الأحد: 12/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

جامعة بيرزيت تنظم ورشة عمل حول "تفكيك الاستعمار وبناء الدولة دور العملية التشريعية"

نشر بتاريخ: 06/12/2008 ( آخر تحديث: 06/12/2008 الساعة: 17:01 )
بيرزيت-معا- نظّم معهد الحقوق في جامعة بيرزيت اليوم السبت، ورشة عمل حول دراسة أنجزها المعهد مؤخراً بعنوان "الإصلاح القانوني في فلسطين: تفكيك الاستعمار وبناء الدولة".

وهدفت الورشة إلى تسليط الضوء على إسهام العملية التشريعية الفلسطينية في تحقيق إرادة المجتمع الفلسطيني تجاه إنهاء الاحتلال وإرساء أسس الدولة الفلسطينية، وذلك لاستنباط أجدى السبل فعالية في تعزيز بناء الدولة والانعتاق من الإرث الكولونيالي واستحقاقاته، من خلال عملية تقييم لنتاج المجلس التشريعي الأول، قد تساعد في بناء إستراتيجية تشريعية مستقبلية.

وتفحصت الدراسة التي اتخذت منحى دراسات "القانون والمجتمع"، وهو نمط يجاور بين البحث القانوني التقني والسوسيولوجي والسياسي، مدى نجاح العملية التشريعية في تحقيق هذا الهدف، وتلقي الضوء على النجاحات والإخفاقات، وتحاول اكتشاف أسباب الفشل والنجاح ضمن رؤية شمولية، غير مقتصرة على الجوانب التقنية في العملية التشريعية، ولا مهملة لها، بل واضعة إياها في سياقها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وواضعة الوضع الفلسطيني والحقبة قيد الدراسة في سياق الصراعات الكولونيالية وما بعد الكولونيالية.

وافتتح الورشة مدير المعهد د. غسان فرمند، مؤكدا على أهمية الدراسات القانونية الاجتماعية وما يعرف بالاجتماع القانوني، خاصة وأن الدراسات في هذا المجال شبه معدومة، مشيرا إلى أهمية دراسة الإصلاح القانوني وعلاقته ببناء الدولة، وذلك من خلال فحص العملية التشريعية وجوانب أخرى عديدة في المجتمع الفلسطيني ، كما أشار إلى أن الحوار في هذا السياق وضمن الدراسة سابقة الذكر مهم جدا من أجل ترسيخ مفاهيم في علم الاجتماع القانوني وإعداد أوراق مشابهة في المستقبل.

وفي كلمته أكد أستاذ القانون في الجامعة د. فراس ملحم خلال الجلسة التي أدارها الباحث المعروف والخبير بشؤون المنظمات الأهلية د.خليل نخلة، أن ما يميز العقلية الاستعمارية الإسرائيلية أكثر من أي استعمار آخر هو استخدام القانون، من أجل تحقيق مآرب كولونيالية تتمثل في السيطرة على جميع مناحي الحياة. ومؤدى هذه السياسة تقوم على أساس ضم الأرض دون السكان، ولتحقيق هذه السياسة كان هناك تغيير في أساليب تحقيق هذا الهدف من عملية "احتواء السكان"، وهي الفترة التي استمرت منذ الاحتلال إلى غاية الانتفاضة الأولى، إلى عملية "إخضاع السكان"، وهي المرحلة التي أعقبت الانتفاضة الأولى إلى عام 1993، وأخيرا مرحلة "مهادنة السكان"، وهي سياسة وسطية بين أسلوبي الاحتواء والإخضاع، وهي المرحلة المستمرة إلى غاية يومنا هذا.

وأشار د. ملحم أن الاحتلال استطاع بناء بنى كولونيالية في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مستخدما القانون في تحقيق السيطرة. وبهذه الطريقة أدخل تغييرات كبيرة على الموروث القانوني الأردني في الضفة الغربية، كما أدخل تغييرات هامة على الموروثين الانتدابي والمصري في قطاع غزة.

هذا الأمر استدعى أن تكون هناك مقاومة لتلك البنى الاستعمارية التي يحاول الاستعمار فرضها، حيث أسهمت مؤسسات المجتمع المدني وقوى المجتمع والانتفاضة الأولى في التصدي لما فرضه الاحتلال، من خلال القانون، وكان من نتائج ذلك تولد قناعة لدى القيادة الإسرائيلية حول عدم القدرة على السيطرة على شعب آخر.

في حين تحدث أستاذ القانون د. عاصم خليل عن "الإصلاح القانوني وبناء الدولة"، مشيراً إلى أن الإصلاح القانوني قُدم على أنه أساس لبناء الدولة المنشودة، وبالتالي فهو ممكن حتى قبل قيام تلك الدولة فعلياً. ولكن هذا الإصلاح محاط بجملة من المحددات فرضتها اتفاقيات إنشاء السلطة الفلسطينية التي وضعتها ضمن صلاحيات محدودة من حيث إطارها الوظيفي فيما نقل إليها من صلاحيات، وإطار جغرافي ضمن الحدود التي أعادت إسرائيل الانتشار خارجها، وشخصي فيمن يقيمون داخل تلك المناطق، ما أدى إلى عدم مقدرة السلطة ومنذ البداية على إدارة عملية الإصلاح بالشكل المطلوب إلا تحت السقف الذي فرضته أوسلو عليها، وبالتالي فإن ما قامت به السلطة الفلسطينية من إصلاحات في مجالات وتركها مجالات أخرى لعدم قدرتها على ذلك فعلياً أو حتى عدم قدرتها على التنفيذ، أوجد نظاماً مشوهاً لا يمكن معه الحديث عن إصلاحات حقيقية في سبيل بناء "الدولة".

وأضاف د. خليل أن الإصلاح في بعض المجالات كان مرتبطا في كثير من الأحيان بأجندات ورؤى مختلفة داخلية وخارجية، وبالتالي فإن أغلب التغييرات كان يرتبط بظروف آنية حالّة؛ ولم تعتمد على أجندات وخطط مستقبلية معدة بناء على ضرورات وأولويات فلسطينية. وخلاصة الأمر فإن كان من المفترض بأن الإصلاح القانوني ممكن قبل قيام الدولة فإن السلطة الفلسطينية لم تتمكن فعلياً من عمل الإصلاحات الازمة في ظل عدم وضوح في رؤيتها وارتباطها بأجندات واتفاقيات كبّلتها فمنعتها من القيام بالإصلاحات المطلوبة.

من جانبه تحدث د. مضر قسيس عن العملية التشريعية وتفكيك البنية الكولونيالية مستخدما في ذلك أدوات مفاهيمية مؤثرة في العملية التشريعية وتفكيك البنية الكولونيالية؛ كالنخب والعقد الاجتماعي وطبيعة النظام السياسي.

وأوضح د. قسيس أن العمل التشريعي في السنوات التي تلت تأسيس السلطة الفلسطينية لم يتمكن من إرساء الدعائم القانونية لدولة فلسطينية مستقلة قادمة، بل إن بصمات الإذعان أصبحت موسومة في البيئة القانونية للكيان الناشئ. وأن الطبيعة النخبوية لعملية نشوء السلطة الفلسطينية، وتعثر هذه العملية، مما اضطر للتوقف عند إنشاء سلطة الدولة دون الدولة ذاتها، وأن جلّ ما تمت مأسسته في هذه العملية يتعلق بأدوات الهيمنة بدرجة تفوق بشكل ملحوظ ما يتعلق بأدوات التعبير عن الإرادة العامة. وزاد من تشوّه البنية السياسية الاعتماد الكبير على الريع الخارجي، وقدرة المعارضة السياسية على تحصيل رصيد شعبي غير ناجم عن الدور الوطني، بل ناجم عن غياب النجاحات لدى نخبة السلطة.

وبين د. قسيس أن السلطة الفلسطينية لم تتقدم باتجاه إنشاء اقتصاد وطني مستقل، ولم تستكمل عملية توحيد الضفة وغزة من ناحية التشريعات الاقتصادية.
وفشلت السلطة الفلسطينية في تحقيق أي تقدم في المجالات الحيوية لتحديد طبيعة الدولة من منظار عناصر رئيسة كالحدود، والسكان. وفشلت في مأسسة عناصر مستدامة لشرعيتها، وفي غياب الشرعية والقدرة على الحماية نتج نظام زبائني، حيث نشأت ريعية مرتبطة بالدعم الخارجي، فكان من السهل الانتقال إلى وضع تم فيه تجميد السلطة التشريعية، وفقدان السلطة التنفيذية نسبة عالية من شرعيتها (بسبب ازدواجيتها من جهة وبسبب فشلها في أن تكسب شرعية محلية في الشارع الفلسطيني غير معتمدة سياسيا على فاعلين خارجيين)، وتراجعت فيه السلطة القضائية، وباتت السلطة الرابعة غير قادرة على الدفاع عن نفسها، ولم تتمكن النخبة الأهلية من توسيع رقعة شرعيتها وتعزيز مكانتها رغم ظروف الفراغ الذي أحدثه تخلخل السلطات.

وختم د. قسيس بالقول:"أما النجاحات التي يمكن تلخيصها بالتقدم بقدر أو بآخر في عملية التأسيس لمقومات الدولة، وتثبيت الكيانية، وإرساء أسس مؤسسية وأطر قانونية للعملية الديمقراطية، وعملية الإدارة، وما شابه، فهي عناصر ضرورية وهامة بيد أنها ما زالت تحتاج إلى مزيد من التوطين، بمعنى أننا نحتاج إلى التأكد من سماتها الوطنية، ومن أنها تشكل مقومات للتحرر بدلا من التبعية، ومعيار ذلك إعادة إخضاعها للنقاش المجتمعي، والتأكد من أن البنية التشريعية تشكل تعبيرا معقولا عن العقد الاجتماعي الوطني".

وقدم د. جميل هلال قراءة نقدية لهذه الدراسة، تلاه د. إسماعيل الناشف الذي تحدث عن نقد أساليب شرعنة الصراعات الكولونيالية في الرأسمالية المتأخرة.

يذكر ان الفريق البحثي الذي أعد هذه الدراسة هو محمود دودين، مروان مطير، ميسا زعرب، كمال الشافعي، وضحه عواد وروان بزبزت، بالإضافة إلى د. فراس ملحم ود. عاضم خليل ود. مضر قسيس.

وكان قد شارك في الورشة عدد من الأكاديميين من مختلف الجامعات الفلسطينية والباحثين والطلبة الجامعيين والقانونيين في وزارات السلطة الفلسطينية، وأعضاء المجلس التشريعي الأول وممثلين عن منظمات المجتمع المدني.