تناقض مارادونا ! بقلم فايز نصار
نشر بتاريخ: 07/12/2008 ( آخر تحديث: 07/12/2008 الساعة: 11:09 )
بيت لحم - معا - في مونديال السويد سنة 1958 اكتشف عشاق الكرة موهبة ، سميت بعد ذلك الجوهرة السوداء ، لقبا لملك الكرة بيليه ... وفي الميني مونديال ، الذي استضافته جزر الشمس الشرقية سنة 1979 أنجبت الملاعب عبقري الملاعب دييغو أرماندو مارادونا .
يومها انبهر الكرويون بفتى كان يداعب الكرة وتداعبه ، حتى تخالها ملصقة بقدميها ، يشكل منها ما شاء من اللوحات ... كان الفتى يسير ،وكانت النتائج من خلفه تسير ، وكانت الملاعب ترفع القبعات للفتى الذهبي ، الذي ملأ الدنيا إبداعا ، وشغل الناس بحكاياته ، التي لم تنطوي صفحاتها بعد !
عندما استضافت البلاد الفضية المونديال قبل ذلك بسنة ، كان الأرجنتينيون يخبئون للعالم جوهرتهم النفيسة، وفضلوا عدم المغامرة والزج بالصبي في المواقع الكبرى ، فتكفل باساريلا وادريلاس وكامباس بالمهمة ، وخطفوا الكأس الغالي من أنياب الطواحين !
نادي برشلونة الاسباني ، الذي له عيون تنتشر في كل مكان اختطف الفتى الأرجنتيني ، وصقل موهبته ، بتوجيهات من كبار المدربين العالميين ... وبسرعة ساهم مارادونا في صناعة صفحات من المجد مع البلوغرانا ، قبل احتدام معارك الاسبان العالمية ، التي شهدت خسارة افتتاحية لكتيبة التانغو أمام شياطين بلجيكا الحمر ، ففقد مارادونا أعصابه في لقاء الفريق الذهبي ... وخرج مارادونا بالأحمر من المباراة الأهم ، وخرج بفارق النقاط من المونديال الأول له .
كانت المرحلة الثانية في حياة مارادونا في معقل المافيا جنوبي ايطاليا ، في صفوف لنابولي ، الذي قاده لألقاب لم يكن سماوي ايطاليا يحلم بها ، ولكن مستطيلات ايطاليا الخضراء قبلت ترويض مارادونا ، وذهبت بأغلى الألقاب ثلاث مرات جنوبا ، على مرأى من قطبي ميلانو ، المدججين بأرمادا من النجوم .
نجاح مارادونا في ايطاليا توج بنجاح دولي في مونديال المكسيك ، وكانت أحدى محطات النجاح هناك على حساب الأزوري ، فجن جنون المافيا ، ودبرت سلسلة من المكائد للفتى الأرجنتيني .
من يومها اسودت صفحات مارادونا ، الذي ارتكب السبعة وذمتها ، وشرب من كل مشارب السوء والعار ، فتعاطى المخدرات ، وتناول المنشطات ، وأطلق النار على الصحفيين ، وجاء إلى بلادنا بتصريحات بررت جرائم الاحتلال .. وغيرها وغيرها .
إنها تصرفات لم تكن تليق بملامح العبقرية ، التي فطر عليها مارادونا ، ولكن الرجل تورط في الفضائح حتى أذنيه ، فعاد إلى ايطاليا في المونديال الكبير ليخسر النهائي أمام الماكينات الجرمانية ، ورفض مصافحة هافلانج ، رئيس الفيفا احتجاجا على ما أسماه انحيازه ، وقضى المبدع سنوات عجاف ، حتى عاد إلى المونديال الأمريكي بعد أبع سنوات ، وخرج من الباب الخلفي ، بعد سقوطه في اختبار المنشطات .
بعد ذلك حصل تغير ايجابي هام في حياة أمير الكرة ، فأخضع نفسه لعلاج جاد من آفة المخدرات ، وأعلن عن مواقف سياسية غير مسبوقة ، عبر علاقة حميمية مع خليفة تشي جيفارا ، المناضل الكوبي فيدال كاسترو ، وذهب إلى ليبيا في مهمة لمناهضة الحصار الأمريكي هناك ، وساهم في قبول صديقه ومدربه الدكتور بيلاردو الإشراف على المنتخب الليبي الأخضر ، وأعلن عن مواقف مؤيدة للعراق ، ورئيسه الراحل صدام حسين في مواجهة الغزو البوشي ، وكانت له الكثير من المواقف الأخرى ، التي جبت ما ارتكب قبل ذلك من حماقات .
والآن ... وبعد تولي مارادونا مهمة المدير الفني للمنتخب الفضي ، قام مثير الجدل بزيارة إلى بلد الأجداد الهند ، بلد العجائب والغرائب ، ومن كلكتا الهندية فقع مارادونا تصريحا سياسيا غير عادي ، وصف فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنه يحمل سمات القتلة ! مرحبا بخليفته الإفريقي الأسمر ، الذي أصبح سيد البيت الأبيض .
في حديثه للصحافة بالهند دان مارادونا الهجمات غير الإنسانية بمومباي ، وعبر عن اعتزازه بصديقه كاسترو ، الذي كان يتبادل معه السيجار الكوبي ، ويتناقش معه في أمور السياسة ، مما ترك فيه أثرا كبيرا !
كالعادة كان مارادونا أمام اختبار جديد للمقارنة بينه ، وبين الملك بيليه ، فكان الردّ المارادوني الطريف : أمي كانت ترى أنني الأفضل في العالم ، وإن كانت تقول كذلك فالأمر حقيقة ".
ونحن لا نكذب العجوز ، التي من حقها أن ترى ابنها غزالا ، وليس منة حقنا أن ننتقص من موهبة الفنان الأرجنتيني ، الذي أسمعت مواهبه الكروية من به صمم ، ولكن أليس من حقنا أن نعتب على مارادونا - لأننا نحبه كنجم غير عادي - أن استفاقته السياسية كانت متأخرة ؟
رغم ذلك نعتقد أن مارادونا أصاب كبد الحقيقية ، لان الحقبة البوشية كانت حافلة بالحروب ، التي خربت بيوت العراقيين والأفغانيين والصوماليين ، ولم تجلب للشرق الأوسط إلى الدمار ،ولم تجلب للاقتصاد العالمي إلا الضربات الأكثر إيلاما وايجاعا في التاريخ !
والحديث ذو شجون