السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ألانتقام من رام الله (العاصمة) بقلم - الباحث أكرم عطا لله العيسة

نشر بتاريخ: 04/01/2006 ( آخر تحديث: 04/01/2006 الساعة: 12:40 )
معا - قبل اقل من أسبوعين جرت إحدى مراحل الانتخابات البلدية في بعض المدن الفلسطينية الكبيرة وكذلك بعض الصغيرة منها, وكانت النتيجة أن فازت في معظم المدن الكبيرة وحتى الصغيرة منها حركة حماس, بلا شك وبشهادة الكثير من المراقبين المحليين والدوليين كانت الانتخابات ديمقراطية إلى حدا كبير, وقبل ذلك بما يقارب الأربعة شهور أيضا جرت مرحلة أخرى من الانتخابات في بعض مدن وقرى الضفة الغربية وحازت حماس على نصيب لا بأس به. دفعت هذه النتائج الكثير من الأسئلة إلى رأسي كما هو الحال لدى الكثير من الفلسطينيين, والسؤال الأكبر والأكثر أهمية هو : لماذا هذا التراجع لدى حركة فتح علما أنها تيار علماني يضم الكثير الكثير من العناصر المتدينة ؟ وهل القضية هي نزوع جديد لدى المجتمع الفلسطيني نحو تيار الإسلام السياسي؟ وكذلك لماذا التراجع الحاد والتدهور غير المتوقف لدى معظم تيارات اليسار الفلسطيني؟

بدون تفكير عميق فإننا نعلم تماما إن لذلك صلة واضحة بالمتغيرات التي حصلت على الصعيد العالمي منذ الحادي عشر من سبتمبر 2000 وما لحق بذلك من حالة الهجوم الواسع اتجاه الإسلام والمسلمين سواء أكان ذلك على صعيد الدول أم الأفراد, وكذلك ما حل بالعراق وحالة الدعم المتواصل لإسرائيل, لكن هل هذا هو السبب الرئيسي أو الوحيد الذي يخلق حالة التقاطر الجديدة عندنا في فلسطين؟

سافرت يوم 20 كانون الأول 2005 متوجها إلى رام الله, وكان ان تصادف ذلك مع افتتاح حاجز قلنديا ( معبر قلنديا) بحلته الجديدة, واعتقدت في بداية المشوار خاصة عندما لم تصادفنا تأخيرات طويلة عند حاجز" الكونتينر" ان يومي سيكون سلسا, وعند وصول إلى حاجز قلنديا بدا لي نظيفا ومرتبا؟ ووردة حمراء تتقدمه, آملة لنا الرخاء والازدهار؟
لم أر في حياتي لمثل حاجز قلنديا - بحلته الجديدة - من مثيل في الأهانة !!! سافرت إلى أوروبا, أمريكا, أفريقيا والعالم العربي, حاولت أن أتذكر إذا كنت قد شاهدت يوما في حياتي أي فيلم وثائقي عن التنقل والسفر والقمع مثيلا لهذا المعبر فلم أجد سوى معبر ايرز على مدخل غزة (أيضا معبرا آخر للقمع وعدم التواصل).
و حتى أن جسر الملك حسين الذي ينقلنا إلى العالم ليس بمثل وقاحة واهانة ( معبر قلنديا). إن موضوعي هنا ليس هو الكتابة عن معاناتنا على هذا المعبر ولا عن الحواجز الكثيرة الممتدة على طول الوطن وعرضه بفعل الاحتلال وحجة لأمنه, إنما حول المعنى السياسي لذلك, واثر ذلك على النسيج الاجتماعي الفلسطيني وعلاقة سكان مدنه المختلفة بواقع رام الله كسلطة, كمركز وكذلك علاقة مؤسسات المجتمع المدني الصغيرة والبسيطة بكبريات المؤسسات الغير حكومية في رام الله, وكيف يؤثر ذلك في حالة التغيير السياسي الراهنة.

في إحدى سفرياتي القليلة من والى رام الله, وبالتحديد عند العودة إلى بيت لحم, كانت الساعة هي الرابعة مساء عندما وصلنا إلى حاجز" الكونتينر", كان صف السيارات المنتظرة يقارب النصف كيلومتر, وبدأ الألم يعتصرنا, كان إلى جانبي شاب من إحدى قرى بيت لحم, توجه في الصباح الباكر الساعة السابعة إلى رام الله من اجل توقيع بعض الشهادات لدى وزارة التعليم العالي, لم يتمكن من تحقيق ذلك في نفس اليوم وبالتالي عليه العودة إلى رام الله في يوم آخر.
لم يكن الموضوع هنا هو الخلل أو البيروقراطية فذلك يمكن أن يحصل في أي مكان في العالم, لكن الموضوع هو الألم والمعاناة الناتجة عن السفر والحواجز والانتظار, كان ذلك الشاب غاضبا جدا مثل الكثيرين غيره في سيارة المرسيدس العمومي التي نركبها, جميعنا كنا غاضبين من الاحتلال ، فهو السبب الأساسي لماساتنا, ولكننا أيضا شتمنا السلطة, فماذا يعني أن نقيم مؤسسات مركزية في دولة ليست بدولة؟

وما معنى أن يضطر مواطن فلسطيني يسكن جنين إلى الانتقال لرم الله لكونه موظفا في احد الوزارات؟ فهو يجد نفسه مضطرا للبحث عن سكن في رام الله تجنبا لأربع أو خمس ساعات سفر يوميا.
إن مثل هذه الأمثلة خلقت وعمقت الكثير من الكره وأحيانا بعض الحقد على رام الله ( كعاصمة وسلطة) وليس كسكان فرام الله كانت ومازالت المدينة الفلسطينية الأبرز في استيعاب وتقبل كل سكان جديد في زمن نحن أحوج فيه إلى لامركزية من نوع يناسب واقعنا الفلسطيني الذي بدا مختلفا في الانتفاضة الأخيرة.
قد يقال أن كل عواصم العالم تجتذب سكان المحافظات وهذا شكل من أشكال الهجرة الداخلية الطبيعية جدا, تحصل في الدول المتقدمة وكذلك في دول العالم الثالث!!
لكن ما قد ينطبق على دول العالم ليس بالضرورة ينطبق علينا, فنحن ما نزال تحت الاحتلال بأبشع صوره, ورام الله لم تحمل اسم عاصمة, وليس من الضروري أن يتم ذلك, وما ينطبق على بلد قريب جدا منا مثل الأردن, لا ينطبق علينا ابد لأنك تستطيع أن تسافر من اربد إلى عمان في مدة الساعة والنصف دون منغصات. فلماذا ندفع بقطاع واسع من شعبنا إلى الانتقال ألقسري إلى رام الله؟ وليس فقط الشعب بل حتى قياداته التي انتخبت في الانتخابات التشريعية الأولى رحلت إلى رام الله وفقدت التواصل مع منتخبيها.
لن استمر في سرد الكثير من القصص والأمثلة والتي تعج وتحيط بنا من كل جانب والتي بسبب عدم الالتفات إليها ساهمت بل شكلت حالة البعد والشقاق وحتى التناقض ما بين رام الله كسلطة وباقي محافظات الوطن, حيث أحست الكثير من هذه المحافظات برغبة الانتقام من تلك السلطة السياسية والتي تتربع على رأسها حركة فتح.
وقد بدأت حالة التناقض تظهر من خلال محاولات الاعتداء الكثيرة على شخصيات سياسية مركزية, مثال ما حصل في نابلس, طولكرم, خانيونس وبيت حانون, وكم من مرة أغلق سكان بيت حانون الطريق لمنع الوزراء وبعض أعضاء المجلس التشريعي من السفر إلى رام الله. إن كل تلك الحالات والكثير غيرها لا يمكن فهما إلا في دائرة الاحتجاج على رام الله.

أما المرحلة الراهنة فقد باتت الأمور تنحى إلى أبعاد سياسة أكثر خطورة , فالفوز الحاسم لحماس في مدينة نابلس أيضا هو ذا صلة بعدم قدرة المركز بالاهتمام بالمحافظات.وشعور السكان أن قيادات سياسية أخرى غير تلك التي تقف على رأس السلطة في رام الله هي أكثر تواصل معهم ومع همومهم,

يبدو أن حالة مركزة العمل في رام الله لا تنطبق فقط على السلطة الفلسطينية ورأسها فتح بل كذلك هو الحال مع كل فصائل اليسار الفلسطيني بقوتها السياسية وبمؤسسات المجتمع المدني التي تقاد بشكل أساسي من قبل اليسار أو بمن تربوا في صفوفه.

والذين أقاموا المؤسسات غير الحكومية الكبيرة وتمت مركزتها في رام الله, وفي اعتقادي أن من خرج عن هذه القاعدة فقط هي التيارات الإسلامية التي عملت بشكل اقرب إلى احتياجات الناس, ونشطت إلى احتضان كل من لا يستطيع تكبد عناء السفر اليومي إلى رام الله.وأنشأت مدارسها وجمعياتها في كل مكان من الوطن.

وليس كحال مؤسسات المجتمع المدني العلمانية التي استسهلت النشاط في رام الله وساهمت في تدليل نفسها وتدليل ممثلي الدول الأوروبية ومؤسسات الممولين, فلماذا يجب عليهم السفر إلى جنين أو الخليل أو خان يونس, طالما أن بإمكانه عدم تكبد عناء السفر, ويستطيع أن يصل إلى أي مطعم ومن أي طراز , ويجد من حوله كل أولائك الذين يتحدثون الانجليزية بطلاقة, وكل العاملين في المواقع المتقدمة في الوزارات الفلسطينية.

أقول أن ذلك طبيعي جدا ومقبول وله مبرراته في حالة لو كنا دولة أو شبه دولة, ولكن الاحتلال حولنا إلى كنتونات غير متصلة, وها هو يحول رام الله إلى شبه دولة قائمة بذاتها, هل نستسلم أمام الأمر الواقع ونبقي على بناء مؤسساتنا الفلسطينية في رام الله كأنها عاصمة, وبالتالي نزيد من حالة التوتر والفصل السياسي مع كل محافظات الوطن؟

أم انه من الضروري جدا أن ندرك ونمارس تخطيطنا الاستراتيجي على أننا ما زلنا تحت الاحتلال بكل دلالات هذه الكلمة ومعانيها ؟ وأن نقف وقفة حقيقية أمام ما يجري على ساحة الوطن خاصة أننا على موعد قريب من الانتخابات التشريعية والتي ستتم ليس على قاعدة أوسلو, وليس على حتى قاعدة خارطة الطريق, وانما على قاعدة اننا فقط نريد انتخابات؟!

بيت لحم
4 كانون الثاني 2006