الإثنين: 06/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

انطباعات وردود أفعال حول الانتخابات الاسرائيلية القادمة

نشر بتاريخ: 23/12/2005 ( آخر تحديث: 23/12/2005 الساعة: 12:15 )
معا - قرار إجراء انتخابات مبكرة للكنيست، كان قراراً لا يمكن تجنبه للأزمة العميقة داخل النظام السياسي الاسرائيلي، أو في داخل أحزابه المختلفة. والأزمة هنا تشمل جميع الأحزاب السياسية، فرئيس الوزراء آرييل شارون، وحتى اللحظة الأخيرة لمغادرته حزب الليكود اليميني، كان في موقع الأقلية في حزبه. ثم جاء قرار إقالة شمعون بيرس من قيادة حزب العمل، الذي تلاه طلب أمير بيرتس - رئيس حزب العمل الجديد - من وزراء حزبه الاستقالة من حكومة شارون.

بعد أن خسر شارون دعم حزب العمل أصبح يعتمد بصورة كاملة على خصومه في حزب الليكود. وهذه حالة لا تمكنه من تنفيذ أي سياسة منسجمة. لقد أصبح اهتمام شارون يتركز الى حد كبير في الحفاظ على مكانته كشخصية عظيمة في العصرا لحديث، وليس فقط كبطل مجازر صبرا وشاتيلا المعروفة في عام 1982. لقد أدرك وهو في الثمانين من عمره، أنه لا يملك الوقت الكافي من أجل تحقيق ذلك. ولهذا وبصورة تنسجم مع طبيعته، قام بمخاطرة كبيرة وقرر مغادرة حزب الليكود، وإقامة حزب جديد، بدون منافسيه التقليديين بنيامين نتنياهو وعوزي لنداو.

توصف صورة الغليان الحالي في الخارطة السياسية الاسرائيلية غالباً بأنها تشبه هزة أرضية، ويمثل تكوين آرييل شارون لحزب كاديما (الى الأمام) فاتحة عهد جديد. هذا التصور بالرغم من كل ذلك فيه شيء من المبالغة الى حد ما، لكن دعونا نرى لماذا؟
وذلك من خلال تحليل ثلاثة جوانب من واقع الحياة السياسية الاسرائيلية.

أ - شارون جديد أو ليكود جديد:
يتم غالباً تصوير الحركة الاخيرة لآرييل شارون على أنها نتيجة لتخليه عن ايدولوجيته السابقة " انقلاب نحو اليسار". تحليل سياسات شارون يحتاج الى معالجة خاصة. ولكن دعونا هنا نكتفي بالاشارة الى عدم وجود دلائل هامة تشير الى تغيير في خط شارون السياسي. ذلك أن ما حدث يشير في الحقيقة الى تحول حزبه القديم نحو اليمين.

لقد تغير حزب الليكود عما كان عليه في عهد مناحيم بيغن، وهذا التغيير الاساسي ليس تغييراً ايدولوجياً رغم أن اليمين المتطرف مثل غوزي لنداو أصبح اليوم اكثر قوة من الماضي. إن زعماء الليكود مثل بنيامين نتانياهو أو سلفان شالوم ليسا بالضرورة اكثر توجها نحو اليمين من آرييل شارون، ولكن كان استخدام الديماغوجية اليمينية يهدف الى الحصول على القوة في داخل الحزب وعلى المستوى الوطني اذا كان ممكناً.

الجديد في قيادة حزب الليكود هو ظهور بمجموعات ذات مصالح قوية، وهي تشمل عصابات من المافيا المرتبطة ببعضها البعض- تحارب بدون نهاية من أجل حماية مصالحها المادية والمالية وتوسيعها، وترتبط في إطار الليبرالية الجديدة الشرسة بمجالات الاعمال والمجالات السياسية، وبالنسبة للعديدين فان اللعبة السياسية هي وسيلة فقط من أجل الوصول الى السيطرة الاقتصادية، والسيطرة على الأسواق، والحصول على مشاريع جذابة والكثير من الأموال، فالصراع الايدولوجي ليس اكثر من طريقة من أجل تحقيق المصالح المادية الشخصية.

ولا يقتصر هذا الانحلال على حزب الليكود، فهناك العشرات من كبار رجال السياسة من معظم الاحزاب السياسية المتورطين حالياً في محاكمات ومساءلات بسبب الفساد أو سوء استخدام الاموال العامة. وحزب الليكود هو من اكثر الاحزاب تورطاً في هذا المجال، بما في ذلك قادة تركوا الحزب كالوزير السابق تشاي هانقبي وآرييل شارون نفسه بطبيعة الحال.

ولن يستطيع احد أن يفهم عمق المشكلة، وأن الحقيقة هي أن الفساد والمافيا السياسية اصبحت جزءاً من الثقافة السياسية الاسرائيلية. إن قدرة آرييل شارون خلال السنوات الثلاث الماضية في الحصول على دعم حزبه من أجل اتخاذ قرارات سياسية، كان نتيجة مباشرة - لانجذاب النخبة الساسية الاسرائيلية الى مصالح شخصية ضيقة، وهذا يؤدي بطبيعة الحال الى عدم امكانية تطوير اجندة وطنية.

ب - موت حزب العمل القديم:
حزب العمل الذي كان مهيمناً على الحياة السياسية في اسرائيل حتى في منتصف السبعينات، دخل - بموت اسحق رابين- مرحلة الانحلال. فقد غادره اكثر من نصف منتخبيه الى تشكيلات سياسية أخرى. وفقدت قيادته اي شكل مستقل على المستوى السياسي أو الاجتماعي والاقتصادي. وأصبح الحزب ظلاً باهتاً لحزب الليكود ولزعمائه، وكان شمعون بيرس على استعداد لقبول أي شكل من اشكال الاذلال من أجل الحصول على مقعد صغير في حكومة يتزعمها الليكود. كما غادر الحزب قبل أربع سنوات جميع افراد الحزب اليساريين من أجل تكوين حزب " ياحاد" الذي لم يتمكن من تحقيق النجاح.

كان الحديث عن الموت السريري لحزب العمل قبل ثلاثة أشهر فقط حديثاً شرعياً، كما كانت التوقعات بانتهائه قريباً. ورغم ذلك كانت هناك طاقات دفينة في صفوف وملفات الحزب قررت في اللحظة الاخيرة إقالة شمعون بيرس والبيروقراطية القديمة، وبالتالي استبدال شمعون بيرس بالرجل الوحيد القادر على اعطاء الحياة من جديد لحزب العمل وهو امير بيرتس.

انتخاب أمير بيرتس على رأس حزب العمل لا يعد تغييراً في السياسة فقط، وإنما يعد أيضاً بمثابة بناء حزب عمل جديد على انقاض حزب العمل القديم. ويمثل الزعيم السابق لاتحاد العمال في اسرائيل جيلا جديداً، وتوجهات اجتماعية جديدة، فهل سينجح؟ يعتمد ذلك قبل أي شيء على قدرة بيرتس والستعداده لاستنهاض حركة جماهيرية حول برنامج اجتماعي وبرنامج سياسي واضح في ضوء ذلك من المبكر التنبؤ الى أي مدى يستطيع أمير بيرتس أن يذهب.

ت - نهاية الاجماع:
رغم كل ما تقدم فان من الامور الثابتة أن "الاجماع الوطني الجديد" الذي تكون عام 2000 من قبل ايهود براك، وتبعه في ذلك آرييل شارون قد مات. وقد قام هذا الاجماع على الانفرادية والحرب الوقائية الدائمة ضد " الاهاب الفلسطيني"، من جهة وعلى سياسات اجتماعية وسياسية اقتصادية شرسة من جهة أخرى.

وليست نهاية هذه الفترة كما يحاول أن يفسرها العديد من الباحثين نتبجة لانقلاب آرييل شارون، وانما هي نتيجة موت حزب العمل القديم وظهور حزب جديد للعمل. هل سيستمر هذا أم سيكون مصير بيرتس شبيها بمصير عمرام متسناع، الذي حاول قبل أربع سنوات فقط اعادة اصلاح حزب العمل، لكنه أجبر على الاستقالة بعد ستة أشهر من انتخابه كرئيس لهذا الحزب. مع ملاحظة أن بيرتس يمتلك صفتين يتميز بهما عن متسناع: فهو معروف بأنه محارب من جهة ولديه قاعدة اجتماعية وسياسية في مؤسسة الهستدروت القديمة من جهة .
وفي نفس الوقت الذي تهب فيه رياح جديدة على ساحة النقاش السياسية في اسرائيل، وان الخطاب الوطني الاسرائيلي لم يعد كما كان منذ وفاة رئيس الوزراء اسحاق رابين: فان الحديث عن القضايا الاجتماعية لم يعد شيئا سيئاص وانهاء الانفرادية لم يعد الآن من الامور التي يحظر الحديث فيها.
بقلم ميخائيل واشوفسكي
رئيس مجلس امناء مركز المعلومات البديلة
ناشط يساري اسرائيلي