الإثنين: 20/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاستيطان في الأغوار ...... عقبة كأداء في طريق السلام

نشر بتاريخ: 23/05/2009 ( آخر تحديث: 23/05/2009 الساعة: 21:57 )
أريحا - معا - قرار الحكومة الإسرائيلية القاضي بتوسيع مستوطنة مسيكوت في الأغوار أعاد قضية الاستيطان والتهويد التي تتعرض لها الأغوار يوميا بعيدا عن الكاميرات ووسائل الإعلام إلى طاولة الاهتمام السياسي ، فالحكومات الإسرائيلية ومنذ السبعينيات أعلنت مجموعة من المشاريع والبرامج الاستيطانية الهادفة إلى الاحتفاظ بمنطقة الأغوار من منظور استراتيجي امني يحقق للحكومة الإسرائيلية اصطياد ثلاثة عصافير بمبرر واحد ألا وهو مبرر الأمن ، ويرى دعاة الاحتفاظ بالأغوار من قادة الجيش واليمين المتطرف أن استمرار السيطرة الإسرائيلية على الأغوار سيؤدي إلى تحقيق التواصل الجغرافي بين الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 48 وبين بئر السبع وصحراء النقب في الجنوب عبر منطقة عازلة في الأغوار وثانيا عزل الضفة الغربية عن العمق العربي وثالثا السيطرة على الخزان المائي في منطقة الأغوار بما في ذلك نهر الأردن والبحر الميت .

وإذا ما تتبعنا حقيقة الإجراءات المفروضة على سكان الأغوار من حيث الفصل وتقييد الحركة ومنع التوسع العمراني وعدم السماح بتوفير خدمات الكهرباء والصحة والسكن ، إلى جانب سلسلة الطرق الالتفافية والأخرى العسكرية ، فان ذلك يقود إلى محصلة مفادها أن سلطات الاحتلال قد باشرت منذ سنوات تنفيذ مشروع الون والذين طرح في السبعينيات كحل لمستقبل الأغوار تحديدا والأراضي الفلسطينية عامة ، إذ أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد كثفت من إجراءات المصادرة للأراضي الفلسطينية تحت مسميات الأمن والتوسع الاستيطاني في منطقة الاغوار والتي تعادل مساحتها الكلية 23% من مساحة الضفة الغربية ، وأحكمت السيطرة على أكثر من 400 الف دونم كمناطق عسكرية مغلقة 23 الف دونم لأغراض استخدامها كقواعد عسكرية وأكثر من 25 الف دونم لأغراض الاستيطان ، في حين لم تبق للفلسطينيين سوى مساحة قليلة من الأراضي الصالحة لزراعة والتي يفترض أن تشكل سوقا للأيدي العاملة الفلسطينية والتي تعتمد 100% على القطاع الزراعي كسوق عمل إذ أن المساحة الكلية القابلة للزراعة في الاغوار والتي تعتمد على الري والتي تشكل بمجموعها من إجمالي الأراضي الزراعية التي تعتمد على الري قد تقلصت إلى 50% فقط والتي كان يتوقع أن تسهم بأكثر من 20% من الإنتاج المحلي في السوق الفلسطيني .

يضاف إلى ذلك أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد استغلت تصنيف مناطق السيطرة على التجمعات السكانية الفلسطينية وفق اتفاقيات السلام والمصنفة C،B،A لإعادة برمجة سيطرتها على منطقة الاغوار وإعادة نشر قواتها والاحتفاظ بمناطق ذات أهمية استراتيجية ومنع توسع السيطرة الفلسطينية في التجمعات السكانية مقابل التوسع الاستيطاني تحت مسميات التوسع الطبيعي أو النمو الطبيعي لمستوطنات المصنفة C البلاغ مساحتها 1020 كم ما أدى إلى السيطرة الكاملة على المياه الجوفية في منطقة ذات خصائص مناخية خاصة بسبب انخفاضها عن سطح الأرض وارتفاع درجات الحرارة ، وسهلت عمليات الاستيلاء على المياه إذ يضخ المستوطنون أكثر من أربعين مليون متر مكعب من المياه الجوفية من 35 بئرا ارتوازيا مقابل 18 مليون متر مكعب من المياه من خلال 130 بئر ارتوازيا تعود للفلسطينيين في منطقة الاغوار ، يضاف إلى ذلك حرمان الفلسطينيين من حقهم في مياه نهر الأردن إذ أشار مشروع جونسون إلى أن الحقوق المائية الفلسطينية في نهر الاردن سنويا هي 250 مليون متر ، إلى جانب حرمان الفلسطينيين من تنفيذ مشروع قناة الغور الغربية ومنعهم من استخدام أراضي منطقة الزور المحاذية لنهر الأردن والتي تعتبر من أخصب الأراضي الغورية

إن إجراءات الفصل والحصار التي تعرض لها سكان الأغوار من قبل سلطات الاحتلال من خلال تكثيف الحواجز وتقيد تحركات السكان وعرقلة وصول المزارعين إلى مزارعهم وعرقلة نقل منتوجات المزارعين خطوات تستهدف من خلالها سلطات الاحتلال ترحيل سكان الأغوار وإجبارهم لرحيل عمها ، وفسح المجال لمستوطنين للاستيلاء على أراضيهم.

فالمستوطنون والذين قل عددهم عن سبعة ألاف شخص وينعمون بخيرات ومياة الأغوار وتوفر لهم سلطات الاحتلال العيش الرغيد ، لم يتمكنوا من التأقلم مع ظروف حياة الأغوار الخشنة رغما من المزايا التي توفرها سلطات الاحتلال لهم من مواصلات وخدمات طبية وتعليم وطرق مواصلات .

ففي عام 1981 بلغ عدد المستوطنين في الأغوار 4000 مستوطن ليرتفع العدد في عام 1992 إلى 4150 مستوطن وفي عام 2005 وصل العدد إلى 7500 مستوطن ، ليتراجع في أعوام 2007/2008 إلى 6800 مستوطن يقطنون 36 مستوطنة ، تقطن بعضا منها عدة عائلات تعد على أصابع اليد ، في حين يدفع سكان الأغوار ضريبة هذة السياسة من حياتهم وأرضهم وحقهم التاريخي ، فيما تمضي سلطات الاحتلال في سياسة التوسع والضم الاستيطاني في الأغوار ، و قرار توسيع مستوطنة مسيكوت إشارة واضحة تعني أن سلطات الاحتلال قد فضلت الاستيطان على السلام رغم الحقائق الواضحة والملموسة والتي تشير لعدم جدوى الاستيطان في منطقة الأغوار.

فمن الناحية الاقتصادية فان عائدات الإنتاج الزراعي والصناعي للمستوطنات في الأغوار يقل بكثير عن قيمة الأموال التي تنفقها سلطات الاحتلال والتي تتجاوز المليارات ، أما من الناحية الديمغرافية فان أعداد المستوطنين والتي أكدتها مصادر عدة لم تصل للمستوى الذي يخلق خلالا ديمغرافيا لصالح المستوطنين.

ولم يخلق لدى المستوطنين الرغبة الجامحة للعيش في الأرض الموعودة ، وما يثبت ذلك هو هروب الكثير من عائلات المستوطنين من منطقة الأغوار لعدم القدرة على التكيف مع ظروفها البيئية والمناخية ، وان المرة الوحيدة التي أعلن فيها عدد من اليهود الروس الرغبة في الاستيطان في الأغوار كانت عام 2004 ، إذ طالب المهندس الروسي زئيف يدرين القادم من روسيا إلى جانب مجموعة من الروس رغبتهم في الاستيطان في الأغوار وبناء مستوطنة خاصة بهم لانتشالهم من البطالة و تشتمل على مركز لإعادة تكرير النفايات الصلبة ودفئيات زراعية وبيت لإيواء العجزة ، فصادقت الحكومة الاسرائلية على الطلب بسرعة غير متوقعة .

أما فيما يتعلق بالرؤيا الإستراتجية العسكرية والتي يرى أصحابها بضرورة الاحتفاظ بالأغوار كدرع استراتجي في وجة أي هجوم عسكري من الجبهة الشرقية ،فإنهم قد خسروا الرهان على هذة الإستراتجية ، بعد سقوط مفهوم الدرع الأمني ، وتحديدا بعد سقوط الصواريخ العراقية في العمق الإسرائيلي وقصف حزب الله للمدن الاسرائلية بالصواريخ من الجبهة الشمالية ، وأخيرا الحديث عن قدرات صاروخية عالية المستوى لعدد من دول الجوار يضاف إليها التهديد الإيراني ، مما يدعوا للقول بأنة بات من الواقع على سلطات الاحتلال إعادة النظر بإستراتجية العسكرية الاحتلالية في فلسطين والأراضي العربية والتوجة الجاد نحو السلام الذي يوفر للاسرائليين الأمن الاستقرار.