الأربعاء: 01/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

في رحيل طالب قسم الصحافة عاصم العارف: عندما يصبح الموت والاحتلال وجهان لعملة واحدة؟!

نشر بتاريخ: 05/03/2006 ( آخر تحديث: 05/03/2006 الساعة: 15:02 )
نابلس- معاً- أيهما أبشع سطوة الموت أم قسوة الاحتلال؟! أهما وجهان لعملة واحدة؟!
هذان السؤالان تجسدا برحيل الصحافي الشاب عاصم الحج محمد، ابن قسم الصحافة( سنة ثالثة ) في جامعة النجاح الوطنية، ذلك الطالب البشوش المشرق، المبدع في مهنته، المتشبث بأطراف الحلم وزاد الأمل وجدوى الحياة رغم رمادية ألوانها، عاصم رحل بعد غيبوبة دامت لشهرين، لكن الغيبوبة الأكبر الذي كانت تؤلمه هي الاحتلال.

في المستشفى:

لم تمض ساعات على إنهاء أهل الشهيد إجراءات خروجه من المستشفى الوطني في مدينة نابلس - بعد شهر من الغيبوبة-، إلا أن القدر كان يتربص به، ليسرق ابتسامته الوردية وضحكته العذبة، عاد معافى من المستشفى ليكمل العلاج الطبيعي (المساجات) إلا أن جلطة من شدة الفرح أعادته لثلاجة الموت مرة أخرى، حيث فارق الحياة، جامعا من حوله زملاءه وأحبته، الذين عشقوه ووجدوا فيه معاني الصداقة النبيلة والإخوة الحقيقية، لكنهم - الآن- يحملونه على الأكتاف شهيدا في سبيل الكرامة والعلم والحقيقة.

حاجز حوارة الموت والاحتلال:

على حاجز حوارة توقفت سيارة الإسعاف، التي تنقل الجثة لقريته "جالود " جنوب نابلس، مدة ساعتين وجنود الاحتلال يمارسون ساديتهم المعتادة، إذ قاموا باحتجاز شقيقي الشهيد محمد ومالك بالإضافة إلى سائق الإسعاف ووصف محمد الشقيق الأصغر ممارسات الاحتلال قائلا: "عند وصولنا الحاجز قام الجنود بأخذ هوياتنا وأجهزتنا الخلوية قبل أن يقيدونا ووضعونا في قفص الاحتجاز أو المعروف "بالجورة".

ولم يكتف الجنود بذلك بل قاموا بإنزال الجثة من السيارة ووضعها في العراء، ليقوموا بعدها بتفتيش الإسعاف بصحبة كلب بوليسي، حيث عاث فسادا داخلها.

ويضيف مالك الشقيق الأكبر للشهيد "حتى والدتي وزوجتي فقد قيدتا على مرأى من أطفالي"، ويردف مالك بقوله: "لم يصدق الجنود أن شقيقي عاصم قد مات على الرغم من الأوراق الثبوتية الموجودة بحوزتنا، وبعد اتصالات ومماطلات تأكدوا من ذلك".

وتشير شقيقة الشهيد إلى أن الجنود قد ضحكوا بسخرية وهم يقولون: "الذي تبحثون عنه مات".

وكما معروف عن الزميل عاصم انه من أسرة مناضلة فوالده يوسف العارف الحج محمد من قيادات الجهاد الإسلامي والمعتقل حاليا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأخيه الأصغر حمزة هو الآخر معتقل.

وبعد ساعتين من القهر والإذلال على حوارة سمح للموكب الجنائزي بمواصله مسيره.

حاجز (زعترة) الصورة متشابهة:

وفي أثناء وصول حاجزة زعترة تم توقيف سيارة الإسعاف لساعة ونيف، والصورة القبيحة للاحتلال لم تختلف إلا بقول إحدى المجندات لسائق الإسعاف "على الرغم من انه مطلوب.. لكن صغير".

يذكر أن الشهيد ممنوع من الخروج من نابلس بحجه الانتماء السياسي لوالده المعتقل.

هذا وكان الشهيد قد حصل على بعثة لدراسة الإعلام الالكتروني في ألمانيا، إلا أن المخابرات الإسرائيلية قد منعته من مغادرة الضفة الغربية.

عائد إلى قريتي جالود:

وبجنازة مهيبة شيع جثمان الشهيد في قريته جالود، بمشاركة أهله وأصدقائه وزملائه من قسم الصحافة ومسئولي العلاقات العامة في الجامعة، حيث اشتغل الزميل في العلاقات العامة متطوعا منذ عامه الجامعي الأول، وكان مخلصا في تعامله مع الآخرين، ومهتما بإيصال الحقيقة عبر مهنته (الصحافة) التي أحبها واخلص لها، وكذلك عبر علاقاته مع الوفود الأجنبية، لينقل لهم ما يجري في بلده، باللغة الانجليزية التي يتقنها وبالألمانية التي بدأت بتعلمها.

النهاية لم تنته بعد:

برحيل شهيد العلم والصحافة (عاصم العارف الحج محمد) يكون قسم الصحافة في جامعة النجاح الوطنية قد خسر أكثر من ثمانية شهداء في سبيل استقلال الكلمة وحرية الرأي.

ففي كل عام تسقط ورقه خريف لتلحق بها الأخرى، لكن عاصم لم يكن ورقة الخريف العام هذا، بل زهرة اللوز بنقاء روحه و نبل أخلاقه وصفاء قلبه، فالكلمات غالبا ما تعجز عن وصف الزملاء الذين يرحلون بسلام، لتبقى رسالتهم ونبقى نحن على عهد بحمل الأمانة.

لكن عاصم برهن برحيله المبكر أن الموت والاحتلال وجهان للعملة ذاتها، فهما يلتقيان في القسوة والبشاعة، وعلى الرغم من كل شيء انتصر عاصم عليهما، فالاحتلال نهايته الزوال، والموت بدايته إرادة الحياة.



طلبة جامعة النجاح الوطنية