الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

عمير بيريتس نموذج بين ميتسناع وفاليتسا... بقلم: ماجد عزام

نشر بتاريخ: 06/12/2005 ( آخر تحديث: 06/12/2005 الساعة: 12:32 )
معا- الفوز المفاجىء الذي حققه عمير بيريتس في الانتخابات الاخيرة على زعامة حزب العمل اطلق سيلا من التعليقات و التحليلات و ردود الفعل و اطلقت اوصاف عدة على فور بيريتس مثل انقلاب وتسونامي قبل ان تتوارى بالطبع حول الهزة السياسية التي احدثها ارئيل شارون بانسحابه من حزب الليكود و تشكيله حزبا جديدا تحت اسم المسؤولية الوطنية، و الحقيقة ان اهم ما كتب حول عمير بيريتس يتمحور حول مقارنته بشخصيتين سياسيتين احداهما سياسية و الاخرى عالمية.

الشخصية الاولى التي قورن بيريتس بها هي عميرام ميتسناع الذي انتخب لزعامة حزب العمل في العام 2003 على نحو مفاجىء ايضا وسرعان ما هوى بعدما تبنى مواقف ومنطلقات يسارية لحملته الانتخابية مقابل ارئيل شارون في نفس العام ، واستحضار نموذج ميتسناع عند الحديث عن بيريتس هدف الى القول ان هذا الاخير لن يحلق عاليا وسيهوي سريعا مثل ما فعل سلفه ميتسناع بالضبط بسبب المواقف السياسية الحمائمية التي يتبناها تجاه الصراع مع الفلسطينيين التي لا تستسيغها اغلبية واسعة من الاسرائيليين.

الشخصية الاخرى التي تم استحضارها لمقاربة الفوز المفاجىء لعمير بيريتس هي شخصية ليش فاليسا النقابي البولندي الذي نجح في في احداث تغيير اقتصادي وسياسي واجتماعي في بلده و من ثم الوصول الى سدة الرئاسة.

قبل التمعن و فحص فرص بيريتس و هل سيتقمص نموذج ميتسناع أو فاليسا أو ينتج نموذجه الخاص لابد من النظر و التمعن في المشكلات و المعطيات التي يواجهها فب حزبه حزب العمل، ويعتبر النجاح في حلها و التملص منها مؤشرا على قدرته على قيادة حزب موحد ومنسجم نحو انتخابات عامة ستكون حامية الوطيس بكل المقاييس.

والحقيقة يبدو بريتس مطالبا او مضطرا الى القتال على ثلاث جبهات داخل حزب العمل اذا ما شاء الانطلاق بقوة نحو الانتخابات العامة و المنافسة بقوة على المنصب السياسي الاول في اسرائيل اي رئاسة الوزراء و هذه الجبهات هي الطائفية والطبقية والشخصية او المهنية.

ميريتس اليهودي الشرقي القادم من المغرب سيواجه حزبا اشكنازيا في طابعه العام او حزبا هيمن عليه الاشكناز و فرضوا عليه طابعهم منذ تأسيسه حتى الان و في هذه الناحية تحديدا ستكون مهمته صعبة و مزدوجة فهو من ناحية مضطر للعما بكد و جهد لاثبات لبتعاده عن المغزى الطائفي و انه غير معني بتغيير هوية الحزب الا بما يتطابق مع البرنامج العام الذي تم تبنيه في المؤسسات المعتمدة و بما يزيد من فرصه في الفوز بالانتخابات القادمة و من ناحية اخرى عليه ان يخاطب الشارع اليهودي الشرقي و جذبه للتصويت لحزب العمل على اعتبار ان هذا الحزب ليس حزبا اشكنازيا و لا نادي للاشكناز ولم يكن كذلك و ان طبيعة وشخصية القائد و برامجه السياسة و تطلعاته العامة هي التي تحدد هوية الحزب، ومن هذه الزاوية تحديدا ينطلق بيريتس للقتال على الجبهة الثانية حيث انه القادم من صفوف الطبقة العمالية و صاحب التاريخ الطويل في النضال العمالي سيواجه طبقة او فئة برجوازية في حزب العمل تبنت في العقدين الاخيرين برنامجا اقتصاديا ليبراليا و لم تواجه بصلابة الخطوات الراسمالية لوزير المالية السابق بينيامبن نتنياهو التي طالما وصفت بالراسمالية الخنزيرية المدافعة عن مصالح الاغنياء على حساب مصالح الفقراء ومطالب الطبقات الضعيفة.

بيريتس سيحاول الدعاء انه لا يحارب مع طبقة ضد اخرى و انما يبحث عن العدالة والمساواة الاجتماعية و بالتالي يصر على رفع الحد الادنى للاجور الى الالف دولار تقريبا 4700 شيكل و يصر على اتباع سياسية اقتصادية حذرة لا تستند فقط على مطالب ومصالح الاغنياء و هو يتحدث عن اعادة بناء ما يسميها دولة الرعاية الاجتماعية و هي الصفة التي اطلقها مؤسسوا الدولة العبرية عليها منذ تاسيسها و تعرضت للتقويض والانهيار في السنوات الاخيرة و تحديدا بعدما تولى بينيامين نتنياهو وزارة المالية.

الجبهة الاهم و الخطر ربما قياسا للتجربة الاسرائيلية هي التجربة المهنية فعمير بيريتس لايمتلك اي ماضي عسكري او امني علما ان هذا الماضي مهما جدا و يعد مقياسا ذا اهمية و معتمدا في اسرائيل سواء للوصول الى زعامة الحزب أو منصب رئيس الوزراء ن وفيما يخص حزب العمل تحديدا فقد تعاقب على زعامته الجنرالات منذ تاسيسه وفي الانتخابات الاخيرة واجه بيريتس ثلالث جنرالات هم ايهود باراك و ماتان فلنائي و بنيامين بن اليعازر اما منافسه الرئيسي شيمون بيريز فيتباهى بخدمته الطويلة في وزارة "الدفاع" واشرافه على تاسيس و بناع المشروع النووي الاسرائيلي (مفاعل ديمونا).

بيريتس سيقاتل في هذه الجبهة معتمدا على ما يمتلكه من الخبرة الاقتصادية و يثير مشكلة استعمال الملف الامي والصراع مع الفلسطيننين للتغطية على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية و هو لن يكتفي بذلك فسوف يضطر الى احاطة نفسه بعدد من الجنرالات و رجال الامن البارزين للتعويض عن خبرته الامنية الضعيفة وهو نجح بالفعل في استقطاب احد الجنرالات البارزين و هو الجنرال عامي ايالون القائد السابق للشاباك وسلاح البحرية و الذي يعتبر مرشحه لوزارة الدفاع على حساب جنرالات الحزب القدماء.

اذا ما خرج بيريتس سليما معافى من القتال على الجبهات الثلاث سيكون عندئذ خاضعا لاختبار ميتسناع و فاليتسا غير ان الدلالات المبدئية اظهرت ابتعاده عن نموذج ميتسناع فبعد انتخابه مباشرة تحدث بيريتسبتصريحات حمائمية حيال الصراع الفلسطيني سبيهة بتصريحات ميتسناع حيث تحدث عن الشريك الفلسطيني و اشار الى طريق اوسلو بوصفها ما زالت حية و صالحة ن و تحدث بيريتس بازدراء عن خريطة الطريق و اكد على ضرورة السفر الى رام الله بدلا من واشنطن للمفاوضة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول قضايا الوضع النهائي و هي القدس و الحدود و اللاجئين و ما الى ذلك .

فترة قصيرة فقط و بعد نصائح مستشاريه غير بيريتس النغمة تماما و ابتعد عن الحمائمية واليسارية في تصريحاته واقترب مما يعلرق قي اسرائيل بالمركز او الوسط او نقاط الاجماع القومي و المقصود بالطبع رفض تقسيم القدس و الاصرار عليها موحدة عاصمة لاسرائيل والرفض المطلق لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وليس ذلك فحسب بل ان بيريتس تحدث عن جدار الفصل و ضرورة المضي قدما في بنائه علما ان هذه النقطة تحديدا تهدم برنامجه او رؤاه السياسية من جذورها في خطوة احادية تتم بتجاهل تام للشريك الفلسطيني التفاوضي الذي يتحدث عنه بيريتس و يكرس مفهوم النظرة الاحادية التي يتبناها ارئيل شارون منذ عامين تقريبا و يصر على المضي قدما و ممارستها.

بيريتس اعطى كذلك الموافقة على بناء 350 وحدة سكنية في مستوطنة معالياد ادوميم شرق القدس انها من المستوطنات الكبرى زو هذا الموقف تبناه شارون والحرس القديم في حزب العمل.

هذا في ما يخص تموذج ميتسناع اما نموذج فاليسا فيبدو بيريتس مصرا على الايحاء بانه اشتراكي ديمقراطي و ليس شوعيا كما يتهمه خصومه و هو يصر على العدالة و المساواة الاجتماعية و رفع الحد الادنى للاجور دون المس بقواعد و اسس الاقتصاد الراسمالية وهو يزعم انه ضد الراسمالية الخنزيرية فقط يريد فقط جعلها اكثر انسانية وعدالة.

من المبكر ربما الحكم على تجربة بيريتس و قدرته على النجاح الا انه ثمة شواهد و علامات متعلقة بخصوصية اسرائيل كدولة متفردة في طباعها و خصائصها فهذه الدولة القائمة على حد السيف و التي تعتبر الجيش هو بوتقة الصهر فيها حسب تصريح بن غوريون الشهير و الدولة التي رغم كل الاستطلاعات تعتبر الهم الامني السياسي هو الاساس لتوجه الناخبين و كيفية تصويتهم ،الدولة التي يحكمها الجنرالات بشكل متواصل خاصة في العقدين الاخيرين لم تصل بعد الى درجة التصالح مع نفسها كما مع محيطها ليس ذلك فحسب بل ان لبضرورات و الاسباب التي دفعت الاسرائيليين الى التصويت الكثيق لشارون في السنوات الماضية لم تزال على حالها فالشارع الاسرائيلي غير مهيئ لسلام عادل و شامل مع الفلسطينيين بكل ما تعني المصطلحات من معنى كما ان خيبة الامل من قادة الجيل الثالث -باراك-لم تزل على حالها و بعد التخلص من ما يسميه الاسرائيليين خطر الجبهة الشرقية بعد الغزو الامريكي للعراق ثمة تهويل و اثارة للمخاوف من القنبلة النووية و الصواريخ الايرانية و صواريخ حزب العمل و حتى صواريخ المقاومة الفلسطينية المتواضعة و كل المعطيات السابقة حاضرة بقوة في المزاج الاسرائيلي المزاج المستند على القوة و نزعة السيطرة و الهيمن و الامر الذي يجعل من نموذج فاليتسا في الحالة الاسرائيلية سراب ووهم ليس الا.

*مدير مركز شرق المتوسط للخدمات الصحفية-بيروت