السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

لا بديل عن الحقيقة !!! بقلم: يحيى رباح

نشر بتاريخ: 24/01/2006 ( آخر تحديث: 24/01/2006 الساعة: 17:06 )
معا- بغض النظر عن اللغة الملتبسة التي يتحدث بها الإسرائيليون والأوروبيون والأمريكيون عن الانتخابات الفلسطينية, وطبيعة القوى المشاركة فيها, والاحتمالات المتوقعة للنتائج, وحجم الائتلاف الوطني الفلسطيني الذي سينتج عن هذه الانتخابات !!! فإن الوعي الفلسطيني يزداد, والاعتراف الفلسطيني يزداد أيضاً, بأنه لا بديل أمام القوى الفلسطينية على اختلاف عناوينها وألوانها ومعتقداتها, لا بديل عن الاندماج في نظام سياسي فلسطيني واحد, وأن هذا النظام يقوم تحت سقف أوسلو الذي نريد تفعيله وإعادته إلى الحياة الكاملة, وأن المشروع السياسي لهذا النظام السياسي الفلسطيني الذي يعترف الجميع بأنهم لا يملكون سوى الاندماج فيه, هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة طبقاً لقرارات الشرعية الدولية في حدود عام 1967, مع تغييرات طفيفة تتم برضى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عبر التفاوض, وهي تغييرات كان قد جرى بحثها والتوافق عليها في محادثات كامب ديفيد في نهاية ولاية الرئيس بيل كلينتون, وهي تفاصيل تتعلق بالقدس الشرقية, القدس العربية, التي احتلت عام 1967م, وتبادل الأراضي بنسبة ضئيلة بما لا يؤثر على تواصل الدولة ووحدتها الجغرافية.

بطبيعة الحال فإن هذه الرغبة الشاملة في الاندماج في النظام السياسي الفلسطيني, تحت سقف أوسلو, وتحت سقف المشروع الوطني لدولة في حدود عام 1967م يحمّل الأطراف الراغبة في الاندماج بعض الضغوط والمشاكل التي يتوجب عليها استيعابها حيث لا طريق سوى الاستيعاب أو الخروج من اللعبة بشكل نهائي, وربما بشكل مأساوي.

أول هذه الضغوط والمشاكل تتعلق بحركة فتح, بصفتها الحزب الحاكم, والتي ليس لديها سوى تجربة أن تكون هي الحزب الحاكم على امتداد العقود الأربعة الأخيرة, وأن تكون الحزب الحاكم بشروط مريحة جداً لها, متفردة بالقرار, وتشارك الآخرين وتشركهم حسب الرؤية التي تراها !!! وهي اليوم, مقبلة على مرحلة جديدة, فبرغم أن حركة فتح ستكون هي المتفوقة في الانتخابات, وستحتفظ بدور القيادة, ولكنها ستقود مع شركاء حقيقيين, ومع شراكة إلزامية وليس طوعية, ومع حصص ستفرضها الرؤى المشتركة, وليست رؤياها, وكل ذلك سينعكس بأشكال متعددة على بنيويتها الهيكلية, وعلى حياتها التنظيمية, و على منهجها في اختيار قياداتها, وعلى أسلوبها في التحالفات المحلية والإقليمية والدولية !!!

ثاني هذه الضغوط والمشاكل سوف تتحمله بشكل أساسي وربما شديد الوطأة حركة حماس, ذلك بسبب أن التطورات السياسية في المنطقة وفي العالم داهمت حركة حماس, بسرعة شديدة, ولم تمنحها الوقت الكافي لتهيئة نفسها للانتقال من مناخ إلى مناخ آخر معاكس, ومن خطاب يقوم على أسس التطهر والشعاراتية, والثوابت المطلقة, إلى خطاب يغرق في بحيرة الأمر الواقع, وعليه إن يسبح في البحيرة حتى لا يموت, ولا يجديه نفعاً استمرار الادعاء أنه سيسبح في البحيرة بدون أن يبتل!!! ولقد ظهرت آثار هذه الضغوط في الأسابيع الأخيرة التي سبقت يوم الانتخابات, حيث تحدثت حماس إلى أعضائها, وأنصارها ومؤيديها بلغة متداخلة, مشوشة, تتحدث عن الشيء ونقيضه في آن واحد, غير قادرة على التبرير, وظهر الناطقون باسمها أقل كفاءة مما كانوا عليه في الماضي عبر خطاب سهل تعودوا عليه لا يحتاج إلى آليات إقناع جديدة, مثل تلك اللاءات المعروفة, لا للانتخابات, لأنها انتخابات أوسلو, لا للسلطة لأنها سلطة أسلو !!! بل إن حركة حماس لم تنج من سياط الجهات الإسلامية في الساحة الفلسطينية مثل حركة الجهاد الإسلامي التي أعلنت صراحة بأنه على المستوى الإسلامي لم يحدث جديد يبرر الانخراط في هذه الانتخابات !!! أما الجهات الإسلامية العالمية الأكثر أصولية وشهرة مثل القاعدة فإنها أعلنت صراحة أن اشتراك الإخوان المسلمين ووليدتهم حركة حماس في الانتخابات يرقى إلى مرتبة الخيانة !!!

ولقد ظهرت في الساحة الفلسطينية بعض الإشارات الصغيرة التي تشير إلى ان هذا الانتقال لن يمر في داخل حركة حماس بسهولة ـ وهذا أمر طبيعي ـ , وكثيراً ما حدث شيء مماثل في منعطفات هامة سابقة, والاّ لماذا خرج الدكتور فتحي الشقاقي وشكّل حركة الجهاد الإسلامي, ولماذا خرج الدكتور عبد الله عزام وشكل ظاهرة في أفغانستان ؟؟؟ ولقد رأينا الشيخ أحمد نمر في خانيونس يرفض هذا الانتقال السريع والمتهور من وجهة نظره لحركة حماس عبر مشاركتها في الانتخابات, وهناك إشارات أخرى ولكننا لا نريد أن نستطرد في هذه الجزئية, وعلينا أن ننتظر ونرى, ذلك أن الإشارات التي أرسلتها الإدارة الأمريكية بقبول الإسلاميين المعتدلين وإعطائهم الفرصة لم تعرف حتى ألان شروطها الأخرى, وتداعياتها الداخلية على التكوينات السياسية لما يسمى بالإسلام المعتدل.

وثالث هذه الضغوط والمشاكل يرزح تحت ثقلها التنظيمات والفصائل الفلسطينية الأخرى, ذات التوجهات اليسارية, أو القومية, أو الفعاليات الاجتماعية, فهؤلاء جميعاً وجدوا أنفسهم في منطقة الوسط بين حركتي فتح وحماس, ووجدوا أنفسهم مشتتين أكثر مما يجب, ولقد جرت محاولات للتجمع والائتلاف, ولكنها لم ترق إلى مستوى التحدّي, وخاصة وأن تلك الفصائل والتنظيمات تعاني من أفول للمراكز الإقليمية والدولية التي كانت تدعمهم وتفرض وجودهم في الماضي, مثل الاتحاد السوفييتي, أو العراق, أو ليبيا, وكثير من هؤلاء قد لا يتمكنوا من تجاوز نسبة الحسم في هذه الانتخابات, وبالتالي فإن التحدي المطروح أمامهم هو الخيار الجدي الموت أو الحياة.

ربما الوقوف بشجاعة أمام هذه الحقائق, حيث لا بديل عن ذلك, هو الذي سيخلق الحراك الذي قد نراه بعد الانتخابات في المرحلة القادمة.