الخميس: 03/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

لا تلوموا لصوص الصحافة , بل مدراء التحرير

نشر بتاريخ: 19/06/2005 ( آخر تحديث: 19/06/2005 الساعة: 14:47 )
معا- كتب رئيس التحرير/ الاستغاثة التي كتبها الزميل محمد عبد ربّه في صحيفة الحياة الجديدة والتي ألقى الضوء من خلالها على وجود فئة (واسعة) من اللصوص الذين يعملون تحت اسم مراسلين صحافيين , فينهبون جهد الآخرين ويسرقون الموضوعات والتقارير وينسبونها لأنفسهم, ويكتبون اسماءهم فوقها وتحتها وينشرونها خارج الوطن, هذه الاستغاثة فعلت فعلها, حيث يتنافس الصحافيون ويتباحثون اليوم في كيفية وقف هذه الظاهرة.
ولكن يا محمد, هناك اخبار سيئة, حيث يتضح أن العديد من الذين أيدوا فكرتك وتضامنوا مع وجعك هم انفسهم يسرقون وينهبون التقارير دون ان يندى لهم جبين, حتى اذا حضروا اجتماعا للصحافيين ، قاموا - اللصوص انفسهم - وطالبوا بوقف ظاهرة السرقة على اعتبار انهم أحد ضحاياها .
احدهم وهو لا يمت لعالم الصحافة بصلة, حاول أن يعمل في أكثر من مهنة وفشل, ثم وجد أن بوابة الصحافة من دون بواب, فحمل كاميرا وحشر نفسه ذات يوم بيننا لزيارة قائد الشرطة ولانه يملك سيارة فقد وضع على سيارته كلمة press من كل الجهات لدرجة مبالغ فيها, وحين جلس الصحافيون مع قائد الشرطة واذا به يصيح شاكياً وباكياً ويشكو أن الكثير من (الدخلاء) على الصحافة يضعون على سياراتهم اشارة press , وامام ذهولنا مما يقول , أضاف (على الشرطة أن توقف هذه المهزلة وأن تمنع اي شخص لا يحمل البطاقات اللازمة من استخدام اشارة الصحافة) .
احد الزملاء, لم يتمكن من الصبر, فسأله وهل تملك انت بطاقة صحافة؟ وعلى الفور قام هذا المدّعي ونشر أمامنا عدة بطاقات للصحافة وعليها صورته!!!
على كل حال, وعودة الى الزميل محمد عبد ربّه, وهو زميل منتج يكدح على تقاريره, فأنني أقول ان نظرة عامة قد تشير الى أن هناك الكثير من الصحافيين الفلسطينيين غير منتجين, وأنهم يقضون معظم ساعات اليوم على التربص ومراقبة الصحف وصفحات الانترنت, فيأخذون من هذه الصحيفة ويبيعون لتلك المجلة, بل انهم يفاخرون بعملهم وسرقة تعب الاخرين, وتساعدهم في ذلك الصحف التي تنشر لهم (المواضيع المسروقة والأفكار المسروقة).
كما أن هناك ظاهرة جديدة يمكن ان يطلق عليها اسم (وضع اليد) وليس السرقة, فهناك مراسلون احترفوا الانتظار على ابواب المؤسسات النشطة وتلقفوا تقاريرها المطبوعة والمحررة والجاهزة للنشر ثم يرسلونها لتنشر باسمائهم من دون ادنى تعب ، ومثال على ذلك اشتكت موظفة في مؤسسة تغطي نشاطات الاسرى بقولها انها تمضي ساعات طويلة على صياغة تقارير الاسرى وتجري اتصالات مع الاسرى في السجون, وان المراسلين الصحافيين يأخذون التقارير (الجاهزة) ويستخدمون حتى عناوينها وينشروها في الصحف والصفحات الالكترونية باسمائهم الشخصية لكي يفهم القارىء أنها من وضع أيديهم.
وانا لا أصدق ابداً ان رئيس تحرير مجلة او صحيفة او وكالة او محطة راديو لا يعرف مصدر التقارير وأنه لا يشاهد نفس العناوين ونفس التقارير على صفحات الانترنت المتوفرة للجميع. ولو أراد مدراء التحرير وقف ظاهرة السرقة, ومنع السطو على تعب الاخرين لفعلوا ذلك بسهولة ولكن معظمهم يغمض عينيه امام حالة التنافس, وخصوصاً ان اللصوص, يختارون مواضيع شهية وافكار جذابة للسرقة, فهم لا يسرقون بضائع يسهل رفضها.
اما الأسلوب الجديد في السطو الصحافي, وهو نوع (ذكي) من السرقة, فيقوم به مثقفون, وكتّاب صحافيون منتجون, وانا لا اشكّك بأنهم من المراسلين المحترمين والمنتجين, ولكن يبدو ان الداء قد وصل اليهم, فسمحوا لأنفسهم بتجربة السرقة, فيختارون بعناية وثقافة, العنوان, ثم التقرير, ومن ثم يقومون بصياغته من جديد مع تغيير المقدمة والخاتمة ليبدو ان التقرير من صنيع ايديهم, والحق يقال أنهم ليسوا لصوص تقارير جاهزة , بل لصوص افكار, ينهبون الفكرة والعنوان وبدلا من اللقاء الذي اجراه زميلهم مع صاحب القصة يقومون هم بالاتصال بشخص اخر من افراد اسرة صاحب القصة وينشرون الموضوع مستفدين من اسمهم وثقة المجتمع بهم .
وانا ارى ان اللصوص من الفئة الاولى هم لصوص اغبياء او دخلاء على الصحافة, ولكن لصوص النوع الثاني هم لصوص انانيون وصحافيون ضعفوا امام المنافسة او عضتهم الغيرة بانيابها او ضربهم الكسل بحافره فانحطّوا الى السرقة المبنية على التدليس.
ومهما يكن الامر, فان الفلتان المهني في الصحافة يشبه الفلتان الامني في المجتمع , وهذا ينسحب على الاغاني والفيديو كليب والمؤسسات الاهلية والمنظمات غير الحكومية, فمجرد ان تقوم مؤسسة بعقد دورة مميزة نلاحظ ان باقي المؤسسات تسارع لمنافستها واحباطها.
واجمل ما في الامر, ان نبتسم, وان لا يشعر احد بالغضب, فنحن لا نتحدث عن شيء يستحق الغضب ، فالله سبحانه وتعالى خلق الصواب وخلق الخطأ ، كما خلق الخير والشر متلازمان ، وحين اشاهد الزملاء والزميلات غاضبون لان هذا الزميل او ذاك و تلك المجلة نسخوا ا تقاريرهم ونشروها في الصحف والمجلات او نسبوها لمصادر اجنبية دون ان يذكروا مصدر الخبر, او ان صفحات الكترونية نشرت تقاريرهم بعد ان قاموا بتغيير العنوان, اقول لهم ( انتم تريدون نشر افكاركم, اذن هيا ابتسموا فها هي قد انتشرت وان هذه الصحف والمجلات لا بد يوما وان تبادلكم نفس المشاعر الطيبة فانتم زملاء ولستم اعداء لهم" وحتى لا يشعر اللصوص بالحرج, أو "الله يستر" يسرقوا هذه المقالة ويسخدمونها ضدنا ، أسوق لكم هذه القصة المسلية" ذات يوم سرق احدهم فكرة مهرجان صحافي واراد ان ينفذه قبلنا ، وفي اجتماع عام هاجمنا بعنف لاننا سرقنا فكرته ,فارتكبنا حماقة وذهبنا نشكو الامر الى مديره الذي فاجأنا بهجوم عنيف لاننا( سرقنا الفكرة), واذكر يومها انه ذكر امامنا بانه ( اذا يكره شيء في الدنيا فهو السرقة ) , ثم اكد لنا ان الفكرة فكرتهم وان علينا الاعتراف باننا لصوص والاعتذار له ، ولانه شخص عنيد لم يتبق امامنا سوى الاتصال بوزارة الاعلام واستصدار وثيقة تؤكد ان الفكرة مسجلة باسمنا منذ شهرين , وحين واجهناه بالحقيقة لم يعتذر ولم يندى له جبين بل قال بكل ثقة ( ان الامر لا يتعدى كونه توارد افكار وليست سرقة.... فاهمين , توارد افكار مش سرقة) .