينية للاستقلال سواء سياسيا أو اقتصاديا.

لم يستطيع بريس تحقيق أي اختراق فيما يتعلق باعادة تشغيل المطار و الميناء في مدينة غزة و لا يمكن التعويل على نهضة اقتصادية حقيقية دون انجاز هذين المشروعين الذين يحتاجان الى سنوات لانجازهما، هذا في ظل رفع القيود الامنية الاسرائيلية و حتى الان ليس من حلول ناجعة قصيرة المدى يمكن ان تعوض غياب منافذ للتواصل المباشر مع العالم الخارجي .

- الأهم من كل ما سبق هو الانصات الى الحاجات الاجتماعية ،و الاقتصادية الفلسطينية الحقيقية ،و عدم السعي الى اتمام مشروع هنا او صفقة هناك، بغض النظر عن الجدوى الاقتصادية البعيدة للفلسطينيين ،و بعيدا عن الشروط الامنية الاسرائيلية التي لا تنتهي .

مدير مركز شرق المتوسط للخدمات الصحفية و الاعلامية -بيروت