الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

برشلونة بعد عشرة أعوام: دفعة جديدة لرؤية باقية

نشر بتاريخ: 24/11/2005 ( آخر تحديث: 24/11/2005 الساعة: 14:44 )
معا - في هذا الأسبوع نحتفل بالذكرى العاشرة للشراكة الأورو- متوسطية بالعودة للمدينة التي شهدت البداية: برشلونة. منذ عشرة أعوام كنت فخورا برئاستي لانطلاق مغامرة فريدة : عملية برشلونة. وفى القلب منها كانت تكمن رؤية ملهمة لعلاقتنا مع شركائنا المتوسطيين، ونداء للواجب أيضا. أن نخلق منطقة من الأمن المشترك، والتضامن المشترك، والأسواق والمجتمعات المفتوحة، على جانبي البحر المتوسط. وكان أسلوبنا في التعهد بتحقيق هذه الأهداف هو الشراكة الحقيقية والتعاون الوثيق بين الحكومات والمواطنين.

إن انطلاق عملية برشلونة جزء لا يتجزأ من استجابة أوروبا لوضع ما بعد الحرب الباردة والعولمة، كما أنه في المقام الأول فعل سياسي. فهو لا يكتفي بالاعتراف باعتماديتنا المتبادلة، وإنما يستهدف خلق "مجتمع متوسطي" جديد. وقد حققنا الكثير في الأعوام العشرة الماضية. إننا نعمل معا عبر تشكيلة المسئوليات الحكومية الكاملة: الاقتصاد، والأمن، والحكم الرشيد وأكثر منه. ولا توجد قضية "من الحساسية" بحيث يتعذر وضعها على جدول الأعمال. كما أن عملية برشلونة قد رسخت وجود شبكة من المتحاورين تتجاوز الحكومات، تمثل معملا رائعا للأفكار.

إلا أن عالمنا تغير أيضا منذ 1995، فنحن في حقبة ما بعد 11 سبتمبر، ولا بد أن نتعامل مع هذه الحقيقة. و من الممكن أن يصبح البحر المتوسط، من جوانب عديدة، نقطة التقاء لأخطار العالم الحديث: الفقر والحكم الرديء والإرهاب والاتجار في البشر والتطرف السياسي. إلا أن هذا البحر غير المستقر يظل في نفس الوقت تراثنا المشترك، ويمثل خلفية فريدة للتعاون.

أنا مؤمن بضرورة الالتزام برؤية برشلونة الأصلية، مع تعديل شراكاتنا للتركيز على التحديات الجديدة. وعلينا، قبل كل شيء، أن نحقن جرعة جديدة من الإلحاح في كل شيء نفعله. إن المشاكل تتراكم سريعا، ومن ثم يجب أن تكون قدرتنا على الاستجابة على نفس السرعة.

إن الشراكة الأورو-متوسطية ليست الإطار الدولي الوحيد للتعاون متعدد الأطراف مع هذه المنطقة، إلا أنها أكثر الإطارات تطورا، والأكثر تفضيلا من جوانب عديدة. والسبب هو أنه يشجع النمو والأمن في نفس الوقت، فنحن نرفض من يصر على التوجه التعاقبي، بحيث يأتي حل النزاعات أو الإصلاح السياسي أولا. إن روح برشلونة هي السعي إلى الإصلاح والأمن بالتزامن.

ولعله من الصحيح أن عملية برشلونة ولدت من الآمال الناجمة عن محادثات السلام فى أوسلو، ولا شك أن غياب السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يلقى بظلاله على جهودنا، لكن مسعى برشلونة هو مساندة عملية السلام، لا الحلول محلها.

علاوة على هذا فإننا، نحن الأوروبيين، قد عملنا بلا توقف لتشجيع التوصل إلى اتفاق سلام، ولطالما كنا أكبر المانحين للفلسطينين. ونحن نساهم الآن أيضا في العملية الدبلوماسية من خلال اللجنة الرباعية، وفى مجال الأمن. هناك مثلا جهودنا لتدريب الشرطة الفلسطينية، إضافة إلى جهودنا كمراقب خارجي على المعبر الحدودي في غزة. إنها تغيرات كبرى منذ 1995، حين لم تكن أوروبا طرفا مباشرا، لا دبلوماسيا ولا تنفيذيا، في عملية السلام.

إن الإصلاح والأمن شريكان لا يفترقان. من هنا فإن علينا أن نصعّّد تعاوننا أمام التهديدات الأمنية الجديدة ونحقن قوة دافعة جديدة في عملنا على صعيد التحديث السياسي والاقتصادي. ولا مجال للخطأ، فترويج الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان جزء من خطة برشلونة الأصلية. إنها قيم أساسية لدينا نحن الأوروبيين. ولذا فمن الطبيعي أن نسعى لترويجها في الخارج، ويسرنا أن يوافقنا شركاؤنا المتوسطيون على أهميتها. كلنا نعرف أن على الحكومة الناجحة أن تفي بتطلعات شعبها.

لكن ما الذي حققناه عمليا؟ لقد قدمنا المراقبين والمساعدة لتنظيم الانتخابات. وعادة ما تبرز عناوين الصحف مثل هذا النشاط، لكننا نعمل أيضا في مجال "بناء كتل" من الديمقراطية، من خلال مساندة المجتمع المدني، بتدعيم قدرات السلطة القضائية واستقلالها، وبترويج احترام حقوق الإنسان.

وهناك كثير من البلدان المتوسطية التي تقول إنها تريد التقدم على طريق الإصلاح السياسي، لكن بشرط أن يكون نابعا من الداخل، وهم بحاجة للعون. وأنا أتفق معهم، لذا يسرني أن يطلق الاتحاد الأوروبي ما يسمى بمرفق الحكم الرشيد. هذه المبادرة غير مخصصة للأغراض التجميلية، بل إنها تنوى ، على مدار سبع سنوات، أن تنفق عدة مئات من ملايين اليورو، على البلدان التي تحقق أكبر تقدم في مجال الحكم الرشيد. وبوسعها حينئذ أن تنفق الاعتمادات الإضافية على الأولويات التي وضعتها لنفسها. وهذا ما أطلق عليه شراكة حقيقية في مجال الإصلاح السياسي.

علينا أيضا أن نمنح التعليم المزيد من المال، وسوف نفعل. التعليم هو الرصاصة الفضية. وهذا يعنى من الناحية العملية تحسين المعايير ومحو الأمية وإصلاح المناهج وضمان المساواة بين الأولاد والبنات. كما أن التعليم يعنى انفتاح بعضنا على أفكار البعض الآخر. ولهذا فعلينا أن نزيد من التبادل الدولي عبر جانبي المتوسط.

أما حسن إدارة تحدى الهجرة المتزايد، فهو امتحان آخر لشراكتنا. الهجرة المشروعة ضرورة اقتصادية وديموغرافية لأوروبا، التي يجب عليها أن تحسن طريقتها في دمج من يبحثون عن حياة أفضل على ضفافها. أما الهجرة غير المشروعة فهي تقوم عادة على استغلال الضعفاء دون وازع من ضمير على يد مهربي البشر. ومن صالحنا جميعا، بلدان المنشأ والعبور والمقصد، من صالحنا أن نواجه تلك الشبكات الخبيثة.

ستشهد القمة الكثير من الخطب والإعلانات. فدعونا، وسط كل هذا، نتذكر أن الغرض من الشراكة الأورو- متوسطية هو خدمة مواطنينا، وإعداد مجتمعاتنا لمستقبل مليء بالتحديات. أما بالنسبة لي فإن عملية برشلونة هي في الأساس مشروع يحفه الأمل ووسيلة لمحاربة اليأس. وتحقيق إمكانياته الكاملة هو أمر يصب في واجبنا الجماعي، وصالحنا المشترك.

خافيير سولانا - الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي