الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

رواية "وادي الغيم" لعامر أنور سلطان

نشر بتاريخ: 07/06/2020 ( آخر تحديث: 10/06/2020 الساعة: 13:46 )
رواية "وادي الغيم" لعامر أنور سلطان
الكاتب: نصير أحمد الريماوي

تُحفة أدبية فريدة

رواية تاريخية مشوّقة ومثيرة للاهتمام، تتشابك فيها الأحداث وتتقاطع الأمكنة والأزمنة، وتتلاقى فيها الشخصيات وتتصادم

حركة الأشخاص فيها حركة نامية، وزمن متحرك بين الحاضر والماضي إلى المستقبل

وادي الغيم، رواية للروائي "عامر أنور سلطان" التي ظهرت للنورأخيرا بعد جهود مضنية والسّفر في بطون الكتب لمدة عام من البحث والتنقيب عن المعلومات حتى اكتملت فصولها التسعة.

هذه الرواية الصادرة عن "دار طباق للنشر والتوزيغ" تعانق غلافها لوحة للفنان "أيمن حرب" تجسّد التقاء الثقافتان، الإسبانية و العربية الإسلامية في مشهد مُعبّر، وهي مثيرة للاهتمام ومحفزة للتفكير.

لقد كان لعنوانها الرّمزي اللافت وقع كبير على النفس، وكذلك لمضمونها الزّاخر الذي يتحدث عن مأساة تهجير وتشريد الإنسان العربي من وطنه إلى جميع أصقاع العالم.

لقد شرّفني كاتبها بإرسال نسخة منها لي في أحد الأيام فانكببت على قراءتها، التهمت صفحاتها الـ(296) صفحة تلو الأخرى دون توقف حتى أنهيتها، واستمتعت بها أيما استمتاع بفضل لغتها السلسة و أسلوبها السردي التاريخي: المشوّق، والمثير، والممتع، والمترابط، وطرحها العديد من الأسئلة التي تلامس وجدان كل إنسان حر وغيور على وطنه، والتي ما زالت تبحث لها عن الأجوبة الشافية.

لقد توارى كاتبنا خلف بطل الرواية "خالد الرومي" - الباحث عن جذوره وقصته المنقوصة التي شتتتها وبعثرتها حروب الإخوة - ليأخذنا من خلال حركة الأشخاص النامية، والزمن المتحرك من الحاضر إلى الماضي فالمستقبل، وتتشابك فيها الأحداث وتتقاطع الأمكنة والأزمنة، وتتلاقى فيها شخصيات، وأحيانا تتصادم من خلال شخصيات معيقة متطرفة.

من خلال روايته هذه "عامر سلطان" سلّط الضوء على موضوع في غاية الأهمية، وهو الربط ما بين أسباب سقوط الأندلس التي كانت حروب الإخوة، وما يجري في عالمنا العربي اليوم من صراعات وحروب بين الإخوة وآثارها المدمرة وتخلفه.

" عندما عمّ التسامح والعدل والانتماء للوطن ساد العرب العالم، لكن عندما تسللت الطائفية إليهم أضاعوا أنفسهم والبلاد، لو كانت حروبنا مع أعدائنا لكان فرح الانتصارات أكبر، ولكانت مرارة الهزيمة أقل؟؟؟" هذا ما قالته"نورا" لخالد.

لقد جمع العرب كل علومهم وحضارتهم من قلب العالم العربي وسلموها للغرب على طبق من ذهب على أرض "الأندلس" فكانت الدولة الاسلامية هناك سببا في تقدم العالم الغربي ووضع العالم الحالي وتأخر العرب؟؟.

تعمّد كاتبنا سرد هذا الحوار مع"نورا" لما فيه من دعوة إلى الصحوة من السبات العميق في عالمنا العربي والاسلامي للنهوض والدفاع عن الوجود حتى لا يحلّ به مثلما حلّ بالمسلمين في الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية في عام 995م، وانتشار الفوضى، والطائفية المقيتة التي مزّقتها بإعلان كل طائفة أو عائلة الاستقلال في مدينة من المدن مما سهل على الممالك الاسبانية مهاجمة المسلمين في حروب"الاسترداد" والانتصار عليهم، وبسقوط "غرناطة" في عام1492م انتهى وجود المسلمين بالمذابح هناك!!!.

فكانت حروب الإخوة حفاظا على السلطة والجاه وتغليب المصلحة الشخصية من بين أسباب الهزيمة ، بعدما كان القرأن والدين يوحّدهم ، بالإضافة إلى النزاعات والحروب التي أججها خصوم وأعداء المسلمين لتعميق ضعفهم.

ما نعيشه اليوم من ظروف شبيهة تماما بتلك، ولم نأخذ العبر من الماضي الممتد لحاضرنا!!!.

أستطيع القول: إن كاتبنا - بهذا الجهد الكبير والمشكور- استطاع تصوير هذا الواقع المؤلم بسبب المؤامرة(الأمريكية، العربية، والصهيونية)العالمية عليه أجمل تصوير لدرجة يجعلك تعيش أحداث الرواية، وجسّدت صوره الأدبية هذا الواقع الذي مازال مستمرا لغاية الآن للأسف الشديد، ونقل من خلالها للقراء حقيقة ما جرى ويجري ببراعة ومهارة.

من وجهة نظري، هذه الرواية تكشف مدى حالة الضياع التي يعيشها الإنسان العربي بعد هذه الجريمة وما تلاها من مآسٍ ومعاناة ألم الانسلاخ عن الجسد الواحد، وكفاحه من أجل لمّ الشّمل والعودة إلى الوطن الأم.

هذه رواية تاريخية واقعية ملتزمة بالهمّ العربي خلال فترات تاريخية متتالية مرّ بها في الماضي وما زال ، وقد عرضها - كاتبنا المبدع- في قالب أدبي ينبض بالروعة، وجمال التصوير، وسعة الخيال، وهي تحفة أدبية فريدة.

ولا أغالي إذا قلت: إن كاتبنا استطاع بهذه الرواية أن ينعش الذاكرة العربية الاسلامية بهمومها وانتكاساتها، ويبعث الأمل في النفوس، ويشحذ الهمم لمستقبل أفضل إذا تعلمنا كيف نغلّب مصالح الوطن على المصلحة الخاصة؟ وأن لا سبيل للحفاظ على الوجود والنهوض والتطور إلا بالوحدة

ورصّ الصفوف.

أعتبر هذه الرواية إضافة جديدة نوعية إلى المكتبة العربية كونها جزءا من الفكر التراثي الإنساني الهام. كما أنصح بتحويلها إلى مسلسل تلفزيوني وترجمتها إلى لغات أجنبية.