فاكهة الملاعب: بهمة الرجال تحول الدوري إلى ورشة للفخار ، يحفر في جنباتها الشرفاء ثقوب الفجر الآتي ! بقلم :فايز نصار
نشر بتاريخ: 07/10/2008 ( آخر تحديث: 07/10/2008 الساعة: 10:42 )
بيت لحم - معا - بقلم :فايز نصار- الفصل الأول من بطولة دوري الراحل الكبير محمود درويش انتهى بسلام ، والمشاهد السبعة التي تضمنها الفصل الأول أكدت أن "في الحركة بركة" وان الشهية تأتي أثناء الأكل ... والمباريات السبعة والسبعين التي أقيمت حملت للمتشائمين رسائل تؤكد أن النجاح ممكن لمن أحسن الإعداد والاستعداد ، لأن أجدادنا طالما أسمعونا أن : من جدّ وجد ، ومن زرع حصد ، ومن سار على الدرب وصل !
علامة كاملة
سبع وسبعون مباراة أقيمت في موعدها ، باستثناء مباراة أجلت على خلفية الاحتجاج الواقعي لأندية العاصمة ، وقد تدارك الاتحاد الأمر وأعيدت المباراة ... وفي المحصلة أن 77 مباراة كانت امتحانا ناجحا للهيئة المشرفة على تسير الدوري ، وبالأرقام تُمنح اللجنة 76 نقطة من 77 في النتيجة النهائية ، وهذه لعمري نتيجة لم تمنح لأي من الجهات التي أشرفت على تنظيم البطولات الرياضية في بلادنا ، منذ تعلم الفلسطينيون لعبة الجلد المنفوخ !
النفس الطويل
بعد انقضاء الثلث الأول من الدوري أصبحت الأمور واضحة للجميع ، فلا تردد ، ولا تهاون ، ولا تراجع ،أيا كانت النتائج ، وأيا كانت هوية الأندية التي سترسب في امتحان القبول لمجموعة النخبة ، ولن تنال هذا الشرف إلا الفرق التي أحسنت الاستعداد ، والتي تملك عددا كافيا من اللاعبين الأساسيين والاحتياطيين ، لان الدوري طويل وشاق ، ويحتاج إلى نفس طويل ، والخيل الأصيل يا جماعة الخير لا تقود السباق في مراحله الأولى ، والسباقات الطويلة عودتنا على تكتيك خاص يكون ضحيته من يقبل على نفسه أن يكون أرنب السباق ، الذي يتنحى في المراحل المتقدمة ، تاركا قصب السبق للأصايل !
جسّ النبض
أقصد من كلامي هذا أن مباريات الثلث الأول يمكن أن تكون بداية المباراة ، التي تشهد مرحلة لجسد النبض ، والتعرف على مكامن القوة والضعف لدى المنافسين ، استعدادا للانطلاقة الحقيقة في النصف ساعة الثانية من المباراة ، وتأكيد التفوق في الثلث الأخير ، الذي لن يصله مع العشرة الأوائل إلا من يحسن ترتيب أوراقه ، ويوزع جهوده ، ويستخلص العبر الايجابية من عثراته !
قراءة النتائج
واستخلاص العبر يجب أن يمتد إلى النجاحات أيضا ، لأننا نشاهد كثيرا من الفرق التي لا يحسن المسئولون عنها قراءة النتائج ، ولا يحسنون حشد الهمم للمباريات القادمة بعد كل نجاح ، وتضيع الجهود في احتفالات يجب أن تؤجل حتى الجولة الأخيرة ، التي ستعلن النتائج النهائية لاختبارات الدوري العام .
تقارب المستويات
من أجل ذلك شاهدنا تقلبا في النتائج ، وغيابا للمنطق في كثير من المباريات ، حتى أصبح اللبيب يتردد ألف مرة قبل التكهن بنتيجة أية مباراة ، لأن أيّ فريق مهما كانت مرتبته ،قادر على الفوز على أيّ فريق أيا كان ترتيبه ، ومعنى ذلك أن الجولات القادمة قد تشهد احتداما متصاعدا للصراع بين مختلف فرسان الدوري ، وهذا قد يكون في مصلحة المستوى العام ، الذي ما زلنا نطالب بتحسينه ، كما أن الأمر قد يجلب مزيدا من الجلبة في المدرجات وفي الكواليس ، مما يقتضي مزيدا من اليقظة من اللجنة المسيرة ، ومحاصرة كل من تسول له نفسه العبث بنجاح هذا الدوري الحضاري ، والضرب بيد القانون على يد من يحاول وضع العراقيل أمام هذا النجاح المذهل !
تألق واد النيص
هذا النجاح المذهل توجه فريق واد النيص ، الذي يشكل عينة لنجاح القائمين على الدوري ، ولنجاح الساهرين على إعداد الفرق ، فواد النيص ينتمي لكوكبة المقدمة ، وهو قادر على تزعم الترتيب العام ان هو فاز في لقائه المتأخر أمام جنين ، ونجاح واد النيص في بطولة أبطال العرب يندرج ضمن المكافأة التي يستحقها أبناء الجبل التلحمي ، على مجهودهم الكبير خلال السنوات الماضية ، ولأن الجماعة يعتمدون على حسن النية ، والانتماء الكبير للمؤسسة الرياضية في القرية الصغيرة المنسية ، التي تحولت بفعل أقدام سميح يوسف وسمير جمال إلى عنوان هام لكرة القدم الفلسطينية ، فتحية لكل من ساهم في انجاز واد النيص ، وتحية لكل من ينتمي للفريق الواعد ، الذي أصبح يشكل أمل الكرة الفلسطينية ، وسنبقى نردد أن على من يلتقي واد النيص "أن يقيس قبل أن يغيص " !
بجدارة .. الامعري في الصدارة
في غياب واد النيص ، الذي راح يمخر عباب البحر الإفريقي ، وينحت في صخر الجبال المنسية في القرن الإفريقي ، ويقود كشفا فلسطينيا في أدغال القارة السمراء ... في غيابه تربع الامعري على كرسي الصدارة ، بكل مهارة ، وبكل كفاءة وجدارة ، بسداسية في مرمى العربي ، والطريق ممهدة أمام الأمعري لمواصلة التألق ، بفضل أرمادا النجوم ، ممن يضمهم الفيلق الأخضر ، وخاصة نجوم القطاع الحبيب بقيادة المدرب القدير غسان بلعاوي .
لولا تعادلات الجبل
يستحق الامعري الإشادة مع واد النيص ، تماما كما أن جبل القدس العالي المكبر ، لم تلن قناته ، ولم يخرج مهزوما في المواجهات السبع ، ورغم ذلك تأخر ترتيب الجبل العالي بفضل التعادلات الأربعة ، ويبدو أن الأمر يقتضي مزيدا من التركيز للفريق المقدسي ، الذي يضم جلاد الحراس احمد علان ، ويضم أيضا زحمة في النجوم البدلاء على دكة الاحتياط ، بما يوحي بأن فرقة الكابتن خضر عبيد قادرة على مواصلة رفع التحدي .
تراجع الفرسان
وعلى عكس المكبر يبدو أن عطبا أصاب مراكب الفرسان السمر ، مما يقتضي مسارعة إلى كشف أسباب الهزيمتين ، اللتين أبعدتا رفاق الهداف فادي سليم عن الصدارة ، والكلام نفسه يقال عن الثقافي ، الذي ما عودنا عل الفوز الشاق ، وما عودنا على التعب في الثلث الأخير من المباريات .
يقظة الأهلي والخضر
الإشادة هنا تمتد إلى شباب الخضر ، الفريق الذي حير الجميع في المباريات الأربع الأولى ، فعاد بقوة محققا ثلاث انتصارات متتالية ، ليقول للجميع : " نحن هنا .. وكتيبة بيت لحم الخضراء ما زالت لم تقل كلمتها الأخيرة" ... والكلام نفسه ينطبق على الأهلي الخليلي ، الذي تقدم إلى مشارف القيادة ، بفوز جدير على الهلال العاصمي ، والنتائج تؤكد أن الأهلي يسير في الطريق الصحيح ، خاصة وأن المباريات التي خرج منها خاسرا ، أو متعادلا لم تكن عادلة له ، وبمزيد من الخبرة ، وبمزيد من التلاحم بين التوليفة التي تضم لاعبين خرجوا من مشتلة الأهلي ، وآخرين قدموا للتعزيز سيضمن الأهلي هدفه الأول ، وهو البقاء ضمن مجموعة النخبة ، وهو قادر على ذلك !
زحمة الوسط
والغريب يا جماعة الخير أن ثلاث نقاط فقط تفصل بين الظاهرية صاحب المركز التاسع بعشر نقاط ، ونادي أبو ديس صاحب المركز التاسع عشر بسبع نقاط ، وعلى بعد نقطة من هذه المجموعة يرابط الأهلي باحدى عشرة نقطة ، ويرابط شباب يطا على الجهة المقابلة بست نقاط ، وكل هذه الأندية قادرة على اقتحام عالم المقدمة إذا تعلمت من درس الخضر وحققت ثلاث انتصارات متتالية ، لأن ذلك سيقربها من كوكبة المقدمة ، خاصة إذا كانت انتصاراتها على حساب أهل القمة ... والعكس صحيح يا جماعة الخير ، لان من ينهزم في ثلاث مباريات بعد اليوم ، سيتقهقر الى الدرك الأسفل ، وربما تمكن العربي ، أو حتى الاتحاد - إذا فاق ممثل جبل النار من غفوته - من اللحاق به .
الحظوظ متقاربة
والمحصلة أن كل الأندية ما زالت مهددة بالنزول إلى المجموعة الدنيا ، تماما كما أن كل الفرق قادرة على الفوز باللقب الغالي ، لأن كل فريق ما زال قادرا افتراضيا على الفوز ب 42 نقطة ، ورغم صعوبة الأمر إلا أن الأمر يعني بان الإنقاذ ما زال ممكنا حتى للاتحاد النابلسي ، تماما كما أن النجاة ما زالت غير مضمونة حتى لأهل القمة !
حاجز ال35
وحتى أكون أكثر وضوحا فان كل فريق يريد النجاة من السقوط نكرر انه يحتاج إلى خمس وثلاثين نقطة بالتمام والكمال ، وهذا يقتضي الفوز في عشر مباريات ، والتعادل في خمس مباريات أخرى ، بمعنى ان خسارة سبع مباريات تدخل الفريق في خانة الخطر .
حسبة أخرى
هذه الحسبة تكون أكثر واقعية عندما تبرز مجموعة من الأندية تحقق عددا كبيرا من الانتصارات على أندية بذاتها ، ولكن في حالتنا حيث يتقارب المستوى ، وتكثر التعادلات ، وتصبح النتائج غير واقعية ، فان المعيار الوسطي قد يهبط إلى حدود العشرين نقطة ، ومعنى ذلك أن حدة التنافس إذا تواصلت كما شاهدنا في الثلث الأول من الدوري ، قد تجعل الثلاثين نقطة خط النجاة .
معايير المفاضلة
وبالنظر إلى تقارب المستويات بين الفرق ، والانقلاب في النتائج ، فان مواقع الفرق على السبورة أصبحت متقاربة ، ولو تواصل الأمر حتى نهاية الدوري ، فان الجدل سيتصاعد حول المعايير المتبعة للمفاضلة بين الفرق على سبورة النتائج ، لأن اعتماد فارق الأهداف قد يجلب الظلم لبعض الفرق ، لأنه من غير الواقعي أن يتقدم الفريق "ا" على الفريق "ب" إذا تساوى الفريقان في المباراة ، عندما يكون الفريق "ب" حقق الفوز على الفريق "ا"في مباراتهما في الدوري ، ولذلك يجب أن تكون بداية المفاضلة هنا بنتيجة المباراة بين الفريقين ، وبنتائج المباريات بين الفرق ، التي تتساوى في عدد النقاط ، لتحديد بطل الدوري ، ولتحديد الفريق الذي يبقى في المجموعة "ا" وذلك الذي يرغم للهبوط إلى المجموعة "ب" .
عبرة من اسبانيا
والأمر ليس بدعة يبتدعها صاحب هذه الكلمات ، لأن معظم الدول لا تعير اهتماما لفارق الأهداف ، إلا إذا تساوت الفرق في نتائج المباريات مع بعضها البعض ، والأمر معتمد في الدوري الاسباني ، وقد شاهدنا كيف فاز الريال بلقب الدوري قبل عامين ، رغم تساويه في النقاط مع برشلونة ، ورغم أن البارشا كان يتقدم بفارق الأهداف ، وسبب تقدم الريال انه حصل على أربع نقاط من مجموع مباراتي الفريقين في الدوري ، ولم يجمع البارشا إلا نقطة واحدة .
معايير المونديال
وليس هذا فقط فان بطولة كاس العالم ، التي تشكل العينة الأمثل لتنظيم البطولات ، تعتمد المفاضلة في الدور الأول بناءا على نتائج مباريات الفرق في المجموعة الواحدة ، ولا يتم اللجوء إلى احتساب فارق الأهداف ، إلا في المرحلة الثانية ، عندما تتساوى نتائج الفرق وتتشابه !
بيضتوا وجوهنا
اعترف أنني كنت أصاب بالخيبة عندما افتح المواقع الالكترونية ، وأرى أن بطولة الدوري في كل بلدان الدنيا تصل إلى المحطات المختلفة ، وشعرت بالفخار وانا أشاهد دورينا يبلغ المحطة السابعة في زمن قياسي ، تماما مثل بطولة الدوري في فرنسا وايطاليا وانكلترا ، وقبل بطولة الدوري في الأردن وسوريا ، وأملي ان يوفق الله القائمين على هذا الدوري ، لأنهم بكل صدق ، وبعيدا عن المجاملة بيضوا وجوهنا ، وشرفونا ، وأكدوا للقاضي والداني أننا شعب قادر على رفع التحدي عندما يثق بقادته الرياضيين ، وعندما يرى أن الجميع سواسية في ورشة الانجاز الكروي ، التي أصبحت موقعا وطنيا يتنادى إلى جنباته المخلصون ، ممن يهتمون بأمور هذا الوطن المفدى !