الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانتفاضة الثانية... نكبة جديدة للفلسطينيين

نشر بتاريخ: 21/06/2005 ( آخر تحديث: 21/06/2005 الساعة: 13:56 )
محمد ابو عرام - الخليل
ربما لايوافقني البعض من الوهلة الأولى لمشاهدته العنوان ،ولكنني أريد التوضيح ،أو بالأحرى التذكير ،لأن كل شئ سأتعرض له واضح لكل من يسمع ويرى ،فرغم ما يبديه الشعب الفلسطيني من مقاومة باسلة وبطولية في وجه المحتل الأسرائيلي،الذي يستخدم آلية عسكرية ضخمة ضد شعب أعزل، الا أن هذا الشعب يتعرض لعمليات انتقام بشعة على مرأى ومسمع العالم كله ،فالانتفاضة كانت الرسالة الفلسطينية للاسرائيلين بضرورة رحيل الاحتلال ،حتى يعيش الفلسطينيون بسلام ككثير من شعوب العالم ،الا ان هذا المحتل قد فسر تلك الرسالة كما أرادها، حيث اعتبرها ارهابا، وبدأ بالرد عليها بالاسلوب الذي يناسبه والذي رآه ويعرفه الجميع.
إن هذا الشعب المنسي منذ النكبة الأولى عام 1948م ، ومرورا بالنكبة الثانية أو كما أسموها (النكسة) عام1967م، لا يمكن أن ينسى أن أرض فلسطين هي أرض أجداده منذ الاف السنين، وان هذه الأرض هي أمانة في عنق كل فلسطيني،لا يمكن ان يفرط بذرة تراب منها، فعام 1948م، أي عام النكبة الأولى قدم هذا الشعب تضحيات جسام في سبيل حماية أرضه، والشواهد تثبت ذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مجازر دير ياسين، وقبية التي أشرف عليها رجل السلام أرئيل شارون بنفسه!!، ومجزرة نحالين، وكفر قاسم، واللد التي ما زالت جدران مسجدها محتفظة باثار دماء الشهداء الذين سقطوا في تلك المجزرة، وغيرها الكثير من المجازر، والتي منها ما يتم اكتشافه حديثا لأنها كانت سرية، ولم تكن تلك المجازر هي المظهر الوحيد للنكبة عام 1948م، بل تعددت مظاهرها حيث أن المجازر الاسرائيلية لم تكن الا بهدف الاستيلاء على الأرض، فكانت تضع الخيار أمام السكان ،إما الموت على أرضهم أو الرحيل عنها، وهذا كان انذاراً أو رسائل للآخرين بضرورة عدم البقاء في فلسطين، أي الرحيل والهجرة،وهكذا فإن اسرائيل كانت - وما تزال- لا تأبه بأحد من الفلسطينين ،فتشتتوا في العديد من الدول العربية، كلبنان التي استقبلت حوالي 100000 فلسطيني، وسوريا 30000 ، والأردن ،والكويت وغيرها، وقد أقاموا في تلك البلاد وسكنوا بيوتهم الجديدة التي أخذت طابعاً جديدا، واسماً هو المخيمات، والكل يعرف أن كلمة مخيم تشير الى اقامة مؤقتة اضطرارية، ولكن فلسطينيي الشتات مازالوا في مخيماتهم منذ تهجيرهم من فلسطين، فمتى هي العودة بعد الاقامة المؤقتة ؟!!
أما النكسة عام 1967م، أو (النكبة الثانية)، فهي لم تختلف عن سابقتها - 1948م- إلا أنها كانت استكمالاً لخطة عام 1948م في قتل الفلسطينين، واحتلال المزيد من أرضهم، بل وأرض جيرانهم، فقامت اسرائيل باحتلال معظم الأرض الفلسطينية، ثم احتلت سيناء المصرية، والجولان السورية، واستكملت خطتها التهجيرية، فكانت الهجرة الفلسطينية الثانية في عام 1967م.
أما اليوم ومنذ بداية انتفاضة الأقصى المباركة، فقد اعتبرت اسرائيل مظاهرات الفلسطينيين خطرا عليها وعلى جنودها الذين أمطروا بحجارة الكف العنيد ، ولكنها لم تضع في حساباتها ان مقدسات الشعب، والأمة تشكل القلب والوريد لهما، فتحدت الجميع وقبلت على نفسها دخول اليهودي شارون المسجد الأقصى الاسلامي الشريف، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين .
وبعد أن احتدم العراك بين الطرفين، الفلسطيني المدافع عن وطنه وكرامته وحرمته، والاسرائيلي المعتدي والمحتل ، كانت هناك معادلة صعبة، خاصة وأن الشعب الفلسطيني أراد من هذه الانتفاضة أن يُسمع صوت الرفض الفلسطيني للعالم، وخاصة العالم العربي، لكن معادلة مواجهته مع اسرائيل كانت نتيجتها صفرية، فكان مالم يتوقعه أي فلسطيني من صمت عالمي، عربي وغربي، وكان ذلك تشجيعا للاحتلال ليتمادى في طغيانه، ليقتل الى الان ما يزيد على ثلاثة آلاف فلسطيني ويجرح عشرات الالاف، ويتسبب في كثير من الاعاقات الدائمة لكثير منهم، كما يقوم باعتقال ما يزيد على سبعة الاف فلسطيني، فهل هؤلاء كلهم ارهابيون؟!!!.
كما أن هذا الاحتلال اقتبس الكثير من ماضيه في سبيل تحقيق خطته التهجيرية (Transfer)، فقام ولا زال يقوم بهدم المئات من المنازل، تاركاً سكانها داخل خيام، ليعيد لهم ذكريات السنين الخوالي، والأمثلة على كل ذلك موجودة، ولكن ما الفائدة ما دام أمر التذكير بها أو تركها في الصدور سيان اذا ما أردنا معروفا من العالم المعوق، الذي لا يقدر على الحركة الا بدفعة أمريكية نحو طريق تجره اليها.
ولكن اذا ما اراد الجاهل بحقيقة ما يجري على أرض فلسطين المعرفة ، فالفلسطيني يقول له أن المجازر في جنين ومخيمها، ورفح، وغزة، والبريج، وحيّ الزيتون، وحي الدرج، هي الحال الفلسطيني ، وكذلك عمليات الاغتيال البشعة للقادة، والكوادر، والرموز الفلسطينية، أمثال الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي،وأبو علي مصطفى، ومن لم يتم اغتياله فقد تم اعتقاله أمثال مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح، وحسن يوسف القيادي في حركة حماس، والنائب حسام خضر، وأحمد سعدات، وغيرهم الكثير، وكل ذلك - وان كان كقطرة ماء من بحر- فإنه يصور بعض ملامح المسرح الفلسطيني المتهلهل.
فهل اختلف الأمر؟ نعم فقد زاد سوءاً، خاصة وأن ما كان يحدث للفلسطينين في النكبتين عامي 1948 و1967م ، لم يكن معظم ماجرى خلالها ظاهراً للعيان ، فلا يوجد عتاب كبير على العالم بسبب جهله- وان لم يكن بالمعنى المقصود- بما يجري في فلسطين، أما اليوم فالعالم كله يسمع ويرى، لكنه كما سبق وذكرت معوق وعاجز عن الحركة، التي لا يحظى بها الا بقوة الدفع الأمريكية، فكل العالم رأى بعينيه جريمة القتل الوحشية بحق الشهيد الطفل محمد الدرة في أحضان أبيه المفجوع ، وكل العالم أيضا رأى مشهد المجزرة الاسرائيلية بحق الفلسطينيين العزل في المسيرة السلمية برفح، والتي كان ضحيتها ما يزيد على عشرين شهيدا جراء قصف المروحيات الاسرائيلية لهذه المسيرة، فهل بعد كل هذا هناك استغراب لتسمية ما يجري بالنكبة؟!!! .